دونت فى مفكرتى أكثر من مرة هذا الأسبوع عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس»، فقد ترددت كثيراً فى الفترة الأخيرة، مما يدعو لمحاولة البحث عن مدلولها الظاهر والخفى، والذى قد يختلف من شخص إلى آخر، وفق كل سياق وردت فيه. ولقد كان الصديق العزيز رجل الأعمال الكبير إبراهيم كامل، هو أول من أطلق هذه العبارة من محبسها وكأنها الجن الذى حبس فى قمقم وألقى به فى قاع البحر سنين طويلة منذ دخل السيد جمال مبارك معترك الحياة السياسية، إلى أن جاء أخيراً من أطلقه. فقد أدلى الدكتور إبراهيم كامل بحديث صحفى مهم أعلن فيه صراحة أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، مبدياً أسبابه القوية، ومضيفاً أن ذلك «فى حالة عدم ترشح الرئيس»، ولا شك أنه كانت هناك دوائر أخرى تدعو لترشيح جمال مبارك للرئاسة لكن أياً منها لم تبادر بالمجاهرة برغبتها تلك، خاصة ونحن فى شهر الصيام كما فعل الدكتور إبراهيم كامل متصورة خطأ أو صواباً أن الإنسان لا يجاهر هكذا برغباته الدفينة فى الأحاديث الصحفية، لذلك فستظل الريادة فى هذا الموضوع من نصيب الدكتور إبراهيم كامل، الذى ما أن أطلق عبارته هذه حتى صارت مثلاً. ولقد أحصيت عدد المرات التى ذكرت فيها عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس» هذا الأسبوع فوجدتها عشر مرات بالتمام والكمال فى مختلف الصحف وأجهزة الإعلام، أى بمعدل حوالى مرة ونصف المرة تقريباً فى كل يوم، وهى نسبة مازال فيها، بلا شك، قدر من الاستحياء ولا تعبر، بأى حال من الأحوال، عن حقيقة المشاعر الشعبية المتدفقة عبر كل فئات وطبقات الشعب المصرى كالصواريخ العابرة للقارات، لكنها بلا شك قابلة للزيادة فى الأيام المقبلة وحتى حلول موعد انتخابات الرئاسة فى العام المقبل. وتكمن عبقرية عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس» فى أنها تسمح لقائلها بأن يدعو لترشيح جمال مبارك بالفم المليان، وأن يعمل حملة انتخابية علنية كاملة على نطاق شعبى واسع دون أن يتهم بالافتقار للالتزام الحزبى، متفادياً فى الوقت ذاته الوصف البليغ الذى أطلقه الدكتور على الدين هلال، أمين الإعلام بالحزب، والقاضى بأن ترشيح أى شخص غير الرئيس مبارك للرئاسة هو «قلة أدب»، ولقد قيل وقتها إن الدكتور على قد أسىء فهمه لأنه لم يكن يقصد على الإطلاق حملة شخص آخر يحمل أيضاً اسم مبارك، وأن الوصف الذى تفضل به أمين الإعلام بالحزب لا ينطبق، من قريب أو بعيد، إلا على من لا يكون «مبارك» ضمن اسمه الثنائى، فهؤلاء ينطبق عليهم جميعاً وصف قلة الأدب، وقلة الذوق، وقلة الكياسة، بالإضافة لأوصاف أخرى كثيرة لا شك أن لسان الدكتور على عف عن النطق بها، ولقد وضعت خطاً أحمر فى مفكرتى تحت عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس» حين وردت أخيراً فى إحدى الصحف منسوبة للسيد عمرو موسى، الذى قالت الجريدة إنه لم يستبعد ترشحه للرئاسة «فى حالة عدم ترشح الرئيس»، فقرأت الخبر بسرعة لأجد أن الأمين العام للجامعة العربية لم ينطق بهذه العبارة وأنه لم يتحدث فى موضوع ترشحه للرئاسة، بل استبعده قائلاً إنه لم يتخذ فيه موقفاً، ووجدت أن الجريدة هى التى أطلقت هذه العبارة فى وصفها لما صرح به عمرو موسى. لا أريد أن يفهم من هذا الحديث أننا ضد الترشح للرئاسة، فمرحباً بكل من يريد الترشح «فى حالة عدم ترشح الرئيس»، فكلما زاد عدد المرشحين، اتسعت الثغرة الديمقراطية التى نعيشها لتصبح أوسع من رحمة ربنا، إننا لا نمانع على الإطلاق فى أن يترشح كل من يجد فى داخله رغبة ملحة لذلك، خاصة إذا صعب عليه التحكم فى تلك الرغبة أو إرجاؤها إلى أن يفتح باب الترشح فى العام المقبل، وحتى لا نفاجأ عند فتح الباب الموصد بأن جميع الواقفين عليه قد ترشحوا على أنفسهم. من هنا تأتى أهمية عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس» التى أوجدت أخيراً مخرجاً لتلك الرغبة المكبوتة التى كان يمكن أن تؤدى إلى انفجار لا تحمد عقباه. وربما كان العيب الوحيد فى هذه العبارة هو أنها قصيرة الأمد، لأن كل من استخدمها اليوم قد يجد نفسه فى العام المقبل مضطراً لاستخدام عكسها، وعندئذ سأحاول البحث فى مفكرتى عن صفحات فارغة أدون فيها عدد المرات التى وردت فيها عبارة «فى حالة ترشح الرئيس» بدلاً من عبارة «فى حالة عدم ترشح الرئيس».