كشف أثري نادر وفريد من نوعه، أوضح الطريقة الأولى التي استخدمها الإنسان في النقل، بعدما أجرى علماء من جامعات إنجليزية وأمريكية، دراسة، بشأن كشف تحليلات لمسارات محفورة في الرمال لا تتطابق مع آثار الأقدام. علماء من جامعات «بورنموث الإنجليزية» و«كورنيل وأريزونا الأمريكتين»، وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أعلنوا عن العثور على أدلة تشير إلى استخدام الإنسان لزحافات بدائية في منطقة «وايت ساندز» الوطنية بولاية «نيومكسيكو»، تعود إلى نحو 20 ألف عام قبل الميلاد، مما يعيد كتابة جزء كبير من تاريخ تطور وسائل النقل البري. منطقة «وايت ساندز»، المعروفة برمالها البيضاء الناعمة، أحد أغنى المناطق بالأدلة الأثرية في أمريكا الشمالية، حيث سبق العثور فيه على أكبر مجموعة آثار أقدام بشرية تعود للعصر الجليدي. الكشف الأثري الجديد الذي نشره موقع «SFGate»، يضيف بعدا غير مسبوق لفهم حياة البشر الأوائل في القارة. وقال الموقع الأمريكي: «على الرغم من أنها كانت مغمورة بالمياه قبل 12 ألف عام فقط، إلا أن منتزه وايت ساندز الوطني- الذي أصبح الآن منطقة صحراوية قاحلة- يزخر ببقايا التاريخ البشري القديم. يتميز ميدان وايت ساندز للصواريخ، وهو منطقة اختبار تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تحيط بالمنتزه، بأكبر مجموعة في العالم من آثار أقدام العصر الجليدي، التي خلّفها أناسٌ اعتمدوا على بحيرة المنطقة القديمة، ومن بين هذه الآثار، وجد العلماء أدلة جديدة على نشاط قديم مُسجَّل في الرمال، وهو ما يُغيّر فهمهم للتكنولوجيا البشرية المبكرة». وتابع: «تم العثور على آثار، ولكنها ليست من النوع الذي تتركه الأقدام، بل هي من آثار الترافوا، أقدم وسيلة نقل بري، صُنعت هذه المركبات البدائية من عصي طويلة وسلة أو شبكة، وتشبه إلى حد ما عربة يدوية بدون عجلة: فسحب المقبض أو المقابض المرفوعة يُحرك السلة المتصلة بالعصي، مما يسمح للشخص بانزلاق الحمولة الثقيلة عبر الرمال». كتب عالم الجغرافيا ماثيو بينيت وعالمة البيئة القديمة البشرية سالي رينولدز في مقالٍ نُشر على موقع «ذا كونفرسيشن» الأمريكي: «لدى كل شخصٍ ما يحتاجه من وسائل نقل، لكننا لا نملك أي سجلٍ لها حتى تُدوَّن التواريخ». تشير هذه التواريخ عادةً إلى عام 4000 قبل الميلاد كأقدم استخدامٍ لتقنيات النقل البشري، لكن بينيت ورينولدز وزملائهما في جامعة بورنموث بالمملكة المتحدة يُقدِّرون تاريخ مسارات الترافوا في وايت ساندز ب 20000 قبل الميلاد، مما يغير الرواية ب 16000 عام. عمل بينيت ورينولدز مع باحثين من جامعة كورنيل، وهيئة المتنزهات الوطنية، وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ومتحف الشمال بجامعة ألاسكا، وجامعة أريزونا، لدراسة آثار أقدام ترافوا المتشابكة مع آثار أقدام العصر الجليدي الشهيرة في وايت ساندز عام 2023. في ذلك الوقت، اعتقد العلماء أن الوجود البشري في أمريكا الشمالية بدأ قبل 15 ألف عام، عندما بدأت الصفائح الجليدية بالانحسار من القارة. لكن تبيّن أن عمر البذور وحبوب الكوارتز وحبوب اللقاح المضمنة في آثار الأقدام المحفوظة يبلغ 23 ألف عام. أصبح لدى الباحثين الآن فكرة أفضل عن شكل الحياة قرب بحيرة أوتيرو، التي امتدت لمسافة 1600 ميل مما يُعرف الآن ب«نيومكسيكو». في ورقة بحثية نُشرت في المجلة العلمية «Quatternary Science Advances»، أشار فريق «بورنموث» إلى أن آثار الترافوا في المنطقة تشير إلى فهم أقدم بكثير للنقل البري مما كان يُعتقد سابقًا. قبل أن يفترض الفريق أن الآثار تعود إلى ترافوا، قسّمها إلى ثلاث فئات: الأنواع الأول والثاني والثالث. تألفت آثار النوع الأول من أخاديد عميقة ومستقلة، بينما كانت آثار النوع الثاني ضحلة وواسعة ومستقلة. أما آثار النوع الثالث، فقد تضمنت أخاديد مزدوجة بمسافات ثابتة؛ وغالبًا ما كانت مصحوبة بآثار أقدام بشرية، ثم بدأ الباحثون العمل على تحديد ما لم يُنتج هذه الآثار. لم يكن من الممكن أن يكون الناس قد جرّوا عظام الحيوانات عبر الرمال- لم يكن لدى أي حيوان أصلي في المنطقة عظام بالطول والعرض المناسبين باستثناء الماموث، الذي كانت أنيابه «ثقيلة للغاية وغير قابلة للإدارة»، كما كتب الباحثون (حتى عادة الماموث في جر الخشب عبر الأرض لم تكن هي السبب، حيث لم يتم العثور على أي آثار للماموث في مكان قريب، ومن المرجح أن تكون الآثار أكثر تقلبًا إذا كانت من صنع الماموث). لم تكن الآثار نتاجًا للحطام العائم من بحيرة أوتيرو، حيث كانت داخل رواسب البحيرة وليست مملوءة بها، ولم تكن قوارب الكاياك، التي ربما استخدمت لعبور البحيرة، مسؤولة عن ذلك؛ فقد كانت العديد من الآثار بعيدة عن المكان الذي كان يوجد فيه خط الشاطئ على الإطلاق. مع ذلك، كان من الممكن أن يكون نشاط آخر هو سبب هذه الآثار: جمع الحطب، من غير المرجح أن يكون الحطب الذي جُمع قرب البحيرة طويلًا ورفيعًا بما يكفي لمطابقة آثارها، ولكن تحسبًا لأي طارئ، أجرى الباحثون تجارب بسحب قطع خشب ثقيلة عبر الرمال. تطابقت آثارهم مع بعض تلك التي عثروا عليها، ولكن ليس جميعها. وبحلول هذا الوقت، كان الفريق يشتبه بشدة في أنهم يتعاملون مع آثار ترافوا، حسبما قال عالم الآثار في متحف الشمال والرئيس السابق للخدمة الوطنية للحدائق دانييل أوديس. قال أوديس: «بدا الأمر بديهيًا جدًا بالنسبة للناس لاستخدامه، أعني، هؤلاء أناس حديثون تشريحيًا بأدمغة كبيرة، تمامًا مثلك ومثلي، وربما كانوا أكثر براعة منا، لأنه كان لا بد أن يكونوا كذلك». قرر أوديس وبينيت بناء مركباتهم الخاصة للتحقق من كونهم على المسار الصحيح (دون تورية). استخدموا تلك المركبات البدائية لسحب «حمولة»- في إحدى الحالات، ابنة بينيت الصغيرة- عبر شواطئ ولاية مين وميناء بول في المملكة المتحدة. تطابقت المسارات الجديدة مع المسارات القديمة التي عُثر عليها في وايت ساندز.