فى مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات الانقسام الأمريكى التاريخية، تتخذ مدينة لوس أنجلوس اليوم موقع الصدارة فى صراع يبدو أكبر من مجرد خلاف حول الهجرة. فالمواجهات المتصاعدة بين متظاهرين من أصول لاتينية وقوات الحرس الوطنى والجيش الأمريكى، التى أمر دونالد ترامب بنشرها، لا يمكن قراءتها فقط كاستجابة أمنية لمظاهرات فى مدينة، بل كحلقة جديدة فى صدام حاد بين الحزب الجمهورى ممثلاً بالرئيس ترامب، والحزب الديمقراطى ممثلاً بحكام بعض الولايات الكبرى، ومنها بالتأكيد حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم. منذ لحظة إعلانه إرسال قوات إلى لوس أنجلوس، بدا أن ترامب يوجه رسالة سياسية بقدر ما هى أمنية. فقرارٌ بهذا الحجم افتتح فصلاً جديداً من النزاع بين الرجلين، أو الحزبين بمعنى أدق، لم يكن هذا مجرد استخدام للقوة العسكرية، بل كان عرضاً للقوة السياسية، أو «افتعال أزمة» مثلما يقول حاكم كاليفورنيا الديمقراطية!. ترامب، المعروف بأحكامه المسبقة وتهجُّمه المستمر على مخالفيه، وصف نيوسوم بأنه «غير متمكن»، وأيد صراحةً فكرة اعتقاله التى طرحها مستشاره. هذا الخطاب لا يعبر فقط عن خلاف سياسى، وهذه ليست سابقة، فمنذ حملته الأولى، عمد ترامب إلى شيطنة الصحافة، وهاجم القضاء، وتوعد المهاجرين، واحتقر المؤسسات. واليوم، يبدو أنه وسّع تلك الدائرة لتشمل خصومه السياسيين المنتخبين ديمقراطيًا. فى المقابل، يظهر نيوسوم، حاكم كاليفورنيا منذ عام 2019، كخصم عنيد. فتصريحاته كانت حادة وصريحة، وصف فيها ما يحدث فى لوس أنجلوس بأنه «وهم مجنون لرئيس ديكتاتورى»، وتحدى علنًا فكرة اعتقاله. وفى مشهد لم يكن ليتصور قبل سنوات، أصبحت العلاقة بين رئيس أمريكى وحاكم ولاية تشبه إلى حد كبير صراع زعماء فى دول تعانى من أزمات دستورية!. لكن الأخطر من كل ذلك، أن جذور هذه الأزمة، التى هى فى الأساس أزمة مهاجرين كما يصفها ترامب، تنمو فى أرض أمريكا نفسها، والتى تعتبر أرض مهاجرين. فالدولة التى قامت على ظهور أناس جاءوا من أوروبا، بعد أن أبادوا السكان الأصليين، تبدو اليوم فى حالة إنكار لتاريخها! وتبدو حملة ترامب ضد المهاجرين غير النظاميين كامتداد لموقف عدائى متجذر، لا يستهدف فقط من هم على الحدود، بل أيضاً من هم فى قلب الولايات، ممن يشكلون اليوم نسيج المدن الكبرى. السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل ستتسع هذه المواجهات إلى ولايات أخرى؟ فلوس أنجلوس ليست وحدها المدينة التى تضم جاليات مهاجرة كبيرة. ميامى، هيوستن، شيكاجو، وأتلانتا كلها قد تشهد نفس السيناريو إذا ما استمر التصعيد. وإذا كانت كاليفورنيا هى المختبر السياسى الأول لسياسات ترامب، فإن ما يحدث فيها قد يتحول سريعاً إلى كرة نار تتدحرج عبر أمريكا التى ربما تشهد حالة انقسام فى هذه اللحظة. إن ما يحدث اليوم فى لوس أنجلوس ليس مجرد احتجاج.. إنه إنذار.