سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق فؤاد السنيورة ل«المصري اليوم»: ما يحدث فى منطقتنا يستهدف قيام كيانات مذهبية متناحرة على أنقاض «سايكس بيكو».. حوارات مستقبل الشرق الأوسط ( الحلقة التاسعة )
وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، فى ظل عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوبلبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق نحو المستقبل. وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها. تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟. صاحب آراء «جدلية»، لكنه سياسى بارز فى فترة محورية من ذاكرة لبنان المعاصرة، فرغم خروجه من الحكم، لا يزال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، فؤاد السنيورة محتفظًا بأدوار محورية مع القوى السيادية والأطراف المتعددة فى بلاده، متنوعة الطوائف والولاءات السياسية. أثارت انتقادات «السنيورة» اللاذعة ل«حزب الله» و«حماس» وتشكيكه فى جدوى الكفاح المسلح، حفيظة البعض، لكنه يستند فى حجته للرد على منتقديه، إلى أنه لم يعد فى الإمكان، الاستناد إلى «وسائل أثبتت عدم جداوها». حول رؤيته للمتغيرات الاستراتيجية والأحداث المتسارعة التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط، والتحديات التى تواجه المنطقة العربية مع تصاعد الأطماع والتجاذبات الإقليمية والدولية فيها، قال السنيورة إن المنطقة فى «مأزق» يصعب تجاهله، طارحًا رؤيته لإنقاذها عبر استراتيجية تقوم على مرتكزات ثلاثة، هى بناء أنظمة حكم ديمقراطية رشيدة، وتعاون استراتيجى وموقف عربى موحد، وتنبه لأطماع إسرائيل التوسعية العدوانية ومواجهتها. اعتبر «السنيورة» أن العرب تعرضوا ل«خديعة كبرى» بدأت بوعد بلفور وتقسيم فلسطين، مرجحًا أن ما يحدث فى منطقتنا يستهدف تفتيت وإضعاف الكيانات العربية على أسس طائفية، وقيام كيانات مذهبية متناحرة على أنقاض «سايكس بيكو»؛ لتسهيل مهمة إسرائيل التى تبتغى إقامة دولتها «اليهودية». وعن سوريا أكد رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق أن التحدى الأكبر أمام الحكومة الانتقالية هو تأسيس نظام ديمقراطى مدنى يضمن وحدة السوريين ويجعل سوريا لجميع السوريين، وأن التحدى الأصعب الذى يجب على الحكومة الانتقالية التنبه له هو تجاوز سيناريو التقسيم والتفتيت، وعدم استبدال الاستبداد بآخر، وإلى نص الحوار.. رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق فؤاد السنيورة ل«المصري اليوم» ■ مصطلح «الشرق الأوسط» هو تعبير جغرافى استعمارى.. لكنه صار المصطلح السائد للحديث عن المنطقة التى تضم الدول العربية وإيرانوتركيا ودولًا أخرى، وعانت المنطقة على مدار التاريخ من صراعات على خلفيات متعددة؛ تجذرت من مخططات الاستعمار حتى باتت بقعة ملتهبة دائمًا على خريطة العالم. برأيك، كيف ترى واقع المنطقة وأثر التاريخ فى هذا الأمر؟ تلك المنطقة أسيرة مطامع استعمارية عملت على تنفيذها عدد من الدول الأوروبية على مدى عقود، منذ القرن التاسع عشر، وقد استهدفت قوى الغرب أن تتقاسم المنطقة العربية بعد أن كانت فى معظمها جزءًا من السلطنة العثمانية، وقد تمكنوا من تنفيذ هذا التقسيم والتجزئة عقب انفراط عقد السلطنة العثمانية، حيث جرى تحويل المنطقة العربية إلى كيانات وبلدان متفرقة بما يتيح للدول الأوروبية السيطرة عليها بطرق مختلفة، بدلًا من أن تكون دولة عربية واحدة، حسب الوعد الذى قدّمته الإمبراطورية البريطانية للقيادات العربية آنذاك، والذى عُرِفَ بمحادثات «الحسين - مكماهون». عمليًا، ومنذئذ تعرّض العرب لخديعة كبرى مارستها عليهم الدول الغربية، بدأت بوعد بلفور وتقسيم فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل. عقب ذلك، عمدت إسرائيل فى العام 1967 إلى احتلال مناطق عربية جديدة، وبسط سيطرتها ونفوذها على الضفة الغربية وعلى غزة وعلى الجولان السورى، وهى مستمرة فى محاولاتها للسيطرة على عدد من الدول العربية بشكلٍ غير مباشر. فى غمرة الصدمات الخطيرة التى تعرضت لها دول المنطقة العربية على مدى العقود الخمسة الماضية، عملت إسرائيل على إفشال كل محاولات السلام، خلافًا لكل القرارات والمؤتمرات الدولية التى عقدت من أجل حل هذه القضية المحقّة، مع إطاحتها بالمبادرة العربية للسلام، وها هى، وبقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تستهدف رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد بمفهوم استيلائى على هذه المنطقة، يراد منه تثبيت يهودية إسرائيل وضمّ أراض عربية تبدأ بغزة والضفة الغربية إليها، مع الاستمرار فى الاحتفاظ بالجولان السورى وتوسيع الاستيطان فيه. نتنياهو يعمل على ضرب وإضعاف عدد من الكيانات العربية فى المنطقة، بحيث تستطيع إسرائيل أن تسيطر عليها حتى تصبح إسرائيل المتحكّمة فى مستقبل دول عربية متخاصمة ومتناكفة. الخوف الكبير أن يكون التوجه نحو إحداث المزيد من الانقسام والتشرذم والتدهور داخل الصف العربى، حيث يجرى التشجيع على قيام كيانات طائفية ومذهبية متناحرة على أنقاض دول سايكس بيكو لكى تبرر إسرائيل قيام الدولة الأحادية اليهودية. رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق فؤاد السنيورة ل«المصري اليوم» ■ برز مصطلح «الشرق الأوسط» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تتحدث كونداليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد»، وهو ما يتردد بقوة حاليًّا فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزةولبنان والصراع مع إيران.. كيف ترى ذلك المخطط خاصة بعد فوز ترامب وصعود قوى اليمين فى الولاياتالمتحدة؟ هذا المخطط تحديدًا، علينا تجنبه والعمل على تفاديه، وهذا هو ما قصدته من ضرورة الانخراط فى عمل عربى مشترك وأن ندرك كيف يحسب لنا حساب، أما أن نستمر فى حالة التشرذم فنحن لا نستطيع أن نحقق شيئًا. دون شك هناك العديد من المستجدات فى منطقتنا والعالم ومنها انتخاب ترامب؛ وهذا أمر طبيعى يحمل معه بعض المواقف المبنية على قراراته فى فترته السابقة، مما يقتضى أن نطور موقفًا عربيًا موحدًا يمكننا من الدخول فى حوار جدى مع الرئيس ترامب من أجل الوصول إلى تفاهمات للمعضلة الفلسطينية والتوصل لحلول عادلة بدلًا من المعالجات التسكينية التى فاقمت الوضع الأمنى فى المنطقة، وصولًا إلى ما جرى لغزةولبنان. ويتوجب علينا أن نتنبه لما يحدث من متغيرات، وأن نعمل من أجل تفادى هذه المخاطر وتجنبها، وهذا ما قصده من وجوب العمل العربى المشترك وأن ننتقل من خانة رد الفعل إلى الفعل. علينا أن نوحد موقفنا حتى يعتبر العالم أن لنا حقوقًا نريد أن نحصل عليها. ترامب يقول إنه يريد تحقيق السلام، وهو أمام فرصه أن يُدخل اسمه «التاريخ» حال استطاع أن يقيم سلامًا مستدامًا فى الشرق الأوسط، وأن يحسب له أنه استطاع ما لم يستطِع أن يحققه قرابة 15 رئيسًا أمريكيًا فى ال75 عامًا الماضية، هذا لو أراد ذلك لكنه لا يستطيع أن يكون حكمًا وطرفًا فى آن، ويجب أن تنتبه الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى تجنب تخريب العلاقات مع العرب مجددًا، فإن كان هناك نتيجة نستخلصها من حرب غزة فهى أن فلسطين تحفر عميقًا فى وجدان وضمائر العرب والمسلمين ولا يمكن لأحد أن يفرط فى هذه القضية ويتناسى الدفاع عن الحق الطبيعى للفلسطينيين فى أن يكون لهم وطن ودولة حرة مستقلة ذات سيادة كاملة الصلاحيات. هناك متغيرات كبرى وقد سقط النظام الذى كان يبتز العرب والمجتمع الدولى. على العرب أن يتوقفوا عن عدم المبادرة. مشكلة سوريا كما العراق نتجت عن الفراغ العربى الذى حلت محله إيران، لذلك أعتقد أن المنطقة بصدد تحديات وفرص لبناء طور جديد من العلاقات مع إيران ومع تركيا وغيرهما من البلدان التى تتدخل فى شؤون بلدان المنطقة. خلال هذه الفترة نتجت تغيرات كبرى فى المنطقة نتيجة المشكلات التى تعرضت لها غزة وما جرى فى لبنان والضربة التى تلقاها حزب الله، والمتغير الكبير الذى جرى فى سوريا والذى أصفه بأنه بمسابة انهيار جدار برلين العربى، أن نتجه لطور جديد من العلاقات مع إيران، حيث سقط النظام السورى، النظام الذى كان يبتز العرب ويبتز المجتمع الدولى، وعلى العرب أن يتوقفوا عن عدم المبادرة؛ مشكلة سوريا وسبقها العراق، تكمن فى دخول أطراف إقليمية مثل إيران. والآن انحصر الوجود الإيرانى فى سوريا كما انحصر وجود حزب الله. ■ برأيك ماذا تفعل القوى الإقليمية الكبيرة فى المنطقة إزاء هذه المخططات، وبالتحديد مصر والسعودية بوصفهما الدولتين الكبيرتين فى المنطقة؟ عربيًا، الحاجة ماسة إلى مبادرة سريعة بحيث يتحقق الاحتضان العربى أولًا لسوريا وللسوريين، والوقوف إلى جانب الشعب السورى ودعمه، وليس فى اعتماد أسلوب الغياب عنها، بل فى وجوب العمل على حماية المشروع السورى الجديد، بعيدًا من محاولات الاختطاف الأيديولوجى لهذه المجموعة الجديدة. فى هذا الصدد، فإنى أعتقد أنه ينبغى على الدول العربية، وعلى رأسها السعودية ومصر، التواصل مع المسؤولين فى سوريا الجديدة، ورسم قواعد التعامل الجديدة معها، والمساعدة وتقديم النصح السياسى لسلوك الطريق التى تؤدى إلى اعتماد أسلوب الدولة المدنية الحريصة على جميع مكوناتها الوطنية. كما أن العمل من أجل الإسهام مع المجتمع الدولى من أجل إيقاف العدوان الإجرامى والاحتلالى الذى ترتكبه إسرائيل ضد سوريا، وكذلك من أجل رفع العقوبات عن سوريا الجديدة وفق صيغ قانونية نظامية تضمن عدم تكرار ما حدث. وحسنًا ما تشير إليه الأنباء بشأن عودة عدد من الدول العربية إلى إعادة فتح سفاراتها فى دمشق، وحيث إنه من المفترض أن تكون هذه الحكومة السورية مؤقتة، وحيث يجب أن يكون هناك إطار زمنى انتقالى لتحديد مسار نظام الحكم بسوريا. ولكم سرّنى اجتماع لجنة الاتصال العربية فى العقبة يوم 14 ديسمبر الماضى، لعدد من الوزراء العرب، وكذلك اجتماعهم مع وزراء خارجية الولاياتالمتحدةوتركيا والاتحاد الأوروبى، والمبعوث الأممىلسوريا من أجل السير قدمًا فى تطبيق القرار الدولى رقم 2254 الصادر فى العام 2015، حيث جرى التأكيد على تحقيق عملية انتقال سياسية سورية ديمقراطية جامعة، تُشارك فيها كل المكونات السورية ووضع صيغة دستورية جديدة وإجراء انتخابات جديدة حرّة ونزيهة تشرف عليها الأممالمتحدة، وعودة اللاجئين ومطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها فى المنطقة المحايدة، والتأكيد على أنّ الجولان أرض سورية عربية، والتأكيد على وحدة وسلامة الأراضى السورية. ■ يغيب أىّ مشروع عربى موحد تجاه ما يخطط للمنطقة، خاصة مستهدفات التوسع الإسرائيلى التى ظهرت واضحة فى غزةولبنانوسوريا، والحديث عن نية ضم أراضٍ أخرى على الخريطة العربية، وهو التوجه الذى ترجمه ترامب عند حديثه عن إسرائيل الصغيرة التى يجب أن تتمدد.. كيف يصوغ العرب مشروعهم المواجه لهذه المخططات؟ يكمن الحل فى أنظمة ديمقراطية رشيدة مبنية على ثقة مواطنيها داخليًا، ثم تكامل عربى وتعاون استراتيجى. المطلوب تطوير موقف عربى متضامن من أجل صياغة قواعد صحيحة للتعامل مع تلك الدول ومعالجة المخاطر التى تتسبب بها أو قد تتسبب بها. وسط ما يحيط بالمنطقة، فشل مشروع الدولة الوطنية فى عدد من الدول العربية فى المشرق العربى؛ بسبب المشكلات الإقليمية التى واجهتها تلك الدول، وبسبب ما أوقعت نفسها به من مشكلات نتيجة سوء الإدارة وقلة التبصّر؛ لذا إذْ لم تنجح عدد من تلك الدول فى الإعداد لقيام أنظمة يكون همّها بناء دول عربية ديمقراطية قادرة على اكتساب ثقة مواطنيها، فنحن أمام خطر أكبر. ذلك لأنّ اهتمام المسؤولين فيها كان يتركّز على هدف أساسى، ألا وهو تأبيد احتفاظ المسؤولين فيها بالسلطة على حساب حاضر ومستقبل مصالح مواطنيها. وبالتالى ضيَّعت الكثير من الفرص وأهدرت الكثير من الموارد وأزهق بعضها الكثير من الأرواح، وعمدت إلى تدمير الإنسان والعمران، وتسببت لمواطنيها بالكثير من المعاناة. ينبغى التنبه إلى أن المطامع الأجنبية والتدخلات الإقليمية والدولية لا تزال مستمرة، وأن القضايا العربية لا تزال عرضة للتجاذبات بين قوى إقليمية ودولية. هذا فى الوقت الذى تستحكم لدى تلك الدول الخلافات والصراعات الداخلية. ■ على مدار التاريخ تلعب مصر أدوارًا رئيسية فى المنطقة، كيف تنظر للدور المصرى؟ وكيف لمصر مواصلة دورها رغم التحديات المحيطة والاستهداف الدائم؟ من المسلمات التأكيد على أهمية مصر ودورها المركزى فى العالم العربى تاريخيًا وجغرافيًا، والذى لا يمكن الاستغناء عنه، حيث إنه ينبغى على الجميع الإقرار بأهمية دور مصر، والدور الكبير الذى ينبغى العمل على تعزيزه والاستفادة منه دعمًا للمصالح المشتركة بين هذه الدول العربية، وكذلك تعزيزًا لمصر ودورها فى إفريقيا. عبر التاريخ كان لمصر دور مركزى فى المنطقة وفى كل الاتجاهات فإذا نهضت مصر نهض العرب، وإذا تراجعت مصر تراجع العرب. ولهذا لا يمكن الاستغناء عن دور مصر على الإطلاق، وبغياب الدور المصرى، فإنّ المنطقة العربية تفقد الكثير من دورها ومكانتها. ■ كيف تستفيد المنطقة العربية من تجاذبات القوى الكبرى وأحاديث التعددية القطبية العالمية؟ وكيف تلعب دورًا لصالحها فى هذا التنافس الدولى، ولا تكون مقدراتها فى يد قوة واحدة أضرت بها واستنزفت ثرواتها طوال عقود؟ إن موقع المنطقة العربية الجغرافى والاستراتيجى الهام كممر بين الشرق والغرب، يفرض نفسه عليها لتكون منطقة زلزالية سياسيًا تتعرّض لصدمات وتحولات وتغيرات كثيرة، ومن كل نوع، ولاسيما إزاء المطامع المتكاثرة للقوى الإقليمية والدولية فى هذه المنطقة؛ هناك أطماع غربية وإقليمية. ومما لا شك فيه، أن المطامع التى لدى تلك القوى والدول فى السيطرة وممارسة النفوذ على المنطقة العربية يعود أيضًا، وبشكلٍ كبير، بسبب ما تختزنه هذه المنطقة من ثروات طبيعية، ومنها نفطية وغازية وكذلك مادية، وهى لذلك تتنافس فيما بينها لبسط نفوذها عليها. على صعيد آخر، فقد أملت الظروف الانقسامية الداخلية والأنظمة العسكرية والشمولية التى سادت فى عدد من الدول العربية، وكذلك بسبب الإدارات السيئة التى تسلّطت فيها تلك الأنظمة على الإنسان فى حاضره ومستقبله من أجل تأبيد تسلطها وسيطرتها، مما أدّى إلى تفاقم ضعفها وتشرذمها. ذلك مما دفع بثلاث قوى أساسية فى المنطقة مؤثرة ومتدخلة، والتى أصبحت تتجرأ وبشكلٍ قوى على الدول العربية فى هذه المنطقة. وأعنى بذلك أن أضلع مثلث التجرؤ يبدأ من إسرائيل التى بيننا وبينها عداوة مستحكمة بسبب استمرار عدوانها على العرب وعلى الفلسطينيين ورفضها تطبيق القرارات الدولية، وترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين فى أن يكون لهم وطنهم وأن تكون لهم دولتهم السيدة الحرة والمستقلّة. وهناك إيران التى باتت تتدخل وبشكلٍ متزايد فى الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، وهى التى عملت على اعتماد نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية من أجل إلباس أعمال توسيع نفوذها وتسلطها على عدد من الدول العربية لبوسًا دينيًا وطائفياً. وهى بذلك لا تنكر بأنها باتت تسيطر على أربع دول عربية، هى: العراقوسورياولبنان واليمن. وهناك تركيا التى بسياساتها ومصالحها تستدعى من الدول العربية المعنية أن تُسارع إلى أن تضع القواعد الصحيحة للتعامل معها بكفاءة وندية تكون مبنية على الاحترام المتبادل، والتوافق على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول العربية، بما يسمح بالتالى فى بناء علاقات قوية معها. ■ لو قدر لك أن ترسم صورة المستقبل لهذه المنطقة فى ظل الصراعات الحالية والمخاطر المحيطة بها، كيف ترى هذه السيناريوهات تفصيلًا؟ لذا، فإنّ الحل الوحيد الذى يمكن أن يأخذ دول هذه المنطقة العربية نحو الخروج من أزْماتها المعقدة، هو أن ندرك إدراكًا حقيقيًا للمخاطر المحدقة بها جميعًا، والحاجة لديها لجمع صفوفها، وبالتالى فى أن تجهد لتوجه جهودها من أجل خدمة مصالحها المشتركة، وتعمل من أجل أن تدافع عن قضاياها المحقة وما يقتضيه ذلك من عمل متضامن يستند إلى احترام قواعد الحق والعدل والقانون والنظام وقواعد الحكم الرشيد، وتعزيز مستويات الحوكمة وممارسة الاحترام الحقيقة للإنسان العربى. بذلك يمكن أن تتمكّن هذه الدول من الوقوف ضد مخططات التقسيم والتفتيت والتجزئة فى الداخل وضد المحاولات التى تبذلها إسرائيل للحول دون تعاون وتضامن وتكامل تلك الدول بما يضمن لهذه الدول صيانة وتنمية مصالحها المشتركة ومصالح شعوبها. هذا فضلًا عما ينبغى أن تقوم به هذه الدول من جهود للحول دون ما تقوم به إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية. ولذلك، فإنّ المطلوب وكما تقول العبارة بالإنجليزية: Stand up to be counted أن تقف لكى يحسب الآخرون لك حسابًا. ولذلك، فإنّ الأمر الأساس يكون فى عمل تضامنى يخدم مصالح أبناء ومصالح تلك الدول العربية فى الحاضر والمستقبل، وبما يعينها على التصدى لمشكلاتها الداخلية والتصدى للاعتداءات الإسرائيلية والأطماع الإقليمية والدولية. وهنا أستشهد ببيت لأحد الشعراء: «تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا وإذا افترقن تكسرت آحادًا». ■ تحدثت عن انحصار الوجود الإيرانى لكن هناك وجود تركى وأمريكى وهناك احتلال إسرائيلى وهناك من ينبه من خطر التقسيم فما تعليقك!؟ هذا الأمر بالطبع مقلق ويجب ألا يكون هناك وجود لأى قوى عسكرية أو غير عسكرية ليست سورية فى هذا التوقيت الحرج؛ ولذلك يجب أن يكون هذا هو الهدف الذى تسعى له سوريا بقيادتها الجديدة التى يجب أن تكون منبثقة من عملية وطنية صحيحة مبنية على مفاهيم المواطنة التى يشترك فيها جميع مكونات العمل السورى دون أى تمييز أو إقصاء وأن تكون هذه الدولة على علاقة قويمة مع جيرانها العرب وتحديدًا مع لبنان دون أن تكون العلاقة مبنية على الوصاية. ■ البعض يحذر من أن إسرائيل تتوسع طولًا وعرضًا على الأراضى الفلسطينية وخارجها، وهى أمام فرصة ذهبية فى ظل الدعم الأمريكى غير المشروط ورئيس وصف نفسه بأنه «صهيونى» مؤيدًا قرارها غير الشرعى بضم الجولان السورى وأن إسرائيل «ضيقة يجب أن تتوسع».. ما تعليقك؟ هذا أمر واضح وجلى، إسرائيل موجودة الآن فى غزة والضفة، وقد قامت بانتهاك اتفاقية فض الاشتباك للفصل بينها وبين سوريا، وقد احتلت أراضى سوريا جديدة، وعلينا التنبه لذلك. أظن أن على العرب دعم الخطوة التى اتخذتها الحكومة الانتقالية فى سوريا، بالتوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بالضغط على الاحتلال الإسرائيلى ودفعه للانسحاب. على الجامعة العربية أن تتولى إعلاء الصوت العربى والعمل بما ينبغى لدفع الدول العربية لاتخاذ نفس الموقف. ■ عقب سقوط نظام بشار يعتقد البعض أن سوريا على أعتاب تغيير إيجابى، فيما البعض الآخر يرى المشهد ضبابيًا، متنبئًا بسيناريو التقسيم المذهبى والعرقى فيها.. ماذا السيناريوهات التى تتوقعها أنت لمستقبل سوريا؟ ما جرى فى سوريا حدث تاريخى، وهو فى آثاره وتداعياته يمكن تسميته «هدم جدار برلين العربى»، وهو يشكل تطورًا إيجابيًا ومفصليًا بسبب سقوط ورحيل نظام آل الأسد الديكتاتورى المتوحش الذى حكم بالحديد والنار وبالقتل والاغتيال والتعذيب والتهجير على مدى أكثر من خمسين سنة. إذْ إنه حوّل سوريا إلى سجن كبير، ومارس ابتزازه على الكثير من الدول العربية، حيث اعتمد استراتيجية وأساليب زعزعة الاستقرار فى دول الجوار، وأصبح أداة للابتزاز بهدف إدامة حكمه وسلطته، كما تسبب فى نشوب حروب أهلية وقلاقل ومشكلات فى لبنان، وكذلك فى العراق، واستعمال العديد من المنظمات والفصائل الفلسطينية لممارسة سلطته على القضية، وتناوب هو والنظام الإيرانى، على استتباع تلك الفصائل. هذا النظام كما غيره من الأنظمة الديكتاتورية ألحق أضرارًا هائلة وعميقة فى منطقتنا العربية وأهدر فرصًا وضيع أجيالًا كثيرة وحال دون أن تواكب كثير من دولنا العربية حركة العصر لإحراز الرقى والتقدم والنهوض. ونهاية هذا النظام الاستبدادى يأتى تأكيدًا على استحالة استمرار وجود أنظمة ديكتاتورية وشمولية فى العالم العربى مهما طال زمن سيطرتها، لكونها أنظمة غير قابلة للاستمرار. أعتقد أن على العرب التواصل مع من قاموا بعزل نظام بشار من أجل الاحتضان والرعاية وتقديم النصح لهم والاستجابة لنداء سوريا المستقبل القائمة على المواطنة كدولة لكل السوريين تحقق العدالة لمواطنيها، وأن تبنى علاقات قويمة وصحيحة مع جميع الدول العربية، وأن تعود سوريا دولة طبيعية، لاسيما أن الوجود الإيرانى قد انحصر وانسحب حزب الله، وهذا يجب أن يكون حافزًا للسوريين. ■ إذًا، ما الدرس المستفاد مما جرى فى سوريا وقبلها العراق والسودان واليمن؟ سقوط الأسد هو مثال جديد على ضرورة العودة إلى أصول الحكم الديمقراطى المدنى الصحيح فى منطقتنا العربية، بعيدًا عن العصبيات الدينية والطائفية والمذهبية، وتأكيدًا على الحكم المدنى المستوعب لكل المكونات الوطنية والعادلة فى التعامل معها. صحيح أنّ من باتوا يتولون السلطة فى سوريا الآن، وتحديدًا هيئة تحرير الشام، تنتمى إلى منظمات إسلامية، والتى جرى تصنيف بعضها كمنظمات إرهابية، ولكن هذه المجموعة ومن يؤازرها هى التى تولّت، وذلك مع توفر الظروف المؤاتية لها، إنهاء نظام بشار الأسد. تولّت إزاحة هذا النظام، وعليها الآن أن تحرص على التصرف بحكمة وتبصر. وألا تتسبب بدعم مشروع أيديولوجى جديد بسوريا، أو خدمة أجندات بالية سقطت مع سقوط الأسد. الآن لا بد من المسارعة إلى ضبط الأمن وإنشاء إدارة مؤقتة متوافق عليها، وتأمين الخدمات العامة لجميع المواطنين. ولذا ينبغى اتباع أسلوب متزن يُسهم فى إرسال رسائل إيجابية للسوريين وللأشقاء العرب وللمجتمع الدولى لناحية سلمية عملية الانتقال من نظام حكم ديكتاتورى إلى نظام حكم آخر من دون ارتكاب أعمال ثأرية أو انتقامية، وهذا يدعو إلى العمل الجاد من أجل إخراج سوريا من الحالة المخيفة التى كانت تعيشها على مدى عدة عقود ماضية إلى أفق آخر إيجابى. ■ ماذا لو نتخذ موقفًا موحدًا حيال ما يحدث فى سوريا والمنطقة؟ لو لم يكن هناك عمل عربى متراص فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا. نتنياهو استغل الوضع فى سوريا وأمر بالاستيلاء على المنطقة العازلة. كيف تستفيد إسرائيل من المشهد الزلزالى فى منطقتنا وكيف نتصدى لطموحات «التوسع» التى أعلنها اليمين المتطرف معترفًا بأنها ستطال 6 بلدان عربية تشكل فلسطينولبنان والأردن وسوريا وتنتهى إلى مصر والسعودية كما قال سموتريش؟ لقد كشفت إسرائيل مرة أخرى عن وجهها التوسعى الإجرامى. وها هى الآن تقدم على التوسع وتحتل المناطق العازلة بينها وبين سوريا فى منطقة الجولان، وتتخذ قرارات بتوسيع الاستيطان فى المناطق السورية المحتلة. ومن أجل ذلك، قامت بإلغاء اتفاقية فضّ الاشتباك الموقعة فى العام 1974 من طرف واحد. من المفيد التذكير بأنّ إسرائيل نجحت فى الحصول على اعتراف الولاياتالمتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان السورى الذى احتلته فى العام 1967. إذْ قام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال ولايته السابقة بإصدار مرسوم تعترف بموجبه الولاياتالمتحدة بأن هضبة الجولان السورية المحتلّة هى جزءٌ من دولة إسرائيل، وهو المرسوم الذى وقّعه الرئيس ترامب فى 25 مارس 2019، وهو بذلك يعنى اعتراف الولاياتالمتحدة بالقانون الذى أصدرته إسرائيل فى العام 1981 بشأن الجولان السورى رغم عدم استجابة أى دولة أخرى فى العالم لدعوة واشنطن فى الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. هذا الأمر الخطير يقتضى من جميع الدول العربية، ولاسيما مصر والأردن وسورياولبنان، التنبه لما تشكله إسرائيل من أطماع وعدوانية من أجل أن يكون لها موقف موحد وسياسة موحدة للتصدى لإسرائيل، وللعودة إلى تنفيذ المبادرة العربية للسلام التى أقرّتها القمة العربية التى انعقدت فى بيروت فى العام 2002. ■ تنتقد حزب الله فيما هو مدعوم شعبيًا، فهل يؤدى نزع سلاح الفصائل والفواعل من غير الدول مثل (حماس) و(حزب الله) إلى كف يد إسرائيل عن الأراضى العربية وتجنيب فلسطينوالجنوباللبنانىوسوريا شرورها؟ فى المبدأ، الدولة تعنى فى جوهرها فرض سيادة القانون والاحتكار الشرعى والحق الحصرى والوحيد فى الاحتفاظ بالسلاح واستعماله عند الاقتضاء. وبالتالى، فإنّ وجود أى سلاح آخر غير سلاح الدولة يشكِّل نوعًا من ممارسة السلطة، وبالتالى التسبب فى الازدواجية فى السلطة، وهو ما يؤدى إلى الكثير من الويلات لأى بلد. إنّ مشكلة سلاح حزب الله مضى عليها سنوات، وإن كان لها ما يبرّرها فى وقتٍ مضى، وذلك إلى حين انسحاب إسرائيل فى العام 2000، وبعدها بات هذا السلاح يشكّل مشكلة لبنانية ينبغى حلها حتى تستقيم أمور الدولة والمجتمع فى لبنان. الآن، وبعد كل هذه التطورات التى حدثت فى المنطقة وفى لبنان خلال الأشهر الماضية، فقد أصبح من الضروري- بل من المحتم- طرح هذه المسألة بهدف إيجاد حلّ لها، وبشكلٍ صحيح ودائم، ولاسيما بكون سلاح حزب الله يشكل مشكلة خطيرة فى لبنان، ولكن يجب التعامل مع هذه القضية بطرق حكيمة بعيدًا عن استعمال القوة، وذلك للحول دون فتح نزاع مسلح جديد فى البلاد. هذه هى الاستنتاجات الأساسية التى ينبغى علينا أن نخرج بها بعد هذه الحرب المدمرة التى أصبح لبنان فى لجة نتائجها. وهذا يعنى أن يقتنع حزب الله أن دور سلاحه، كما كان قبل العدوان الأخير، لم يعد مجديًا ولم يعد ممكنًا. فهذا السلاح تسبب عمليًا بإلحاق أضرار فادحة بحق لبنان واللبنانيين، وأدّى إلى تدمير بيئة حزب الله، ولقد حصل ذلك للمرة الثانية خلال أقل من عقدين. إنَّ ما حصل للبنان من مصائب وكوارث لا يستحقه لبنان، ولبنان لا يستطيع تحملها واحتمالها. وهو أمر يجب ألا يتكرر، وعلى حزب الله أن يعود إلى الدولة فى لبنان بشروط الدولة، ولا يكون هناك من سلاح خارج السلطة الشرعية للدولة، وأن تتم هذه العملية بكل حكمة ورؤية وتبصر وحزم. ■ يثير الوضع فى سوريا علامات استفهام على المستوى الشعبى العربى، حيث تباينت الآراء بن مؤيد لرحيل بشار ومتفائل بمستقبل سوريا ومتخوف من مخططات التقسيم أو متشائم مما هو قادم.. ماذا عنك أنت كسياسى مطلع على الكواليس؟ يجب أن تعود سوريا لتنسج علاقاتها الصحيحة مع جميع أشقائها العرب وتتوقف عن الأدوار التخريبية التى كانت تقوم بها خلال «المرحلة الأسدية»، وأن تتوقف عن الاستقواء بإيران كما كانت تفعل فى السابق للتخريب على الدول العربية الأخرى، والتوقف عن استعمال المخدرات وسيلةً للتربح والإفساد فى المجتمعات العربية. ■ أحمد الشرع (أبومحمد الجولانى) قائد هيئة تحرير الشام التى تولت عزل بشار هذا الرجل الذى وضع على قوائم أمريكا للإرهاب ثم رفع منها يثير لدى البعض علامات استفهام.. ما تعليقك؟ لا بالعكس لماذا علامات استفهام، بل إن تصريحاته وإشاراته حول «حل الفصائل» ورفع العقوبات لتسهيل عودة اللاجئين والدعوة إلى «عقد اجتماعى» بين الدولة وجميع الطوائف إيجابية ومطمئنة، وأظن أن على العرب تشجيعه على السير فى هذا المضمار وليس استعداءه، ويجب أن يكون هناك عمل مستمر لعدم التسبب فى مزيد من المشكلات فى سوريا، فكفاها ما فيها. ما يحدث بقدر ما هو تحدّ هو فرصة، وعلى العرب التواصل مع من تولوا هذه العملية من هيئة تحرير الشام من أجل احتضان ورعاية وتقديم النصح بأن يقوم السورى ببناء سوريا المستقبل وأن تعود سوريا دولة طبيعية بعدما انحصر الوجود الإيرانى وبعد انسحاب حزب الله وهذا يجب أن يكون حافزًا. ■ فى خضم التوترات أظهرت إيران بوادر انفتاح دبلوماسى مع العرب بما فى ذلك بلدان الخليج، ما توقعاتك أو تطلعاتك بالنسبة للعلاقات العربية الإيرانية فى ظل التطورات الأخيرة؟ بدون شك، إيران وعلى مدى العقود الماضية عملت على التغلغل والتداخل فى عدد من الدول العربية، ولاسيما بعد العام 2003 حين أحكمت سيطرتها على العراق بعد الاجتياح الأمريكى للعراق، وقبل ذلك على لبنان ابتداء من العام 1982، وهى وسعت نفوذها تدريجيًا عبر حزب الله إلى أن أصبحت هى صاحبة السلطة الأساسية فى لبنان، بل باتت تختطف قرار الدولة اللبنانية. كما أنَّ إيران أصبحت بعد ذلك مسيطرة فى سوريا بعد العام 2011 وفى اليمن. وبالتالى، فإنها أصبحت تسيطر على أربع دول عربية، ونعنى بذلك العراقسورياولبنان واليمن. الآن وبعد الذى جرى خلال الأشهر الماضية شهدنا أن هناك تراجعًا أساسيًا فى نفوذ إيران، أكان ذلك من خلال ما جرى لذراعها الأساس فى لبنان، أى حزب الله، وأيضًا فى ضوء ما بات يجرى فى سوريا، فقد رأينا كيف أن إيران تخسر من سلطتها ونفوذها فى سوريا. لذلك، وفى ضوء هذه التحولات التاريخية، فإنى أرى أنّ على إيران أن تعيد قراءتها وتقييمها للأمور ولهذه التحولات، وعليها بالتالى أن تعود لتكون دولة طبيعية فى منطقة الشرق الأوسط، تحرص على تنمية مصالحها وتحترم مصلحة مواطنيها، وليس فى أن تكون طرفًا يحاول أن يمد نفوذه لكى يسيطر على باقى الدول فى المنطقة، وتبنى علاقاتها مع الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربى. دعنى أقُل لك وبوضوح، لن تقبل الدول العربية ولا لبنان ولا أحد فى أن تستمر إيران فى موقفها بأن تسيطر عبر أذرعها ومن خلال اعتماد نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية على الدول العربية التى باتت تسيطر عليها الآن. هذا الأمر يؤدى إلى التسبب بمزيد من الإشكالات فى هذه الدول والمزيد من التفسخ والتشدد والتطرف فى العالم العربى. هذه الممارسات التدخلية من قبل إيران فى الشؤون الداخلية أصبح مصدرًا للقلاقل واللا استقرار فى الدول العربية. ■ ما مستقبل الأزمة السياسية اللبنانية والشغور الرئاسى من وجهة نظرك؟ وأين تقف من وجهتى النظر القائلتين بأن حزب الله هو السبب وراء جعل الجنوب نقطة ساخنة وترى الأخرى أن اعتداءات إسرائيل أقدم من تأسيس حزب الله، ولن تنتهى بإدماجه فى الحكومة ونزع سلاحه؟ المشكلة الأساس هى إسرائيل فى نشوئها، وفى ممارساتها وأطماعها وعدوانيتها، قسمت العرب وأطاحت بقواهم واحدًا تلو الآخر، ثم أمعنت بعد ذلك فى رفضها كل المحاولات لإيجاد حل حقيقى ومستمر للقضية الفلسطينية، بحيث يكون من الممكن أن يصبح حلًا دائمًا وعادلًا على الأسس التى تمّ التوافق عليها، وهو حلّ الدولتين على أساس الحدود التى كانت قائمة فى العام 1967. الهدف الرئيسى الآن فى لبنان، هو تثبيت وقف إطلاق النار على أساس الترتيبات والإجراءات الجديدة التى تمّ التوافق عليها مع إسرائيل ولبنان برعاية أمريكية وفرنسية لتنفيذ القرار الدولى 1701. فإذا ما تحقق ذلك فان لبنان يكون قد تجاوز أزمة سياسية وأمنية كبرى. من جانب آخر، فإنه يجب أن تتضافر الجهود فى لبنان من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية للسماح بإعادة تكوين السلطات الدستورية فى لبنان وهى الوحيدة القادرة على إعادة البناء والإعمار وإعادة الأمور إلى طبيعتها ومسارها السلمى المطلوب. ■ ما تعليقك على أن انسحاب إسرائيل من لبنان تكتيكى وأن خطر الاحتلال مازال قائمًا فى ظل اليمين المتطرف التوسعى؟ كيف يؤثر الانقسام السياسى الداخلى فى لبنان على الموقف الوطنى الموحد تجاه النزاعات مع إسرائيل؟ أطماع إسرائيل بالأراضى العربية لا تخفى على أحد فى أنّ إسرائيل تعمل على تنفيذ مشاريعها التوسعية فى لبنان وفى سوريا وفى كل الاتجاهات. فهى تعمل على ابتلاع قطاع غزة والضفة الغربية والمنطقة العازلة فى الجولان المحتل وبعض القرى اللبنانية المحاذية للخط الأزرق القريب من الحدود بعد أن دمرتها ومسحتها من الوجود. وهذا من شانه توسيع وإدامة الصراع العسكرى معها. ■ ما السبيل لتوحيد الصفوف اللبنانية فى مواجهة هذه التحديات؟ وهل ثمة فرص لوفاق وطنى لبنانى؟ هذا الأمر ممكن إذا عاد الجميع إلى الدولة بشروط الدولة، وأرى أنّ الآن قد يكون هناك فرصة نادرة لانضمام الجميع إلى الدولة ومشروعها الذى يتسع للكل وهو بحاجة لدعمهم.