قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    أول تعليق من روبيو على تقارير وقف بريطانيا تعاونها الأمني بسبب عمليات البحر الكاريبي    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    بموجب مذكرة توقيف، القبض على المغني الشهير أيكون    بسنت النبراوي تتألق على السجادة الحمراء في افتتاح الدورة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائي    مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    حبس شخصين لقيامهما بترهيب وفرض إتاوات على ملاك وحدات سكنية بالقطامية    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    «السك الأخير».. إنهاء عملة «السنت» رسميًا بعد 232 عامًا من التداول    «لو أنت ذكي ولمّاح».. اعثر على الشبح في 6 ثوانِ    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    أبوريدة: متفائل بمنتخب مصر فى أمم أفريقيا والوقت لا يسمح بوديات بعد نيجيريا    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    نقابة الموسيقيين تنفى إقامة عزاء للمطرب الراحل إسماعيل الليثى    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    انطلاق معسكر فيفا لحكام الدوري الممتاز بمشروع الهدف 15 نوفمبر    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    عماد الدين حسين: إقبال كبير في دوائر المرشحين البارزين    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    سحب منخفضة ومتوسطة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    أمطار تضرب الإسكندرية بالتزامن مع بدء نوة المكنسة (صور)    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    واشنطن تدعو لتحرك دولي عاجل لوقف إمدادات السلاح لقوات الدعم السريع    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 الآن في السودان ببداية تعاملات الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير المالية السابق: 2026 سيكون عام شعور المواطن باستقرار الأسعار والانخفاض التدريجي    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    عقار تجريبي جديد من نوفارتيس يُظهر فعالية واعدة ضد الملاريا    طريقة عمل فتة الحمص بالزبادي والثوم، أكلة شامية سهلة وسريعة    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    تعرف على ملاعب يورو 2028 بعد إعلان اللجنة المنظمة رسميا    ترامب يحمل «جين تاتشر» وكيندي استخدم مرتبة صلبة.. عادات نوم غريبة لرؤساء أمريكا    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    أسعار السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 3035    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد سيقضي على مشكلة «تشابه الأسماء»    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    السيسى يصدر قانون الإجراءات الجنائية بعد معالجة أسباب الاعتراض    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    محافظ أسيوط يحضر برنامج تدريب الأخصائيين على التعامل مع التنمر    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب أفريقيا: الديمقراطية تبدأ بالتوافق «2-2»
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 02 - 2012

تواصل «المصرى اليوم» الكشف عن أهم ملامح تجربة جنوب أفريقيا فى التغيير من الحكم العنصرى القائم على الاستبداد والقهر إلى عصر المساواة الذى وحد أكثر من 34 مليون نسمة مختلفى الأعراق والألوان تحت شعار «الوطن أولاً». ويرصد بعض الجنوب أفريقيين أهم الخطوات التى ساهمت فى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكيف وضعوا دستوراً شارك فيه جميع المواطنين.
الدستور شارك فيه الجميع.. والإعلام لعب دوراً مهماً فى توعية المواطنين
«نحن الشعب فى جنوب أفريقيا ندرك عدم عدالة الماضى، يشرفنا هؤلاء الذين عانوا من أجل العدالة والحرية على أرضنا، نحترم هؤلاء الذين سعوا لبناء وتنمية بلادنا، ونؤمن بأن جنوب أفريقيا تنتمى لكل فرد يعيش فيها، ولهذا كله وعبر ممثلينا فى الانتخابات الحرة نتبنى هذا الدستور كأعلى قانون للجمهورية لتلتئم انقسامات الماضى، ونؤسس مجتمعاً يقوم على القيم الديمقراطية».
تلك هى كلمات المقدمة لدستور جنوب أفريقيا الذى استمر العمل عليه عام 1994، ووقع عليه مانديلا فى ديسمبر 1996 ليصير قانون البلاد الذى وحد أبناءها.
«مانديلا» الحالم بالديمقراطية، والساعى لبناء دولته الديمقراطية، كان يعلم كرجل قانون أن عملية وضع دستور جديد لبلاده فى ظل ظروفها وماضيها لن تكون بالأمر السهل، لذا رفع شعاره الشهير «تسامح.. انس.. انطلق للأمام»، وجاء الانطلاق عقب أول انتخابات برلمانية ديمقراطية غير عنصرية تم إجراؤها فى أبريل من عام 1994، بنسبة مشاركة بلغت 86%، ولأن البرلمان كان معبراً عن الشعب بجميع أطيافه، فقد اجتمع فى شهر مايو من ذات العام، واختار جمعية تأسيسية للدستور عملت على طريقين متوازيين، أولهما: إقرار دستور انتقالى، وثانيها بدء وضع التصور العام للدستور الدائم، وبدأت خطوات وضع الدستور، الذى كان يؤمن مانديلا بأنه الخطوة الحقيقية لإرساء المصالحة فى المجتمع، لأنه سيحقق دولة القانون، وشارك أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور فى حملة ضخمة فى جميع وسائل الإعلام والجامعات والمؤسسات، وحتى وسائل النقل وجميع التجمعات، لتثقيف المواطنين وعرض المقترحات عليهم ودعوتهم لإبداء وجهات نظرهم فيما سيكون عليه الدستور، وقدرت النسبة المستهدفة من تلك الحملة بنحو 73% من المواطنين فى جنوب أفريقيا.
يحكى لنا فيرن هاوس عن تلك التجربة المهمة، التى باتت مثلاً يحتذى به بقوله: «روح مانديلا كانت دافعاً لإتمام تلك المرحلة، التى جرى العمل فيها بعقلية مبتكرة، لنتخطى الصعاب ونواجه نقص الموارد لتسهيل الحوار المجتمعى، وزرع الثقة بين المواطنين بأن ما سيتم التوافق عليه لن يتعارض مع المبادئ الديمقراطية التى أرسينا لها مع أول انتخابات برلمانية نزيهة وغير عنصرية عام 1994».
وتضيف أمينة فرانز، الإعلامية فى هيئة إذاعة وتليفزيون جنوب أفريقيا:«لعب الإعلام دوراً قوياً فى ذلك عبر العديد من المناقشات وإتاحة الفرصة لجميع الأطياف لإبداء رأيها فى المواد المقترحة، وتوضيح مضامينها للعامة من المواطنين، حتى إننا خصصنا جريدة لشرح مواد الدستور المقترحة».
تلك الثقة التى تتحدث عنها «أمينة فرانز» منحت كل جماعات المجتمع اليقين بأن لها دوراً فى رسم وصياغة طريق المستقبل دون إقصاء، حتى إن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور تلقت 2 مليون اقتراح فى الفترة من 1994 إلى 1996 من جانب جميع الأطياف والأفراد، ولعبت مؤسسات المجتمع المدنى فى جنوب أفريقيا دوراً بارزاً كقوة محايدة للتصدى للانقسامات السياسية والعنصرية والحزبية الراسخة فى الضمير المجتمعى، ليس هذا وحسب بل كانت الجبهة التى بثت قيمة «الصبر» فى نفوس المواطنين فى جنوب أفريقيا لتخطى تلك المرحلة بكل مشاكلها وفى مقدمتها العنف، الذى لم يكن تم القضاء عليه نهائياً، واستمرت فى دعم المجتمع بروح الأمل فى مستقبل أكثر إشراقاً، حتى نشرت أول مسودة عمل للدستور فى نوفمبر من عام 1995، دون أن تحتوى على 68 موضوعاً كانت محل جدل، وأعلنت الجمعية التأسيسية للدستور أنه ستتم مناقشة تلك القضايا لاحقاً، وكان من بين تلك القضايا وضع المؤسسة العسكرية التى كانت تستخدم فى قمع السود فى النظام العنصرى، واستقر الوضع فى الدستور الجديد على أن الجيش مؤسسة دفاعية مهمتها الأولى الدفاع عن الجمهورية وحمايتها، وأن رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة هو من يقوم باختيار وزير الدفاع.
فى شهر مايو من عام 1996 تم وضع النص النهائى للدستور وتم عرضه على المحكمة الدستورية التى راجعته وأعادته للجمعية التأسيسية لإدخال بعض التعديلات عليه، وتم ذلك فى أكتوبر من عام 1996، حين تمت إعادته للمحكمة الدستورية التى صادقت عليه نهائياً فى شهر نوفمبر، لترسله للرئيس مانديلا، الذى وقع عليه فى شهر ديسمبر، ليصبح قانوناً أعلى للبلاد.
أول وزير داخلية مدنى فى حكومة مانديلا: غيرنا قانون الشرطة وصارت حقوق الإنسان هى الأساس فيه
رغم دراسته للعلوم الاجتماعية وحصوله على الماجستير والدكتوراه فيها، إلا أن اختير موفامادى فى حكومة مانديلا 1994/1999 وزيراً للداخلية. ولذا فتجربته ثرية لأنه كان عليه عبء إعادة تنظيم العمل داخل قطاع الأمن فى جنوب أفريقيا وفقا لقوانين حقوق الإنسان التى سعى وزملاؤه لتطبيقها. وما بين إصراره على فتح أبواب الحرية ورفضه إقصاء أى عنصر أمنى حتى ممن ثبت تورطهم فى وقائع ضد المواطنين، يحكى لنا عن تجربة إعادة صياغة قطاع الأمن فى بلاده فى لقائه بنا فى جامعة جوهانسبرج، حيث عاد للتدريس بها بعد انتهاء صلته بالحكومة. فإلى نص الحوار.
■ كيف طمأنتم البيض بسعيكم لتطبيق حقوق الإنسان فى المجتمع ليشمل الجميع؟
- بطبيعة الحال كانت هناك قطاعات فى المجتمع تخشى التغيير وحكم المؤتمر الوطنى، هؤلاء بالطبع كانوا من البيض الذين كانوا يتكلمون وقتها عن رغبتهم فى الاستقرار، فأعلمناهم أنهم لن ينعموا بالاستقرار دون تحقيق العدالة الاجتماعية للسود وتمتعهم بالمساواة فى وطنهم. ولكن كان البيض بحاجة لضمانات تضمن لهم الحماية، وبخاصة أن الجيش والشرطة فى النظام العنصرى اعتادا القمع التام للسود مهما كانت النتيجة حتى لو وصل الأمر لقتل المئات. ولذا أعلنا أننا لن ننتقم ممن مارسوا العنف فى الماضى وسنكفل حقوق الإنسان للجميع.
■ كنت أول وزير داخلية مدنى فى جنوب افريقيا عام 1994.. كيف تقبل العاملون فى هذا القطاع ذلك؟
- بالحوار القائم على الرؤية لما نريد تحقيقه. فقد كان لدينا إيمان بأنه لا يجب استخدام الشرطة لمصادرة الحريات أو بث الخوف بين المواطنين أيا كانت انتماءاتهم، وأعلنا وفقا للدستور أن مهمة الشرطة محاربة الجريمة ومهمة الجيش حماية الوطن وحدوده ومقدراته الخارجية من أى خطر، ولذا منعنا استخدام الجيش فى المهام الأمنية الداخلية إلا إذا تعرض الوطن لكارثة طبيعية تستلزم تضافر الجهود.
■ غالبا ما تواجه الشعوب المحكومة بأنظمة قمعية لفترات طويلة حالة من التشويش تخلط بين الفوضى والديمقراطية. كيف تعاملتم مع ذلك؟
- وضعنا قانوناً للتظاهر بما يضمن حق المواطن والمجتمع ويحدد آليات عمل الشرطة. فمثلا من يرد التظاهر فعليه التقدم بطلب لوزارة الداخلية والحكومة المحلية فى مدينته يحدد فيها السبب والمدة التى ستستغرقها التظاهرة والمكان الذى ستتواجد فيه والشوارع التى ستسير فيها. وذلك ليس للحد من الحرية ولكن لتقوم الشرطة بعمل الاستعدادات اللازمة وفقا للمعلومات الخاصة بتنظيم المظاهرة، وذلك لحمايتها والتأكد من التزام المتظاهرين بعدم الإقبال على سلوكيات عنيفة، كذلك إيجاد طرق بديلة لغير الراغبين فى المشاركة فى التظاهرات للسير فيها.
■ كيف تعاملت مع أفراد الشرطة وكيف تقبلوا تلك القرارات الجديدة؟
- غيرنا القانون الذى يحكم عمل البوليس، بحيث صارت حقوق الإنسان هى الأساس فيه. وأكدنا على واجب رجل البوليس فى حماية الأمن فى إطار تلك الحقوق بما يكفل الأمن للجميع حتى المذنبين، عبر توفير أسس تضمن التحقيق العادل والحبس القانونى وقواعد الضبط. وطلبنا من الجمعيات المدنية وحقوق الإنسان مراقبة عمل مؤسسة الشرطة وتقييمه لتصحيح المسار فى حالة الخطأ لا لتسليط السيف على رقاب رجال الشرطة. كما أنشأنا فى كل منطقة لجاناً محلية للتعاون مع الشرطة بهدف إشعار الجميع بمسؤولية الدفاع عن أمن الوطن. تصالحنا مع الماضى واحترمنا القانون فنجحنا فى إقرار واقع أفضل للمستقبل.
■ هل قمتم بعملية تطهير لعناصر أمنية عملت مع النظام العنصرى؟
- صغنا فى تلك المرحلة وثيقة اسمها «الورقة البيضاء» حددنا فيها المواصفات التى يجب أن يكون عليها قطاع الأمن ومواصفات رجل البوليس، من انضباط واحترام لحقوق الإنسان والعلم والخبرات والأدوات التى تمكنه من أداء عمله. لم نطلب من أى ضابط التقاعد وترك منصبه مهما كانت أخطاؤه فى الماضى. ولكننا طلبنا منهم أن يتبعوا القواعد الجديدة ومن لا يمكنه التكيف معها فعليه إخبارنا لنقله لوظيفة أخرى أو الموافقة على تقاعده إن رغب. فى الوقت ذاته عملنا من خلال لجنة الحقيقة والمصالحة لا على اعتراف المذنبين فقط ولكن لمنحهم العفو كى تلتئم الجراح فى نفوس السود. وساعدنا ذلك على احتواء جميع رجال الأمن الذين أدركوا أننا نسعى لإقامة نظام جديد يضمن لهم الحماية ولغيرهم الأمن. أنت لا تستطيعين التخلص من آلاف المواطنين الذين ينتمون للمجتمع لمجرد أنهم كانوا جزءاً من نظام فاسد فى الماضى، يجب أن تعيدى الثقة فيهم وفى قدرتهم على العمل تحت مظلة قوانين حقوق الإنسان. الوطن لنا جميعا ولا يجب أن نكرر أخطاء الماضى بشكل مختلف، ولا يمكن تقسيم الحرية ومنحها لهذا الفريق ومنعها عن ذاك، ولذا أقول لكم فى مصر «لو لم تدركوا المعنى الحقيقى للحرية فستنسفون قوة الدولة».
رئيسة منظمة حقوق الإنسان : لو تركنا الشرطة والجيش ل«إصلاح ذاتى» فلن يغيرا أسلوبهما
تمنحك ملامحها الأسيوية، ونبرة صوتها الهادئة المرحبة، نوعا من الطمأنينة التى تتبدى فى نبرتها وهى تخفف عنك قلقك على ما يجرى فى وطنك. تقول لك بحسم ممزوج برقة: «لا سبيل أمامكم سوى التوحد للنجاح فى التفاوض مع العسكر الذين سيقاومون تحرككم نحو الديمقراطية التى تحلمون بها». تحكى لك عن تجربة بلادها فى العبور من خلال العدالة الانتقالية للمستقبل دون تناسى الماضى أو تجاهله. تؤكد أن جهود الإصلاح يجب ألا تتوقف بل تتواصل من أجل تحقيق الديمقراطية. تلك هى ياسمين سوكا رئيس منظمة حقوق الإنسان فى جنوب أفريقيا. والتى كان ل«المصرى اليوم» حوار معها، فإلى نصه.
■ كيف نجحت العدالة الانتقالية فى توفير الحقوق لكل من الضحايا والمذنبين؟
- الحديث عن العدالة الانتقالية يعنى الحديث عن كيفية التعامل مع الماضى فى الوقت الذى نضع فيه أعيننا على الحقوق الشخصية لكل فرد فى المجتمع، فالضحية والمذنب لهما حقوق يجب ضمانها. ولذا فتحقيق الديمقراطية يعنى العدالة لا الانتقام. فمن حق الضحية معرفة ما حدث لها وأسبابه ودوافعه إلى جانب حق التأهيل والتعويض. ومن حق المذنب توفير جميع الضمانات التى كفلها له القانون للحصول على محاكمة عادلة، أما الدولة فلديها التزامات دولية لكل مواطنيها سواء كانوا من الضحايا أو المذنبين، ويأتى حق الإصلاح القضائى والسياسى كأهم الأسس التى تحقق تلك العدالة الانتقالية.
■ كيف نجحتم فى إقناع بقايا النظام العنصرى المنتشر فى جميع المؤسسات باتباع وتبنى تلك الحقوق الإنسانية التى كان يتجاهلها قبل العام 1994؟
- النجاح فى الإصلاح يعنى ببساطة ضمان عدم تكرار نموذج الحكم الديكتاتورى أو العنصرى. أنتم فى مصر على سبيل المثال عليكم التأكد من عدم تكرار نموذج مبارك الذى يعتبر مجرد رمز لنظام كامل عليكم الحرص على إنهائه وعدم تكراره. وهنا فى جنوب أفريقيا كان علينا بناء نظام دولة صحيح لكى ننطلق بعيداً عن الصراعات. ففى المجتمعات التى تقوم فيها ثورات يدرك المصلحون أن الإصلاح وبناء الدولة الجديدة يجب أن يقوم على أساس حقوق الإنسان التى أهدرها النظام الذى قامت ضده الثورة. هنا تبرز دولة القانون بكل ما تعنيه من حق العدالة والتأهيل، بالإضافة إلى شىء غاية فى الأهمية هو إصلاح القطاع الأمنى. فهم غالبا ما يكونون مسؤولين عن العنف وإذا لم يتم تطهيرهم وإعادة تأهيلهم فلن نستطيع المضى قدما فى مجال حقوق الإنسان، وإلى جانب تفعيل دولة القانون، فإنه يتوجب مواصلة نشر مبادئ حقوق الإنسان فى الشرطة والجيش لأنهم لو تركوا لإصلاح ذاتى فلن يغيروا أسلوبهم. بل سيمثلون عائقا أمام التحول الديمقراطى. ففى كل الدول التى شهدت ثورات تم العمل على تقنين أوضاع القطاع الأمنى، فى البرازيل على سبيل المثال خضع الجيش والشرطة لسلطة مدنية شرعية بشكل كامل، وفى الأرجنتين تم تغيير النظام العقائدى الموجه للجيش، وهنا فى جنوب أفريقيا بات الجيش يخضع لرئيس الدولة المدنى بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكذلك الشرطة التى يجب تغيير العقيدة المهنية لضباطها واستراتيجياتها.
■ إلى أى مدى نجحتم فى منح الغالبية من السود والملونين السكينة تجاه الماضى الذى عايشوا قسوته لسنوات؟
- إذا نظرت لتاريخنا ستجدين أننا أمة متعددة الطوائف وقبل 1994 كان الإنجليز يتحكمون فى كل شىء، أذكر أنهم نزعوا ملكية نحو 97% من الأراضى المملوكة لجنوب أفريقيين على اختلاف أطيافهم عام 1961، كما كان السود والملونون ممنوعين من دخول المدن بعد السادسة مساءً. ولعلى تعرضت للاعتقال وقت دراستى للحقوق لأننى حاولت السير على كوبرى كان مخصصاً للبيض فقط. ولذا حاولنا بعد انتهاء الحكم العنصرى تعويض السود والملونين عن كل المعاناة التى عايشوها فى سنوات الحكم العنصرى وركزنا على الدستور الذى صار القانون الأعلى فى بلادنا، وركزنا على مواطن الوحدة فى مجتمعنا كى نقف على أرضية مشتركة ننطلق منها للمستقبل، ليس على الورق فقط ولكن فى الواقع أيضا.
الثائر ريفراند فرانك تشيكان: النضال المتواصل دون «مائدة المفاوضات» يدمر الوطن
هو جزء من الصورة فى جنوب أفريقيا، فهو مناضل أسود انخرط فى العمل السياسى منذ عام 1983 داعياً للتخلص من النظام العنصرى، الذى حرم بلاده الأمان. كان يدرك أن مواطنيه رغم معاناتهم، لا يملكون وطناً آخر يذهبون له، ولذا لم يكن أمامه سوى مواجهة الجيش العنصرى مع آلاف المناضلين فى جنوب أفريقيا. التقينا به فى منزله الفخم فى جنوب أفريقيا داخل أحد التجمعات السكنية، فكان هذا الحوار.
■ لا يعرف الثوار فكرة التفاوض، وغالباً ما يسيطر على أسلوبهم فكر النضال.. كيف قررتم بدء التفاوض وكيف فرضتم فكركم على السلطات؟
- ناضلنا لسنوات طويلة، وكان حجم المقاومة على الأرض يتسع وينجح فى إحداث خسائر للنظام العنصرى عبر استخدامنا لأربع استراتيجيات متوازية هى الإضرابات والمظاهرات والعمل التحتى والتوحد مع كل الطوائف، وبالتالى فجلوسهم على طاولة المفاوضات لم يكن صعباً لأن خسائرهم كانت كبيرة، وصورتهم أمام العالم كانت سيئة، ولذا تواصلوا معنا منذ عام 1987 طالبين التفاوض لوقف نشاط المقاومة، لكنهم لم يكونوا جادين بما فيه الكفاية فى البداية، ولذا لم نبدأ المفاوضات الرسمية إلا فى عام 1989 فطلبنا الإفراج عن مانديلا وكل السجناء السياسيين، وفيما يتعلق بنا كمناضلين من أجل الحرية، فقد كنا ندرك التزاماتنا فى مواجهة النظام العنصرى، كما كنا ندرك أن طول فترة الصراع فى وطننا سيزيد من صعوبة التحاور على مائدة مفاوضات تجمعنا بالحكومة العنصرية المستبدة، وأن التقدم الذى ننشده لن يتحقق بمواصلة الصراع، لكن بالتفاوض وعرض رؤيتنا وحقوقنا، والإصرار على غالبيتها، والتنازل عن بعضها الآخر. لقد بدأ نيلسون مانديلا التفاوض قبل أن يخرج من سجنه، وأقنع زملاءه بأن يقوموا بالخطوة الأولى، وكانوا معترضين فى البداية حيث كانت رؤيتهم أنه من الأفضل أن تأتى الخطوة الأولى من الخصم، لكنه أكد لهم أنه لا فرق لأن المصلحة الحقيقية ستكون للوطن.
■ ما الأسلوب الذى اعتمدتموه فى التفاوض مع المسؤولين فى الحكم العنصرى؟
- دعينى أذكر لك أننا تعرضنا للكثير من الضغوط طيلة كفاحنا بدءاً من مطاردتهم لنا وقتل بعضنا انتهاءً بالاعتقال والتعذيب لغالبيتنا، ولذا كنا نتوقع وجود مقاومة لما سنطرحه من مطالب وأن الطريق للحقوق عبر التفاوض لن يكون سهلاً، ولكننا أدركنا فى الوقت ذاته أن النضال المتواصل دون جلوس على مائدة المفاوضات لن يثمر عن شىء، بل قد يدمر الوطن. كان لابد من الجلوس مع النظام العنصرى الذى نكن له كل كراهية والاستماع له وإجباره على الاستماع لنا للوصول لتسوية، وحشدنا الرأى العام لتأييدنا سواء فى داخل جنوب أفريقيا أو خارجها، ورفضنا أى تدخل خارجى حتى لو كان لصالحنا. كان الطريق صعبا لأنه ببساطة صراع بين طرفين يسعى كلاهما لفرض وجهة نظره، لكن أدرك النظام العنصرى أن الديمقراطية آتية لا محالة مهما حاول كبحها، وكان أول ما فعلناه هو تحديد شكل التفاوض ومكانه ومن سيشارك فيه، وضممنا له حتى العناصر التى كنا على يقين أنها من صنيعة النظام العنصرى، وقبل الجلوس على مائدة المفاوضات جلسنا مع بعضنا البعض كمناضلين وثائرين وحددنا قائمة بها مجموعة من التنازلات، التى يمكننا تقديمها وأخرى لا يمكننا تركها، ثم ذهبنا للتفاوض مع الحكومة العنصرية وأخبرناهم بأن أول شىء لا يمكننا التنازل عنه هو الحرية بكل ما تقتضيه الكلمة من حقوق وقوانين، وبالطبع رفضوا فى البداية خوفا من التعرض للعقاب والمساءلة، ولذا اخترنا طريق العدالة الانتقالية بشرط الاعتراف بالخطأ والاعتذار علانية لمن أخطأوا فى حقهم.
■ كثير من الثوار لدينا فى مصر يرفضون هذا الفكر.. كيف ترى ذلك؟
- النضال لا يعنى الانتقام من الماضى، ولا السماح بالفوضى للحاضر. أنت تناضل من أجل تغيير الحاضر والمستقبل الجديد، الذى لن يكون مرهوناً بإقصاء عناصر النظام القديم، لكن باحتواء الجميع. لن تستطيعوا تحقيق التقدم إلا بالتفاوض المباشر حول رؤية الأطراف كافة لما ينبغى أن يكون عليه المستقبل، وإهدار هذا الشرط لا يؤسس للديمقراطية بل لخلق اطراف جديدة تستأثر بالسلطة فتقصى جماعات، وتقرب جماعات حسب مصالحها. كان «مانديلا» يقول لنا «إذا كنتم تؤمنون بالديمقراطية فستدركون أن من مصلحة الجميع أن يضع صراعاته على طاولة المفاوضات»، ولذا نجحنا.
أقوال مانديلا :
■ هناك احترام كونى وإعجاب بهؤلاء الذين يتعاملون بإنسانية وبساطة بالسليقة. هؤلاء الذين يملكون الثقة الكاملة بوجودهم الإنسانى بغض النظر عن وضعهم الاجتماعى، هؤلاء الرجال والنساء معروفون وغير معروفين أعلنوا الحرب الكاملة ضد كل مظاهر عدم احترام حقوق الإنسان أينما وجدت فى أى مكان على سطح الأرض.
■ الاعتقاد العام أنه فى كل مجتمع ينتشر رجال ونساء يؤمنون بالسلام كأقوى سلاح فى طريق البحث عن حل مستمر. يمكن للوضع الحالى على الأرض أن يبرر استخدام العنف الذى يجد الأبرار صعوبة فى تجنبه ولكن حتى فى هذه الحالات فإن استخدام العنف سيكون وسيلة استثنائية لهؤلاء الساعين لخلق المناخ العام لبيئة يسودها السلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.