واعتذرت «سمر فرج فودة» لعموم الشعب المصرى عن المساس بالجلابية فى المتحف الكبير، اعتذاركم مقبول لأجل عضم التربة، وكان طيب الذكر الدكتور فرج فودة يرتدى الجلباب فى المناسبات اعتزازا. ليطمئن قلبى، راجعت صورتى على الواتساب، لاتزال كما هى بالجلابية والطاقية، واغتبطت تماما، وتمتمت: الحمد لله الذى عفانا مما ابتلى بعضهم، فأنكروا المعلوم بالضرورة من لباس المصريين. ولهذه الجلابية التى فى الصورة معزة خاصة، وقصة أرويها على سبيل تزجية الفراغ الفكرى الذى أصاب البعض فطفقوا يسلقون الشعب الطيب بألسنة حداد. لسبب أو لآخر، كان والدى، الله يرحمه، يأخذ إجازة كرها يوم الانتخابات، عادة المنوفى لا يتغيب فى المناسبات الوطنية، يعطى التمام الوطنى كما يقول كتاب «الشمائل والفضائل فى إيجاب المستوجبات». يصحو من النجمة، مع العصافير، يتوضأ ويصلى الفجر حاضرا، ويفطر بضع لقيمات يقمن صلبه فى طابور الانتخابات، ويرتدى أفضل ثيابه، الحتة اللى على الحبل. جلابية الانتخابات، حتة كشمير إنجليزى معتبر، جلابية بلدى بأكمام واسعة، وصديرى لامع بصف زراير محبوك. كنت أسميها ساخرا «جلابية الانتخابات».. وما كان يغضب الوالد، الله يرحمه، منى قط، بل يعدنى بجلابية بلدى (جوخ) لما أكبر ويطلعلى أكتاف. لم نورث درهما ولا دينارا، ورثت الجلابية عن والدى فخورا، وأحتفظ بها جوه عنيا، ولأمد الدهر، حتى زوجتى تعاملها معاملة حذرة خشية المساس، معاملة «كؤوس النيش»، ممنوع الاقتراب أو اللمس. كانت والدتى، الله يرحمها، تحافظ على الجلابية زى عنيها، بعد مشوار الانتخابات تستقبلها براحة يدها الكريمة، تنظفها مما علق بها من تراب السكك بقماشة طرية، تكويها، وتطبقها، وتلفها بملاية بيضاء، وتزودها بالنفتالين خشية العتة. ورثت جلابية الانتخابات عن والدى للذكرى الخالدة، وصورتى ع «الواتس» بالطاقية والجلابية لمن يحب، ولكن لم أرتدِها فى الحياة العامة حتى الآن، ممنوع دخول الجلاليب، شعار مرفوع إلى حين. الدنيا تغيرت، الله يرحم أيام الطاقية والجلابية، أيام الخمس تسعات فى أيام كولونيا «التلت خمسات»، كانت أيام ذات رائحة نفاذة، الجلابية كانت مشبعة بالنفتالين المشع. كل وقت وله أذان، وكل وقت وله لباس، وجدتى، الله يرحمها ويبشبش الطوبة اللى تحت راسها، كانت تقول: «كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس». الريف خلع الجلابية البلدى من زمان، أصبحت فلكلورا، عموم المصريين يرتدون الأزياء الإفرنجية، ورغم ذلك يحتفظون بالجلابية للمناسبات السعيدة، وهناك طقس مستحدث ما يسمى جلابية بارتى، لاستعراض صنوف الجلاليب!. نوستالجيا محببة، والنوستالجيا هى الحنين إلى الماضى، شعور يجمع بين الشوق العميق والحنين لذكريات أو أحداث أو أماكن مرتبطة بفترة سابقة، على وزن كلمات أغنية ذكريات عبرت. ما يطمئن أن الوعى المصرى حاضر بقوة فى المشهد، المصريون يرتدون جلابيبهم تحت الجلد، يمسكون بتلابيب ماضٍ تولى، ويحنون لأيام خلت، وهذا ليس بغريب على شعب يحتفظ بالكراكيب فى المنور. افتتاح المتحف الكبير عكس حالة نوستالجيا وطنية خالصة، المصريون من تحولوا فى الفضاء الإلكترونى من الملابس الفرعونية إلى ارتداء الجلابية والطاقية، فعلا شعب ملوش كتالوج، شعب أتعب شعوب الأرض جميعا، سر هذا الشعب من سر الأرض، والأرض التى يمشى عليها تبارك خطاه، ومحروسة يا مصر.