بالفرشاة.. «عم نبيل» يحول منزله إلى معرض فني

بين أزقة عروس الصعيد الهادئة، يعيش نبيل محمود، الرجل الذى ناهز ال77 عامًا، والذى حول منزله البسيط فى محافظة المنيا إلى معرض فنى ينبض بالحياة والتاريخ حيث تتجاوز قصته حدود الرسم والفن، لتصبح حكاية إنسان اختار التعبير عن ذاته من خلال الألوان.
فى إحدى زوايا المعرض، يبرز مشهد لامرأة مصرية تحمل ابنها على ظهرها، تتألق فيها روح الماضى وعبق الريف المصرى، بينما فى زاوية أخرى، يقف بائع السجاد فى الغورية، حاملا معه تاريخ الشوارع القديمة وأصوات الناس التى تملأ الأسواق، وكل لوحة تحكى قصة مكان أو زمن عاشه الفنان أو تخيله، وكل تفصيل داخلها يأتى بألوان طبيعية نقية، استوحاها عم نبيل من جمال الطبيعة وروح مصر العريقة.
«نبيل» ليس مجرد فنان، بل هو معلم يزرع الحب للفن فى قلوب الطلاب الشباب فى كلية الفنون الجميلة، يقدم لهم من خبرته الطويلة وينقل لهم شغفه الذى لا ينضب، ويقول ل«المصرى اليوم»: «بدأت الرسم منذ أن كنت صغيرًا، وكانت الفرشاة هى رفيقتى طوال الطريق، تعلمت من والدى، لكننى أضفت بصمتى الخاصة، ورغم أننى خريج دبلوم المعلمين فى التربية الفنية، إلا أننى لم أتوقف عن تطوير نفسى، فالفن ليس مجرد مهنة، بل هو حالة نفسية وروحية يعيشها الفنان».
فى أرجاء معرضه الصغير، تتراقص الألوان فى لوحات تحمل بين طياتها مشاهد من مصر القديمة والحديثة، من بائع البلح فى السوق إلى صانع النحاس، وكل تفصيلة مرسومة بدقة وحنان، ويكمل: «رسمت أكثر من 400 لوحة، وكل واحدة منها تحكى قصة، استغرقنى العمل على بعضها شهورًا، وربما سنوات، لكن لم يكن المهم بالنسبة لى أن أبيعها، بل أن أعيش داخلها، لقد بعت بعض لوحاتى، لكننى كنت أشتريها مرة أخرى، أحتاج لأن أحتفظ بجزء من روحى التى وضعتها فى كل ضربة فرشاة».
ويتابع «نبيل»: «الفن هو لغتى، ووسيلتى للتواصل مع العالم»، فهو يدرك أن لديه رسالة يجب أن يحملها للأجيال القادمة، ووسط ألوانه الغنية وتفاصيل لوحاته الحية، يظل رمزا للإبداع، يُضىء درب الفنانين الجدد، ويُظهر لهم أن الفن هو أكثر من مجرد رسم، بل هو حياة كاملة تُروى بكل ملامحها وألوانها، قصة تُنسج بحب وحنين، تعبر عن إنسانية تتراءى فى كل زاوية من زوايا الذاكرة، وتستمر فى إلهام الآخرين لعقود مقبلة.