نجح صديقنا «عزام محجوب» المؤرخ والأكاديمى التونسى فى إقامة ندوة حول كيفية كتابه الدساتير، والرجل الذى أعرفه منذ سنوات طويلة تعرض لاضطهاد فى عهد «بن على» لآرائه الإصلاحية ودفاعه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد الثورة استطاع أن يمارس نشاطه فى داخل تونس بعد أن كانت كل لقاءاتنا فى ندوات خارجها. وقد استمعت فى هذا اللقاء لحديث اثنين من أساتذة القانون من كل من إندونيسيا والبرازيل، الأول هو بيدرو دلارى، أستاذ القانون فى جامعة سان باولو، الذى أشار إلى أن مجلس كتابة الدستور البرازيلى انتخب عام 1986، وضم 487 نائباً و72 من مجلس الشيوخ - أى منتخبين وفق نظام انتخاب مجلس النواب والشيوخ، وضم المجلس 8 لجان أساسية، كل واحدة تضم 3 لجان فرعية وهى: 1- لجنة دولة القانون وحقوق المرأة. 2- إدارة مؤسسات الدولة. 3- تنظيم الأحزاب والانتخابات. 4- التنظيم القضائى والميزانية والمالية. 5- النظام الاقتصادى. 6- الشؤون الاجتماعية. 7- شؤون الأسرة والتربية والثقافة والرياضة والإعلام والتكنولوجيا والاتصالات - كلها لجنة واحدة. 8- لجنة تنظيم سلطة المؤسسات الحكومية. ولعل أهم ما ميز اللجنة التأسيسية فى البرازيل مسألتان: الأولى أنها سمحت لكل 30 ألف مواطن أن يوقعوا لصالح نص دستورى، وتصبح اللجنة التأسيسية مطالبة بتبنِّيه، والطريف أن بعض هذه التوقيعات جمعت فى مباريات كرة القدم ذات الشعبية الواسعة فى البرازيل، والمسألة الثانية هى أن دستور البرازيل الذى وافق عليه الشعب فى 1988 أجرى عليه 74 تعديلا فى 24 سنة، وأن تعديل الدستور كان يطلب موافقة 3 على 5 من أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ، واعتبر الخبير البرازيلى أن كل الأطراف السياسية ستعلن بعد كتابة أى دستور أنه سيئ ولا يعبر عنها، لأن الدستور بمعناه التوافقى لن يكون مقبولا تماما من كل حزب أو تيار سياسى، فالمهم - كما قال - أن يكون دستورا ديمقراطيا يضمن الحقوق الأساسية لكل المواطنين. أما إندونسيا، فقد تحدث عنها أرسكال سليم، الفقيه القانونى، الأستاذ بمعهد دراسات الحضارة الإسلامية بجامعة أخاخان الإندونيسية، وقد ذكر أن دستور ما قبل انتفاضة 2000 التى أسقطت الرئيس سوهارتو كان ينص على أن الدولة تضمن حرية العقيدة وتحمى معتقدات الأفراد، دون أى إشارة للشريعة، رغم أن عدد سكان إندونيسيا يبلغ 224 مليون نسمة، 85% منهم مسلمون، وحين فازت التيارات الإسلامية بأغلبية أعضاء اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور - حصلت على 82 صوتاً مقابل 42 للتيارات المدنية - أضافت على الدستور نص: «وتعمل الدولة على حماية الشريعة والقيم الدينية والقانون». والمفارقة أن التقدم الذى حصلت عليه التيارات الإسلامية عقب سقوط سوهارتو فقدته فى انتخابات 2009، إذ حصلت على حوالى 20% من مقاعد البرلمان، وظل هناك توافق على مادة حماية الشريعة والقيم الدينية بين التيارات الإسلامية والمدنية. وباستثناء الخبرة البرازيلية التى تقع خارج العالم الإسلامى فإن سؤال الهوية والإسلام ظل مطروحا فى تجارب البلدان العربية والإسلامية المختلفة، ففى الحالة المصرية توافق المجتمع على نص المادة الثانية الحالى «مبادئ الشريعة الإسلامية»، رغم حديث البعض عن الأحكام بدلا من المبادئ. وفى تونس، هناك اتجاه قوى للاكتفاء بنص «دين الدولة الإسلام» رغم مطالبة البعض بالنص على مبادئ الشريعة. وهناك، أخيرا، إندونيسيا التى توافق الناس على أن الدولة تحمى الشريعة والقيم الدينية والقانون. المهم ألا تتعارض هذه النصوص مع مبادئ الديمقراطية والدولة الوطنية الحديثة. [email protected]