أظهرت نتائج دراسة حديثة أن مبادرة «حياة كريمة» حققت تحسنًا ملحوظًا فى البنية التحتية والخدمات الأساسية، ولكن لا تزال هناك تحديات فى كفاءة الإنفاق، واستدامة التشغيل، والتمكين الاقتصادى. وأضافت الدراسة أنه يمكن تعظيم الأثر التنموى للمبادرة من خلال تحسين استهداف المشروعات، وزيادة فرص التشغيل، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلى فى التخطيط والتنفيذ. أكدت الدراسة بعنوان «الآثار الاقتصادية وتقييم كفاءة الإنفاق الحكومى لمبادرة حياة كريمة»، الصادرة عن مجلسى البحوث الاقتصادية والإدارية، برئاسة الدكتورة يمن الحماقى، ومجلس بحوث الإسكان، برئاسة الدكتور عمرو عزت سلامة، أن تحقيق استدامة مشروعات «حياة كريمة» يتطلب نهجًا تكامليًا بين التخطيط السليم، والتمويل المستدام، وإشراك المجتمع، وتحسين الأداء البيئى. ومن المنتظر أن تساعد التوصيات المطروحة فى تطوير مرحلة أكثر كفاءة واستدامة للمبادرة، مما يعزز أثرها التنموى ويضمن تحسين جودة الحياة فى القرى المستهدفة. فى نفس السياق، شهدت أكاديمية البحث العلمى مؤخرًا ورشة عمل مع المسؤولين والمتخصصين، وبدأت الجلسة الأولى برئاسة الدكتورة يمن الحماقى، ومقرر الجلسة الدكتورة نسرين عباس، بحضور الدكتور أحمد مجدى جبر، المشرف العام على المجالس النوعية بالأكاديمية، والدكتور عمرو عزت سلامة، وزير التعليم العالى الأسبق ومقرر مجلس بحوث الإسكان، والدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والدكتورة نجوى سمك، عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الجلالة، والدكتور محمد حسن مصطفى، عضو مجلس بحوث الإسكان، وعبد القوى خليفة، وزير المرافق ومياه الشرب الأسبق، والدكتورة غادة على، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، والدكتورة صفاء حسنى، عضو تنسيقية شباب الأحزاب، والدكتور محمود ناجى عبد العزيز، عضو تنسيقية شباب الأحزاب، ونيفين بدر الدين، رئيس قطاع التمويل بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة. كما حضر الورشة نخبة من ممثلى الجهات الحكومية والمجتمع المدنى ومنسقى مشروع حياة كريمة. استعرض المشاركون فى الورشة نتائج الدراسة، وناقشوا سبل الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة للمبادرة فى مراحلها التالية بناءً على المؤشرات التى تم التوصل إليها من دراسة المرحلة الأولى، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعم رؤية مصر 2030، وخفض معدلات الفقر متعدد الأبعاد. تناول العرض دراسة استدامة مشروعات «حياة كريمة» من خلال تحليل الجوانب العمرانية، والبيئية، والاجتماعية، والتشغيلية لضمان ديمومة الأثر التنموى للمبادرة. كما ركزت الدراسة على تقييم المرحلة الأولى من المبادرة، وتقديم خارطة طريق لتحقيق استدامة المشروعات وتعزيز كفاءتها فى المراحل القادمة. تضمنت أهداف الدراسة تقييم كفاءة البنية التحتية المقدمة فى المرحلة الأولى، بما يشمل مشروعات المياه، والصرف الصحى، والطرق، والخدمات الحكومية والتعليمية والصحية. بالإضافة إلى تحليل التحديات التشغيلية والاقتصادية وتأثيراتها على استدامة المشروعات، وتقديم خارطة طريق لضمان التشغيل المستدام للمشروعات وتعظيم أثرها التنموى. استعرضت الدراسة التحديات والفرص، وأبرزها تحديات التشغيل والاستدامة للخدمات الآتية، وهى الصرف الصحى، مشيرة إلى تأخير تسليم المحطات بسبب نقص الدراسات التخطيطية وضعف التكامل بين مكونات المنظومة (الشبكات، المحطات، التوصيلات المنزلية)، ومياه الشرب مشيرة فى هذا الصدد إلى عدم التوازن بين مشروعات الإحلال والتجديد وكميات المياه المنتجة، وضعف الاهتمام بمراقبة جودة المياه. وحول الوحدات الصحية، قالت الدراسة إن معظمها لم تدخل الخدمة بعد، مع نقص الكوادر الطبية وصعوبة إدراجها ضمن منظومة التأمين الصحى، وأشارت إلى التحديات الكامنة فى المجمعات الحكومية من حيث توفير الكوادر البشرية لخدمات الشهر العقارى، والسجل المدنى، والإدارات المحلية. أشارت الدراسة إلى تحديات التعليم فى «حياة كريمة» والحاجة إلى زيادة عدد المدارس فى المناطق الريفية وإعادة تأهيل بعض المدارس الحالية، ومواجهة عجز المدرسين، وتحسين الإدارة، والطرق من حيث سوء تحديد أولويات الرصف، وضعف الجودة فى تثبيت التربة، وغياب البدائل المناسبة للسياق الريفى، وكذلك الطاقة والاستدامة البيئية، ولفتت إلى نقص الاهتمام بالطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية لإنارة الطرق والمبانى الخدمية. فى المقابل، استعرضت الدراسة الفرص المتاحة لتعزيز الاستدامة، وتضمنت دمج القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى فى التشغيل والصيانة، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلى فى متابعة المشروعات وتحسين الخدمات، واستخدام الطاقة المتجددة لتقليل التكلفة وتحسين الأداء البيئى، فضلًا عن تحسين أنظمة إدارة الأصول وتسجيلها رقميًا عبر نظم المعلومات الجغرافية. وتضمنت التوصيات الاستراتيجية (خارطة الطريق) لضمان استدامة المشروعات وتعظيم الأثر التنموى بالنسبة للتشغيل والصيانة المستدامة، تخصيص موارد إضافية للصيانة والتشغيل عبر استغلال الموارد الذاتية مثل الإعلانات وتأجير المساحات فى المرافق العامة، وتمويل الصيانة بشكل مباشر ضمن الموازنة العامة، وتطبيق آليات محلية فعالة لتحصيل رسوم الخدمات بشكل عادل. أوصت أيضًا لإشراك المجتمع وتعزيز الوعى، بعقد لقاءات توعوية دورية مع السكان حول أهمية الحفاظ على المرافق، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلى من خلال لجان أمناء المدارس والمرافق الصحية، واستخدام منصات التواصل الاجتماعى للتوعية المجتمعية. وحول تحسين الأداء البيئى والاستدامة، أوصت الدراسة بتطبيق خطط إدارة بيئية للمرافق لضمان الامتثال لمعايير الاستدامة، ومراقبة جودة المياه والتأكد من معالجة مياه الصرف الصحى قبل تصريفها، واستغلال أسطح المبانى العامة فى توليد الطاقة الشمسية. أكدت الدراسة تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية من خلال تطوير المجمعات الحكومية لضمان تقديم الخدمات بكفاءة وربطها إلكترونيًا، وتعزيز استخدام التكنولوجيا فى تقديم الخدمات وتقليل الإجراءات البيروقراطية. أشارت إلى الدروس المستفادة والتخطيط للمراحل القادمة من المبادرة، وتتضمن ضرورة تحسين التخطيط فى اختيار المشروعات بناءً على الاحتياجات الفعلية للمجتمعات المحلية، وأهمية ربط المشروعات بالمبادرات القومية، مثل التأمين الصحى الشامل والتوسع فى استخدام الطاقة المتجددة، وتبنى سياسات لامركزية فى إدارة المشروعات لضمان كفاءة التنفيذ والمتابعة المستمرة من الجهات المحلية. لفتت إلى الآثار الاقتصادية وتقييم كفاءة الإنفاق الحكومى، حيث تركزت على تقييم الأثر الاقتصادى والاجتماعى، وكفاءة الإنفاق الحكومى، والتحديات التى تواجه تنفيذ وتشغيل المشروعات. وتمثلت الأهداف الرئيسية فى تحليل كفاءة الإنفاق العام على المبادرة ومدى تأثيره على الفقر متعدد الأبعاد، وتقييم التحسن فى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مثل الخدمات الصحية، التعليم، البنية التحتية، والتمكين الاقتصادى، وكذا اقتراح خارطة طريق لضمان استدامة المشروعات وتعظيم الفوائد التنموية. اعتمدت منهجية الدراسة على تحليل البيانات الثانوية من التقارير الحكومية والإحصائيات الرسمية، ومسح ميدانى فى قريتى الأبعادية بمحافظة البحيرة، وأم دومة بمحافظة سوهاج، باستخدام استبيانات ومقابلات شخصية، واستخدام أساليب إحصائية متقدمة (SPSS & Excel) لتحليل الإنفاق والأثر الاقتصادى. رصدت الدراسة النتائج الرئيسية بالنسبة لكفاءة الإنفاق الحكومى وتأثيره على الفقر، مشيرة إلى تحسن الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 20٪ فى البحيرة، و15٪ فى سوهاج نتيجة تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وسجلت سوهاج أعلى كفاءة إنفاق حيث أدى كل مليون جنيه إلى تحسن بنسبة 0.0833 فى الفقر متعدد الأبعاد، كما سجل قطاع الكهرباء أقل كفاءة إنفاق بسبب ارتفاع التكلفة مقابل التحسن المحدود فى الخدمات. كما رصدت تأثير المبادرة على القطاعات المختلفة، وأبرزها البنية التحتية، متمثلة فى تحسن خدمات الصرف الصحى، المياه، والطرق مما ساهم فى تقليل الفجوة التنموية، وزيادة عدد المدارس والفصول الدراسية بنسبة 20٪ فى البحيرة، مما قلل من الفجوة التعليمية، وتحسن فى الخدمات الصحية بنسبة 10٪ فى سوهاج، و15٪ فى البحيرة، وزيادة الوصول إلى الرعاية الصحية. وحول التمكين الاقتصادى والتنمية المحلية، أوضحت الدراسة أن المبادرة لم تسهم بشكل كافٍ فى خلق فرص عمل دائمة، ما أثر على الاستدامة الاقتصادية، مضيفة أن نسبة الراغبين فى بدء مشاريع صغيرة كانت 38٪ فى أم دومة و14٪ فى الأبعادية، ما يشير إلى وجود فجوة فى الدعم المالى والمشروعات المدرة للدخل. ذكرت الدراسة أن نسبة الحصول على قروض لبدء مشروعات صغيرة بلغت 15٪ فى الأبعادية و14٪ فى أم دومه، وكانت موجهة نحو مشروعات بسيطة مثل البقالة وورش النجارة. أما عن تمكين المرأة اقتصاديًا، أوضحت الدراسة أن نسبة النساء اللاتى حصلن على فرص عمل جديدة بفضل المبادرة كانت منخفضة جدًا (1٪)، وأن نسبة النساء اللواتى لديهن مدخرات خاصة بلغت 8.1٪ فى الأبعادية، و19.4٪ فى أم دومه، ورصدت عدم التساوى فى الأجور بين النساء والرجال فى الأعمال الزراعية ما كان عائقًا رئيسيًا أمام تحسين وضع المرأة اقتصاديًا. وحول الرضا العام عن المشروعات، أفادت الدراسة بأنه كان هناك رضا متوسط عن جودة إدارة المشروعات، ولكنه كان أقل فى أم دومه مقارنة ب الأبعادية. وشملت أهم نقاط الرضا تحسين الخدمات الأساسية، مثل المياه، والصرف الصحى، وتحسين النظافة العامة والمظهر الحضارى للقرى، وأشارت إلى عدم الوضوح فى عمليات المتابعة والتنفيذ، وعدم إشراك المواطنين فى قرارات المشروعات. وتضمنت التحديات الرئيسية التى واجهت المبادرة وفقا للدراسة، تحديد أولويات الإنفاق خاصة بالنسبة لمشروعات الصرف الصحى التى تتطلب استثمارات ضخمة، وعدم التكامل بين البرامج الاجتماعية والمشروعات التنموية، حيث لم تكن هناك آلية واضحة لربط مبادرة «حياة كريمة» ببرامج الرعاية الاجتماعية للفئات الأكثراحتياجًا، نقص فرص التشغيل الدائم، ما يهدد استدامة الأثر الاقتصادى للمبادرة، وتفاوت الرضا العام بين القرى بسبب اختلاف مستويات الخدمات وجودة تنفيذ المشروعات، وكذا ضعف مشاركة المجتمع المحلى فى التخطيط والتنفيذ، ما أثر على ثقة المواطنين فى المبادرة، وكذا تحديد الأدوار تحديدًا واضحًا ومن ثم المسئولية وذلك لتحقيق المتابعة والتقويم على أسس سليمة وبجدول زمنى محدد. ذكرت الدراسة التوصيات الرئيسية «خارطة الطريق»، وتضمنت تعزيز كفاءة الإنفاق والاستدامة المالية، مشتملة على تحسين تخطيط المشروعات بحيث يتم توجيه الموارد نحو الاحتياجات الأكثر إلحاحًا، وإعادة تقييم أولويات المشروعات لضمان أفضل استخدام للموارد المتاحة، وتبنى نظام لمتابعة كفاءة الإنفاق العام وربط الإنفاق بتحقيق مؤشرات تنموية واضحة. بالإضافة إلى تحسين التمكين الاقتصادى وذلك وفق رؤية تُبنى على الموارد الاقتصادية والمزايا النسبية والواقع الاقتصادى لكل منطقة من خلال تعزيز برامج دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، خصوصًا للنساء والشباب، وتوفير برامج تدريب مهنى متوافقة مع احتياجات سوق العمل المحلى، وإنشاء آليات لربط رواد الأعمال الصغار بأسواق التصريف لضمان استدامة أعمالهم، ومراعاة اعتبار النوع الاجتماعى لأهمية التمكين الاقتصادى للمرأة. وزيادة مشاركة المجتمع المحلى، تنفيذ جلسات استماع ومشاركة مجتمعية لضمان إشراك المواطنين فى التخطيط والتنفيذ، وتعزيز دور لجان المتابعة المجتمعية لضمان مراقبة تنفيذ المشروعات بشكل أكثر شفافية، فضلًا عن تحسين الإدارة والحوكمة، وتفعيل آليات متابعة وتقييم أكثر صرامة لمراقبة كفاءة تنفيذ المشروعات، وتوحيد آليات الشفافية والإفصاح عن خطط الإنفاق والتنفيذ لضمان ثقة المواطنين.