فتاة تتكور على الأرض غارقة في دمائها وأخرى تعتدي عليها في ساحة مدرسية، والجميع يشاهد دون تدخل، مكتفيين بتصوير هواتفهم للواقعة. هو ملخص واقعة طالبة التجمع التي تعرضت للعنف على يد زميلتها داخل مدرسة دولية، قد تصنف الواقعة كحدث عنيف غير شائع، لكن الشائع في هذه الواقعة كان طرفان، هما سلبية الزملاء المشاهدين للواقعة، ومدى عنف الطالبة التي تعدت على الضحية. عن دماء يراها طفل على وجه آخر ويستمر في ضربه، وعن ضرب مبرح وألفاظ نابية في ساحة مدرسية، ومبدأ القوي يسيطر على الضعيف، جوانب عدة أثارت تساؤل واحد فقط حول تحليل سلوكيات هذه الواقعة ومردودها النفسي على جميع الأطراف. هبة الطماوي، إخصائي الإرشاد النفسي والأسري وتعديل السلوك، في تحليلها لحادثة العنف التي وقعت بين طالبات في إحدى المدارس الدولية بمنطقة التجمع الخامس، أكدت أن «الحادثة تعكس مشاكل نفسية واجتماعية عميقة تتعلق بالبيئة الأسرية والمدرسية وسلوكيات الأطفال والمراهقين». تحليل سلوكي لعنف الطلاب قسمت أخصائية الإرشاد النفسي والتربوي، عوامل أو أسباب هذه الواقعة وغيرها كثيرًا من وقائع العنف بين المراهقين سواء في المدارس أو النوادي والشوارع، كما في حالة مدرسة التجمع إلى ثلاث أجزاء هي: التنشئة الأسرية، وغياب الرقابة في المدرسة، أو الأماكن التي يتواجد فيها المراهقون والأطفال، والعنف كوسيلة للتنفيس. وأن كثير من النظريات النفسية مثل نظرية التحكم بالغضب، ونظرية العدوانية والعنف، وغيرها كثيرًا تحلل هذا الحدث وتجعه لأسباب عدة. «الطماوي» ترى أن العنف، سواء كان لفظيًا أو جسديًا، ليس مجرد رد فعل لحظة، بل هو نتيجة لعوامل عدة تتراكم على مدار الزمن. وفي تصريحاتها الخاصة ل «المصري اليوم»، أشارات إلى أن التنشئة الأسرية أحد الأسباب الرئيسية التي تلعب دورًا كبيراً في تشكيل سلوك الأطفال. وتابعت أن «الطفل أو المراهق حي يتعرض في البيت لعنف ولا يستطيع الرد عليها، أو إذا لا يستطيع الدفاع عن نفسه يضطر أن يلجأ للتنفيس، وهو ما يظهر في التلكيك، أو البحث عن الأضعف منه دائمًا ليتم التنفيس وهو ما يظهر جدًا على طفل أصغر منه أو طفل معاق، قطة حيوان، أي شكل من أشكال ممارسة القوة على الضعيف، واحيانًا يصل الأمر لأنه وارد يأذي نفسه». لذلك ترى الاستشارية الأسرية أن الأمر يحتاج علاج أسري وليس فقط سلوكي. وتضيف أن العنف ليس مجرد رد فعل مفاجئ، بل هو تراكم لتجارب سابقة. سلبية الشهود: لماذا لم يتدخل الأطفال؟ أما عن سلبية الأطفال الشهود للحادث بعدم تدخلهم تقول «الطماوي» أن العديد من الأطفال يتعرضون لبيئات أسرية يتم فيها توجيه السلوكيات من قبل الكبار فقط، مما يساهم في غياب الشعور بالمسؤولية لديهم، مُضيفة أن المراهقين والأطفال يتعلمون أن الكبار هم من يتحكمون في التصرفات، وعندما يواجهون مواقف تحتاج إلى اتخاذ قرار، يفتقرون إلى القدرة على التصرف بشكل مستقل. هذا يعزز من فكرة أنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع العنف أو ردود الأفعال العنيفة، ما يجعلهم في حالة من السلبية في مواجهة مواقف مشابهة، كذلك وارد جدًا يكون بسبب خوفهم من التدخل فيتعرضون للعنف أو الضرب فيفضلون المشاهدة عن بًعد. لذلك تابعت «الطماوي» قائلة: «عندما يحدث موقف عنيف، يتعامل الأطفال مع الأمر وكأنهم مجرد شهود، ولا يطورون ردود فعل قوية. هذه السلبية لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة لعدم تعلمهم كيفية التعامل مع المواقف الصعبة أو الدفاع عن أنفسهم. وتختتم حديثها بالإشارة غلى أن الواقعة تحمل العديد من الاحتمالات النفسية، كما أن المدرسة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، لذا اقترحت تواجد كاميرات مراقبة تتابع سلوك الطلاب وتحركهم بشكل مستمر، ويكون هناك أفراد تتابع الطلاب، وكذلك شخص يتابع هذه الكاميرات بشكل مستمر كي يكون هناك تدخل سريع في الوقت المناسب لضمان حماية الأطفال من أي عنف لفظي أو جسدي. وبجانب هذا، لا يمكن تجاهل دور الأسرة في التنشئة، فالسلبية التي يتعرض لها الأطفال في المنزل تؤثر بشكل كبير على سلوكهم.