القانون يحدد شروطا للتدريس بالمدارس الفنية.. تعرف عليها    محافظ بورسعيد يبحث استعدادات إجراء انتخابات مجلس النواب 2025    أول تعليق من «الأطباء» على واقعة إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة طبية بقنا    تفاصيل محاكمة المتهمين بالتنمر على الطفل جان رامز على مواقع التواصل    القانون ينظم عمل ذوي الاعاقة.. تفاصيل    سعر الذهب اليوم الجمعة 14-11-2025 في الصاغة.. عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه خلال عطلة البنوك اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    وزير المالية: الكثير من الدول المتقدمة صناعيًا على مصر شهدت زيادات هائلة في أسعار الطاقة والإنتاج والفائدة    "بي بي سي" تعتذر رسميا لترامب عن تحريف خطابه وترفض دفع تعويضات    وزير الدفاع الأمريكي يعلن بدء عملية "الرمح الجنوبي" ضد شبكات مخدرات في الغرب    وزير خارجية سوريا: نسعى لتفادي التصعيد مع إسرائيل ونحاول الرد دبلوماسيا    العثور على حطام طائرة إطفاء تركية ووفاة قائدها    بن غفير يتباهى بالتنكيل بمواطنين فلسطينيين داخل إسرائيل    صلاة الاستسقاء قطر اليوم – تفاصيل أداء الصلاة في مصلى لوسيل    إنجلترا تواصل حملة الانتصارات مع توخيل وتعبر صربيا بثنائي أرسنال    المنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026 بعد تأهل فرنسا    تقرير: خطة برشلونة لتكريم ميسي    طنطا يواجه ديروط.. ومسار يصطدم ب الداخلية في دوري المحترفين    بعد الفوز على الكاميرون.. الكونغو تصعد لنهائي الملحق الأفريقي لكأس العالم 2026    الغندور والقلاوي حكمان لمباراتي مصر والجزائر استعدادا لكأس العرب    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    إخماد حريق محل خردة في «تعاونيات زهور بورسعيد» دون إصابات    «اقفلوا الشبابيك» .. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار رعدية ورياح هابطة    بالأسماء.. مصرع وإصابة 14 شخصاً في حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    مصرع وإصابة 8 أشخاص في حادث تصادم بطريق القصير مرسى علم    ضبط المتهمين بإصابة طبيب بطلق ناري أثناء مشاركته في قافلة طبية بقنا    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص في تصادم موتوسيكل ب"توك توك" بطريق نبروة بالدقهلية    الهام عبد البديع تخطف الأنظار على السجادة الحمراء بعد غياب طويل بمهرجان القاهرة السينمائي ال46    أنغام تشارك في مسابقة «الفنانة المفضّلة» ضمن joy awards بموسم الرياض    ما الذي تغير في نانسي عجرم بعد ال 40؟ الفنانة ترد (فيديو)    أذكار المساء يوم الجمعة – حصنك من الشر والهم والضيق    4 أبراج «بيجيلهم اكتئاب الشتاء».. حسّاسون يتأثرون بشدة من البرد ويحتاجون للدفء العاطفي    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    طريقة تنظيف حوامل البوتاجاز شديدة الاتساخ بمكونات من مطبخك    عمر هشام طلعت يفوز بعضوية المكتب التنفيذى للاتحاد العربى للجولف..والرميان يحتفظ بالرئاسة    الصين وإسبانيا تؤكدان تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوسيع التعاون الاقتصادي    ترامب يكثف جولاته الداخلية وسط تصاعد الانتقادات الاقتصادية    زوروها زوروها.. أنصار مرشحي الدائرة الثانية يحتجون على نتائج الحصر العددي بقنا    الفيلم التركي كما نتنفس يعرض صورة مغايرة للحياة التركية في عرضه الأول بمهرجان القاهرة السينمائي    نانسى عجرم : كنت زمان حاطه ضغط على نفسى بس دلوقتى وصلت لمرحلة لازم أقدّر حالى وأحتفل بنجاحي    "الصحة" تنظم جلسة لمناقشة تطبيق التحول الأخضر في المستشفيات وإدارة المخلفات الطبية    ابرز ادعية النجاح في المطر والدعاء التوفيق    موجة أمطار رعدية تضرب مدينة الإسكندرية.. وتحذيرات عاجلة للمواطنين    عمرو طلعت: الذكاء الاصطناعي ليس منافسًا للإنسان بل أداة لتعزيز الكفاءة الإنتاجية    وزير المالية: مصر أمام فرصة استثنائية حقيقة لتكون مركزا رئيسيا للتصنيع والتصدير.. ويجب ألا نضيعها    بين الإبداع والتنوع الثقافي.. «أيام قرطاج المسرحية» تنظم منتدى مسرحيًا عالميًا    كلية الآداب بجامعة عين شمس تستقبل مدير شراكات جامعة إسيكس البريطانية    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    بث مباشر مباراة العراق والإمارات اليوم في تصفيات كأس العالم 2026 – ملحق آسيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    إسعاد يونس: أتمنى استضافة عادل إمام وعبلة كامل وإنعام سالوسة «لكنهم يرفضون الظهور إعلاميا»    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُعضلة التوازن: لماذا تتردد دول جُزُر المحيط الهادئ فى تفعيل تعاونها الدفاعى مع أستراليا؟
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 09 - 2025

كان من المُرتقب أن توقع بابوا غينيا الجديدة وأستراليا، فى 17 سبتمبر 2025، على اتفاقية دفاعية تاريخية، غير أنه تم تأجيل التوقيع، واكتفت الدولتان بتوقيع بيان رسمى بدلًا من الاتفاقية. وقبل ذلك بفترة قصيرة أوقفت فانواتو إبرام اتفاقية أمنية وتنموية مع أستراليا أيضًا. وجاءت هذه التطورات فيما حثَّت الصين بابوا غينيا الجديدة على عدم توقيع أى اتفاقية من شأنها منع أو تقييد تعاون أطراف ثالثة مع الدولة الواقعة فى المحيط الهادئ.
تعاون دفاعى:
ترتبط دول جزر المحيط الهادئ بعلاقات دفاعية وأمنية مهمة مع أستراليا، تتعدد ملامحها ومؤشراتها، ويمكن توضيح أبرزها فى النقاط التالية:
1. إبرام اتفاقيات ومعاهدات دفاعية: عملت دول جزر المحيط الهادئ مؤخرًا على إضفاء الطابع المؤسسى على تعاونها الدفاعى والأمنى مع أستراليا، عبر عقد اتفاقيات دفاعية مع كانبرا؛ وهو ما تجسَّد فى المعاهدة الدفاعية رفيعة المستوى، التى تم تأجيل التوقيع عليها، بين بابوا غينيا الجديدة وأُستراليا، والتى يُطلق عليها مُسمى معاهدة «بوكبوك»، والتى كانت ستمثل - حال توقيعها- أول اتفاقية من نوعها لبابوا غينيا الجديدة مع دولة أخرى، فى ظل بنودها المتعلقة بالدفاع المشترك، وتكامل القوات، وتجنيد مواطنى بابوا غينيا الجديدة فى قوات الدفاع الأسترالية.
وقد وقَّعت الدولتان فى أواخر عام 2023، اتفاقية أمنية ثنائية، دخلت حيز التطبيق فى ديسمبر عام 2024، كإطار قانونى ملزم لتعميق العلاقات الأمنية بين بابوا غينيا الجديدة وأستراليا. وهناك أيضًا اتفاقية تعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية بين فانواتو وأستراليا، والتى يُطلق عليها مُسمى «ناكامال»، والتى تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى فى أغسطس 2025، بقيمة نحو 330 مليون دولار أمريكى.
وفى نوفمبر 2023، وقَّعت توفالو وأستراليا على معاهدة أُطلق عليها «اتحاد فاليبيلي»، دخلت حيز التنفيذ فى أغسطس 2024، وذلك بناءً على طلب توفالو من أستراليا المساعدة فى حماية مُستقبلها، وتتضمن المعاهدة ثلاثة مجالات رئيسية للتعاون: التعاون فى مجال المناخ، والتنقل، والأمن المشترك.
وفى ديسمبر 2024، وقَّعت جزر سليمان وأستراليا اتفاقية أمنية جديدة، تقوم بموجبها كانبرا بتقديم 190 مليون دولار لتعزيز حجم قوة الشرطة فى جزر سليمان، بما فى ذلك تأسيس مركز جديد لتدريب الشرطة فى العاصمة هونيارا، فى إطار مساعى كانبرا لمنع الصين من توسيع وجودها الأمنى فى الدولة الواقعة فى المحيط الهادئ.
2. أبرز مضامين التعاون الدفاعى المُرتقب: تتضمن الاتفاقيات والمعاهدات الدفاعية التى تم تأجيل التوقيع النهائى عليها بين كل من بابوا غينيا الجديدة وفانواتو وأستراليا العديد من البنود المهمة. فبموجب المعاهدة الدفاعية المؤجلة بين بابوا غينيا الجديدة وأستراليا، ستقوم الأخيرة بدمج قواتها المسلحة مع قوات دفاع بابوا غينيا الجديدة، كما ستُتيح المعاهدة لأستراليا تجنيد جنود من بابوا غينيا الجديدة والعكس، بجانب أنها ستتيح أيضًا لمواطنى بابوا غينيا الجديدة الحصول على الجنسية الأسترالية من خلال الخدمة فى الجيش الأسترالى.
واتصالًا بما سبق، تتضمن المعاهدة أيضًا التزام الدولتين بالدفاع عن بعضهما بعضًا ضد أى هجوم عسكرى على أى من أراضيهما. وكذلك ضرورة التشاور بين أستراليا وبابوا غينيا الجديدة عندما تشعر أى منهما بوجود تهديد لسلامة أراضيها أو استقلالها السياسى أو أمنها.
وستمنح الاتفاقية قوات الدفاع الأسترالية إمكانية الوصول دون عوائق إلى عدد من المواقع داخل بابوا غينيا الجديدة. كما ستتيح الاتفاقية تحقيق التكامل التام بين جيشيْ الدولتين، فضلًا عن قيامهما بإجراء مناورات عسكرية مشتركة بشكل سنوى، تُسمى مناورات «بوكبوك»، بما فى ذلك التعاون فى مجالات الفضاء الإلكترونى والحرب الكهرومغناطيسية. كما سيترتب على الاتفاقية تأسيس تحالف بين الدولتين، وبموجبها ستصبح بابوا غينيا الجديدة ثالث حليف عسكرى رسمى لأستراليا بجانب الولايات المتحدة ونيوزيلندا.
أما الاتفاقية الأمنية والاقتصادية المؤجل التوقيع عليها أيضًا بين فانواتو وأستراليا، فتتضمن التعاون فى مواجهة تغير المناخ، والتنمية الاقتصادية، فضلًا عن تسهيل وصول مواطنى فانواتو إلى أستراليا. وقد تم التوقيع على المعاهدة المعروفة باسم «ناكامال»، فى 13 أغسطس 2025؛ بهدف تعزيز التعاون الاقتصادى والأمنى والثقافى. وهى تُركِّز على التجارة، وتنقل العمالة، والأمن البحرى، ومساعدات التنمية.
ضغوط بكين:
هناك العديد من الدوافع والمخاوف التى تجعل دول جزر المحيط الهادئ تبدو مُترددة فى توجهها بشأن تقوية التعاون الدفاعى والأمنى مع أستراليا، ويمكن توضيح ذلك فى الآتى:
1. غياب التوافق الداخلى: تتسم الحكومات فى بعض دول جُزُر المحيط الهادئ بأنها ذات طابع ائتلافي؛ وهو ما يعنى أن اتخاذ القرار بشأن القضايا المصيرية فى هذه الدول يرتبط بوجود مساومات داخلية بين شركاء الائتلاف الحكومى للوصول إلى توافق عام. وبالنظر إلى مسألة التعاون الدفاعى بين هذه الدول وأستراليا، يُلاحظ وجود تباين وعدم توافق فى مواقف الأطراف المشاركة فى الائتلافات الحكومية بشأن تلك المسألة؛ وهو ما تجسَّد بشكل واضح مؤخرًا فى عدم موافقة حكومة بابوا غينيا الجديدة على المعاهدة الدفاعية مع أستراليا، بدعوى عدم تمكن مجلس الوزراء من بلوغ النصاب القانونى اللازم للتوقيع على الاتفاقية.
وهناك إشارة إلى عدم ارتياح بعض الوزراء تجاه بعض بنود الاتفاقية، فضلًا عن التحفظات السياسية والتشريعية بشأن المعاهدة، خاصة التخوف من تأثيرها فى استقلالية علاقات بابوا غينيا الجديدة مع أستراليا. كما يُجادل البعض بأن أحكام المعاهدات التى تنظم التعاون الدفاعى بين بابوا غينيا الجديدة وأستراليا تنتهك الدستور، وسيتم الطعن فى دستوريتها أمام القضاء.
وبالنسبة لفانواتو، فقد اعترض رئيس حكومتها، جوثام نابات، على الاتفاقية الأمنية والاقتصادية بين بلاده وأستراليا، مُبررًا ذلك بعدم ارتياح بعض أعضاء الائتلاف الحكومى لبنود الاتفاقية. فضلًا عن التخوف من تأثير الاتفاقية على قدرة البلاد على إبرام اتفاقيات مع دول أخرى لتمويل مشاريع تطوير البنية التحتية الحيوية، وذلك فى إشارة ضمنية إلى الصين. هذا بجانب التحديات التى تواجه تنفيذ الاتفاقية بسبب عدم الاستقرار السياسى فى فانواتو، إلى جانب ما تُشير إليه بعض الأوساط السياسية والإعلامية من غياب الشفافية بشأن تفاصيل وبنود الاتفاقية.
2. قلق بشأن الاستقرار الداخلى: تُشير تقديرات إلى أن بابوا غينيا الجديدة لديها أولويات أكثر إلحاحًا من مجرد زيادة الجاهزية القتالية للقوات المسلحة وربما إلزامها بالقتال خارج البلاد. وحذرت هذه التقديرات من أن التوجه نحو تعزيز قوات الدفاع قد يُسهم فى زعزعة استقرار البلاد. ففى دولة فيجى، على سبيل المثال، قد يترتب على امتلاك الجيش قدرات كبيرة إمكانية تحوله إلى مصدر للتهديد السياسى. كما أن هناك مخاوف من أن الالتزامات الاجتماعية تجاه القبائل أو العشائر فى بابوا غينيا الجديدة قد تؤدى إلى تحول الأسلحة المخصصة للجيش إلى «صراعات قبلية؛ مما يؤدى إلى العنف الذى قد يتجاوز نطاق سيطرة الدولة».
3. المخاوف حول السيادة الوطنية: تنظر دول جزر المحيط الهادئ إلى المسائل والقضايا المرتبطة بسيادتها الوطنية بحساسية شديدة؛ الأمر الذى يجعلها تتأنى فى تفعيل وتعزيز تعاونها الدفاعى والأمنى مع أستراليا. ويرجع ذلك إلى انتهاج تلك الدول، وعلى رأسها بابوا غينيا الجديدة، والتى تُعد أكبر دولة جزرية فى المحيط الهادئ، سياسة خارجية ترتكز على الحياد وعدم الانحياز؛ فهى تروج لنفسها باعتبارها «صديقة للجميع وليست عدوة لأحد».
وتطرح مسألة التعاون الدفاعى والأمنى بين دول جزر المحيط الهادئ وأستراليا بعض القضايا المرتبطة بالسيادة الوطنية، مثل مسألة قيادة القوات المسلحة فى حالة تطبيق خطط الدمج الكامل للقوات، وكذلك مسألة الولاء الوطنى، بجانب العقبات القانونية والسياسية.
4. ضغوط بكين: تُعد منطقة المحيط الهادئ إحدى المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى بالنسبة للصين، وقد تنامى وجودها فى المنطقة فى الفترة الأخيرة، وخاصة لتضييق الخناق على تايوان، ومواجهة تزايد دور حلفاء واشنطن فى المنطقة، ولا سيما أستراليا، من خلال تعزيز وتقوية علاقاتها مع دول جزر المحيط الهادئ؛ ومن ثم فمن غير المستبعد أن يكون الوجود القوى للصين فى المنطقة أحد الاعتبارات الرئيسية المهمة التى تجعل هذه الدول تتردد فى التوجه نحو تعزيز التعاون الدفاعى والأمنى مع أستراليا.
وفى هذا الإطار، ربما تكون الصين قد مارست ضغوطًا معينة على بعض هذه الدول لكبح توجهها نحو تعزيز تعاونها مع أستراليا، ولا سيما لجهة إبرام اتفاقيات دفاعية مع كانبرا، لما سيترتب عليها من التأثير السلبى فى مكانة ونفوذ الصين فى المنطقة، ولا سيما فى ظل وجود التزامات ترتبط بمنع قيام دول ثالثة بإبرام اتفاقيات أمنية مع دول جزر المحيط الهادئ.
وثمة تقارير أفادت بأن الصين مارست ضغوطًا دبلوماسية شديدة لعرقلة التوقيع على المعاهدة الدفاعية بين بابوا غينيا الجديدة وأستراليا؛ وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تصريحات وزير الدفاع فى بابوا غينيا الجديدة، بيلى جوزيف، مؤخرًا بأن جهات خارجية، لم يسمها، حاولت إفشال الاتفاقية، وذلك فى تلميح ضمنى إلى وجود دور صينى بهذا الشأن.
فقد حثَّت الصين بابوا غينيا الجديدة على عدم توقيع أى اتفاقية قد تمنع أو تُقيد تعاون أطراف ثالثة مع الدولة الواقعة فى المحيط الهادئ؛ حيث نصحت السفارة الصينية فى بابوا غينيا الجديدة، فى منشور على مواقع التواصل الاجتماعى، بابوا غينيا الجديدة بعدم المساس باستقلالها، وحثتها على «التعامل بشكل سليم مع القضايا التى تمس سيادتها ومصالحها طويلة الأجل».
وتتخوف بابوا غينيا الجديدة من أن تؤدى الاتفاقية رفيعة المستوى مع أستراليا إلى التأثير فى علاقاتها مع الصين، خاصة وأن بكين تُعد أحد أهم الشركاء التجاريين والاقتصاديين لبابوا غينيا الجديدة. وبالنسبة لفانواتو، فقد تحدثت مصادر دبلوماسية عن محاولة الصين إقناع فانواتو بالتراجع عن اتفاقية «ناكامال» مع أستراليا.
5. التنافس بين حلفاء الولايات المتحدة والصين: يمثل التنافس الاستراتيجى على النفوذ فى منطقة المحيط الهادئ بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين من جهة أخرى، أحد الاعتبارات المهمة التى تدفع دول جزر المحيط الهادئ إلى التردد فى تعزيز وتقوية تعاونها الدفاعى والأمنى مع أستراليا، وذلك تجنبًا للوقوع فى فخ الاختيار ما بين إحدى القوى الكبرى المتنافسة فى المنطقة؛ حيث تحاول العديد من دول جزر المحيط الهادئ، بما فيها بابوا غينيا الجديدة، تجنب الانحياز إلى أى طرف فى صراعات القوى العظمى فى ظل التنافس الاستراتيجى المتنامى بين بكين وحلفاء واشنطن، ولا سيما أستراليا فى هذه المنطقة.
سيناريوهات مُتوقعة:
على الرغم من التردد الذى تبديه دول جزر المحيط الهادئ بشأن التعاون الدفاعى والأمنى مع أستراليا، للاعتبارات السابق الإشارة إليها؛ فإن هذا التعاون يمكن أن يتخذ العديد من المسارات والسيناريوهات المستقبلية، والتى يتمثل أبرزها فى السيناريوهين التاليين:
1. تعزيز التعاون الدفاعى: يفترض هذا السيناريو توجه دول جزر المحيط الهادئ نحو تعزيز وتفعيل التعاون الدفاعى مع أستراليا، من خلال المضى قُدمًا فى إجراءات وخطوات إبرام معاهدات الدفاع الثنائى المشترك مع أستراليا، والتى تم إرجاء التوقيع عليها بين الجانبين مؤخرًا؛ وهو ما يدعم الإطار المؤسسى والقانونى الحاكم للتعاون الدفاعى والأمنى بين دول جزر المحيط الهادئ وأستراليا.
ومن المحفزات التى تحفز تحقق هذا السيناريو التصريحات الصادرة عن بابوا غينيا الجديدة وأستراليا، والتى تؤكد إمكانية توقيع المعاهدة الدفاعية بين الدولتين فى المستقبل القريب، خاصة فى ظل غياب أى خلافات بين الدولتين بشأن المعاهدة. كذلك، أعربت كل من فانواتو وأستراليا عن ثقتهما فى التوصل إلى حل وسط بشأن إبرام الاتفاقية الأمنية بين الدولتين قبل نهاية العام الجارى. فضلًا عن سعى أستراليا إلى تكريس مكانتها ودورها باعتبارها شريكًا أمنيًا مفضلًا وموثوقًا به لدول المنطقة. بجانب استمرار التفاوض بين أستراليا وكل من فيجى وتونغا بشأن تعزيز التعاون الثنائى فى مجال الدفاع.
ومع ذلك، فإن هناك قيودًا عدة ربما تمنع تحقق هذا السيناريو، ومنها أن زيادة قدرات الجيوش فى بعض دول جزر المحيط الهادئ، كما هو الحال فى فيجى، قد تجعلها مصدرًا محتملًا لتهديد الاستقرار السياسى فى هذه الدول؛ وهو ما قد يفتح الباب أمام احتمالات حدوث انقلابات عسكرية فى المستقبل، وهو ما يحد من فرص تعزيز الأمن والاستقرار فى دول المنطقة.
بجانب التحركات الصينية الهادفة إلى عرقلة تعزيز التعاون الدفاعى بين دول جزر المحيط الهادئ وأستراليا، ولا سيما تنامى وجودها البحرى فى منطقة المحيط الهادئ فى الفترة الأخيرة، وخاصة حول أستراليا؛ وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على دول جزر المحيط الهادئ بما يدفعها للتفكير جديًا فى عواقب تعاونها الدفاعى مع أستراليا، ويجعلها تتريث فى توجهاتها بشأن تعزيز علاقاتها الدفاعية مع أستراليا.
2. الالتزام بالحياد: يذهب هذا السيناريو إلى أن التعاون فى مجال الدفاع والأمن بين دول جزر المحيط الهادئ وأستراليا سوف يتجه نحو التراجع فى الفترة المقبلة؛ نتيجة إخفاق الطرفين فى التوصل إلى توافق استراتيجى نهائى بشأن إبرام المعاهدات الدفاعية الثنائية بينهما، وذلك على خلفية استمرار غياب الثقة وعدم التوافق بشأن تلك الاتفاقيات. خاصة وأن هناك سوابق بهذا الشأن تمثلت فى قيام فانواتو بإلغاء اتفاقية أمنية وقعتها مع أستراليا فى عام 2022، بعد الفشل فى الحصول على التأييد الداخلى للاتفاقية، والمخاوف بشأن مدى توافقها مع سياسة عدم الانحياز التى تتبناها فانواتو.
ومما يعضد من إمكانية حدوث هذا السيناريو تبنى دول جزر المحيط الهادئ سياسة مُحايدة ترتكز على عدم الانحياز إلى أى من القوى الدولية الكبرى المتنافسة على النفوذ فى هذه الدول، فضلًا عن إدراكها لما سيترتب على تعزيز التعاون الدفاعى والأمنى مع أستراليا من انعكاسات سلبية ليس فحسب على أمنها واستقرارها، وإنما أيضًا على مجمل الأمن والاستقرار الإقليمى فى منطقة المحيط الهادئ، ولا سيما فى ظل التنافس الجيوستراتيجى على النفوذ بين القوى الكبرى فى المنطقة، وهو الأمر الذى تُرجح معه استجابة دول جزر المحيط الهادئ للضغوط الصينية الهادفة إلى منع إبرام اتفاقيات دفاعية بين هذه الدول وأستراليا، أو على الأقل تعديل صياغة وبنود هذه الاتفاقيات، بما يتيح المجال أمام الصين لعقد اتفاقيات أمنية فى المستقبل مع هذه الدول؛ وهو الأمر الذى سيمثل - حال حدوثه- تراجعًا كبيرًا لدور ومكانة أستراليا التى تنظر إلى نفسها باعتبارها شريكًا أمنيًا مفضلًا لدول جزر المحيط الهادئ.
وفى التقدير، يمكن القول إن دول جزر المحيط الهادئ تواجه معضلة كبرى بشأن توجهاتها نحو تعزيز علاقاتها الدفاعية والأمنية مع أستراليا، وذلك بالنظر إلى ما تمثله تلك المسألة من قيود وكوابح على سعى هذه الدول لتعزيز أمنها واستقرارها الداخلى فى مواجهة التحديات الأمنية التى تواجهها ببعديها الداخلى والخارجى، ولا سيما فى ضوء ما يترتب على هذا الأمر من تداعيات مهمة بالنسبة لهذه الدول، وخاصة التأثير فى استقرارها والمساس بسيادتها واستقلالها الوطنى من جهة، وتعرضها للضغوط الخارجية، سواء لزيادة الانخراط الدفاعى مع الجار الأسترالى الأقرب، أم لكبح هذا التعاون من جانب التنين الصينى الأبعد، انطلاقًا من التنافس الجيوستراتيجى المتصاعد فى المنطقة، والذى ينعكس سلبًا على ديناميكيات الأمن الداخلى والإقليمى لدول جزر المحيط الهادئ؛ الأمر الذى يجعل من خيار الحياد وعدم الانحياز البديل الأكثر إيجابية لتحقيق أهدافها ومصالحها الأمنية، بإبقاء علاقاتها الدفاعية والأمنية مع القوى الكبرى المتنافسة فى المنطقة على مسافة واحدة وعدم الانحياز لطرف على حساب الآخر.
ينشر بالتعاون مع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.