ليس غريبًا ولا مفاجئًا أن يتذكر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية على خامنئى فى تغريدة له مؤخرًا، الإمام على وسيفه ذو الفقار وموقعة خيبر، طبيعى منه وهو الزعيم الشيعى «الولى الفقيه» فى لحظة الهجوم الإسرائيلى المباغت على بلاده. لكن المفاجئ حقًّا أن يتذكر السفير الأمريكى فى أنقرة ومندوبها لدى سوريا (الجديدة) واحدة من المقولات المنسوبة إلى رجل الدولة والمؤسس العظيم معاوية بن أبى سفيان- الصحابى وأحد كتاب النبى محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى لو لم يذكرها السفير بدقة. المقولة تتعلق بما يعرف فى ثقافتنا العامة «شعرة معاوية» وأن استعمال السيف، أى الحرب، لا يكون إلا بعد استنفاد كافة الوسائل والأدوات الأخرى. كانت أمام السفير نماذج وكلمات لساسة وقادة وربما فقهاء وكتاب عرب أو ساسة ومفكرين غربيين كثر، لكنه فيما يبدو قصد التوقف عند مقولة واسم معاوية تحديدًا وليس غيره. منذ ثورة آية الله خمينى- فبراير سنة 1979- على عهد إدارة جيمى كارتر وحتى إدارة باراك أوباما، كل هذه الإدارات كانت تراهن على الإسلام (الشيعى)، النموذج الإيرانى تحديدًا. فى البداية كان الرهان على أن خمينى بأفكاره وما يتمتع به من كاريزما أو سطوة روحية سوف يتصدى للأفكار الماركسية فى إيران والمناطق المجاورة للاتحاد السوفيتى، يكون خنجرًا فى خاصرة السوفييت وأفكارهم الاشتراكية، كما أنه سيكون تهديدًا للأفكار العروبية والقومية، البعثية وبقايا الناصرية، فى العالم العربى بدءًا من العراق، وهكذا وجدنا أفكار خمينى تتسلل إلى المنطقة العربية، هنا فى القاهرة ساد الإعجاب به، على منابر بعض المساجد وكثير من الزوايا، فضلًا عن بعض المثقفين، حتى إن د. حسن حنفى قام منبهرًا بترجمة كتابه «الحكومة الإسلامية»، ثم كتاب «الجهاد الأكبر» وانطلق يبشر باليسار الإسلامى ولاهوت التحرير، كان الرئيس السادات يهاجم خمينى علنًا ويستضيف الشاه محمد رضا بهلوى، بينما كتب خمينى على الأرصفة فى شوارع القاهرة. فى سورياولبنان كان الأمر أكبر، لم تكن كتب خمينى فقط. وتغاضت الولاياتالمتحدة عن الخطاب الغاضب تجاه أمريكا، الذى ردده خمينى حيث طردوا الشاه ومنعوه حتى من تلقى العلاج عندهم، إرضاء لآية الله. حين خاضت إيران الحرب مع العراق ساندوه هم، وقامت إسرائيل بتزويد الجيش الإيرانى بالصواريخ، بسماح من الرئيس ريجان شخصيًا، فيما عرف بفضيحة «إيران جيت»، حين تم تسريب أخبارها للصحف، كما سمح للرئيس السورى حافظ الأسد بدعمه، الأهم من ذلك سمح لإيران وللحرس الثورى، بأن ينشر أذرعه فى العالم العربى، وهكذا تأسس حزب الله فى لبنان، مع الوقت صار الحزب أهم من الدولة، وحينما برزت زعامة وقوة رفيق الحريرى، لكنه كان سنيًا، جرى اغتياله، فى إضعاف متعمد للسنة هناك، وتفرق دمه بين الحزب وأجهزة بشار الأسد. امتدت الأذرع الإيرانية حتى تحدث مسؤول إيرانى رفيع بفخر «نسيطر على أربع عواصم عربية»، لكنه لم يذكر كم عاصمة يحلمون أو حاولوا السيطرة عليها؟ المعروف أن الأجهزة المصرية اكتشفت خلية لهم فى القاهرة سنة 2010، تم تهريب الأفراد من السجن ليلة 28 يناير سنة 2011. لم يكن ذلك بعيدًا عن الرضا الأمريكى، خاصة بعد 11 سبتمبر 2001، حيث ترسَّخ لدى الإدارة الأمريكية أن كل المسلمين (السنة) هم نسخ مكررة من بن لادن، وعلى ذلك جرى التخلص من صدام حسين واحتلال العراق وفتح جحيم المذهبية والطائفية فى العراق الشقيق وتلقت إيران بذلك هدية استراتيجية ثمينة وصارت الأبواب مفتوحة على مصراعيها من العراق وحتى حدود تركيا، وفى ذروة ظاهرة «ربيع أوباما»، المسمى كذبًا «الربيع العربى»، فى المنطقة العربية، جرى التغاضى الأمريكى عن بشار الأسد وجرائمه، حرصًا على النفوذ الإيرانى وسمح لإحدى الأذرع بتصفية الرئيس اليمنى على عبدالله صالح، وسمح لمن ساروا فى ظلال ولاية الفقيه بإهانة وقتل العقيد معمر القذافى وتعقب أبنائه بالقتل أو السجن. ثم جرت فى النهر مياه كثيفة بعضها عطن، حتى انفجرت أحداث السابع من أكتوبر فى غزة، هنا صارت الأذرع فى مواجهة إسرائيل، الابن الأولى بالرعاية لدى الولاياتالمتحدة ودول الغرب الكبرى، لعبة عض الأصابع التى خاضتها إيران من قبل وبذكاء تجاوزت الخطوط الحمراء، وجاء ترامب يريد أن يضع النقاط على الحروف ويرد إيران إلى قواعد اللعبة التى أرسيت سنة 79، ثم بعد 11سبتمبر، لكن شعور إيران بفائض القوة والنفوذ جعلها تستمر، مع تقديم تنازل مهم تصورت أنه يرضى الإدارة الأمريكية، وهو التخلى عن الأذرع وتركها لمصيرها، حسن نصر الله اغتيل، بشار الاسد أزيح ودُفع بديلًا ونقيضًا له، أى مسلم سنى لا يحب العلويين ولا الشيعة وأعلن فى صحيفة أمريكية أنه يجمعه بإسرائيل «أعداء مشتركون». المشكلة أن الإدارة الأمريكية لا تقبل من إيران فقط الخضوع والاستسلام، من الممكن ابتلاعه، لكنها تريد أن يكون خضوعًا ذليلًا، كما جرى مع اليابان لحظة الهزيمة، صيف سنة 1945. «استذلال» الضعيف أو المهزوم سلوك مفضل لديهم، الاستسلام الكريم، الذى يحفظ الحدود الدنيا من ماء الوجه والكرامة الإنسانية، غير مسموح به، يبدأ الاستسلام عندهم بكلمات مثل «بكل ذلة وخضوع...». فى المقابل الميراث الشيعى يقوم فى جانب مهم منه على المحنة والاستشهاد والمظلومية. قدموا هدية كبرى للمرشد الأعلى على خامنئى بالحديث عن إمكانية استهدافه. هنا نعود إلى استشهاد السفير الأمريكى فى أنقرة بمقولة أمير المؤمنين معاوية بن أبى سفيان: هل قررت الإدارة الأمريكية استبعاد الإسلام الشيعى واستبداله بنموذج طالبان مثلًا أو الجولانى؟ هل يفضلون النموذج التركى على غرار تجربة الرئيس أردوغان بالكثير من تفاصيلها؟ إسلام وفق الهوى والتصور الأمريكى؟ ولماذا الزج باسم معاوية وتاريخه فى تلك اللعبة؟ وماذا عن الدول والعالم العربى؟