سيارات محروقة على الطرقات، وأناس يسيرون وسط الدخان بحثًا عن مخرج من نيران اجتاحت الغابات فجأة في مشهدٍ مروع بدا كأنه خرج من فيلم يتنبأ بأحداث نهاية العالم من الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث فر آلاف المستوطنون الإسرائيليون من منازلهم في ظهيرة اليوم الأربعاء خوفًا من الموت الذي يلاحقهم بألسنة اللهب. الهروب من النار اندلعت أول شرارة للحريق قرب مستوطنة موشاف تاروم ثم تمتدت إلى الغرب من مدينة بيت شيمش، لتشتد النيران بفعل رياح ساخنة ودرجات حرارة غير مسبوقة، سرعان ما تحولت إلى حرائق غابات واسعة النطاق، وخلال ساعات، امتدت النيران إلى مستوطنات: إشتاول، بيت مئير، ومسيلات تسيون، حيث أُجبر السكان على مغادرة منازلهم تحت إشراف شرطة الاحتلال الإسرائيلي التي أغلقت الطريق السريع رقم 38، وهو بمثابة شريان رئيسي يربط المنطقة بالقدسالمحتلة، وفقًا لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل». وفي محيط الحرائق، تجمع أكثر من 110 فرق إطفاء، مدعومة بثماني طائرات مخصصة لمكافحة الحرائق وطائرة هليكوبتر، سارعت إلى مواجهة النيران ما أسفر عن إصابة 9 منهم بجروح طفيفة، إلى جانب مدنيين آخرين. إسرائيل تحترق والنزوح مستمر وأفادت القناة 12 الإسرائيلية أن جيش الاحتلال انضم كذلك إلى جهود السيطرة على الحرائق مسخّرًا طائراته لتقديم صورة جوية «دقيقة» لمدى توسع النيران، كما تم استدعاء وحدات من الجبهة الداخلية للمساعدة في إجلاء المستوطنين. كما دخلت سيارات الإطفاء التابعة لسلاح الجو وقسم التكنولوجيا واللوجستيات على خط المواجهة، حيث تركز الجهد الرئيسي على منع امتداد النيران إلى الطريق السريع رقم 1، الرابط بين القدس وتل أبيب. وفي خضم الاضطرابات العاصفة بالاحتلال، اجتمع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع مسؤولين في مركز القيادة لتقييم الأوضاع، قائلاً: «علينا أن نكون مستعدين لأي سيناريو، إذا لم نتمكن من السيطرة على الحريق، فعلينا حماية الخط الحيوي من ميفاسيريت إلى القدس بأي ثمن». وفي موقع آخر على الطريق السريع رقم 6، اشتعلت نيران أخرى دفعت السلطات لإغلاق الطريق بالكامل وإخلاء القرى القريبة مثل بيتاحيا وبيدايا، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأناس يسيرون على الأقدام في الطرقات محاطين بسحب الدخان. الرياح تفتح أبواب الجحيم على المستوطنين توقفت القطارات، انقطعت الكهرباء وأعلنت شرطة الاحتلال حالة الطوارئ، مطالبة المستطونين بتجنب المناطق المتضررة، وفي الوقت نفسه، حذرت هيئة الأرصاد الجوية من طقس «متطرف» مع درجات حرارة غير مسبوقة، وهو ما زاد من خطورة الوضع والتركيز على السبب الذي اعتبره كثيرون أنه خليط قاتل من الإهمال البشري، الصيف الطويل، والاحتباس الحراري، فنماذج المناخ الحديثة تظهر أن هذه الحرائق ستزداد تكرارًا وسرعة، ما لم تتم مواجهة جذور الأزمة البيئية. يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لحرائق ضخمة، ففي الأعوام: 1989، 1995، 2010، و2023، شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة حرائق واسعة النطاق تسببت في تعطيل مظاهر الحياة لدى المستوطنين الإسرائيليين، محدثةً خسائر مادية ضخمة. ومع ذلك، يكشف تقرير صادر عن مراقب الدولة أن نسبة التحقيقات التي تجريها هيئة مكافحة الحرائق لا تتعدى ال14% من مجمل الحالات، بينما أكثر من نصف الملفات تبقى مفتوحة لسنوات دون حسم، وما يجعلها تظهر على واجهة الرأي العام الإسرائيلي، يوم لا يُنسى كيومنا الذي يحمل تذكيرًا حارقًا بأن النار لا تنتظر إذنًا لتأكل الأرضَ وما عليها.