خلال الأسبوعين الماضيين، فشل مجلس الأمن في تبني 4 قرارات تدعو إلى فرض هدنة إنسانية والتوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما يؤكد حالة الانقسامات العميقة التي تضرب الدول الأعضاء في المجلس والخلافات الحادة في وجهتي النظر بين الولاياتالمتحدةالأمريكية من جانب وروسياوالصين على الجانب الآخر واستخدام قرار حق النقض «الفيتو» المتبادل بينهما، انطلاقًا من الدعم الأمريكي اللا محدود لإسرائيل في حربها على قطاع غزة وما يقابله من تأييد روسي وصيني للموقف الفلسطيني. يعمل التوجه الأمريكي على محاولة شرعنة الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة تحت عنوان حق الدفاع عن النفس، والمطالبة بفرض الهدنة الإنسانية، بينما تطالب روسيا بوقف إطلاق النار كونه أقوى من الهدنة الإنسانية وإدانة عمليات استهداف المدنيين في قطاع غزة ورفض الحصار. واستطلعت المصري اليوم آراء بعض الخبراء، على ما حدث في جلسة مجلس الأمن الدولي، بشأن التراشق بين مندوبي روسياوالصين من جهة ومندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في مجلس الأمن، في ظل الرفض المتبادل لمشروعي كليهما بشأن الأوضاع في غزة، بعدما استخدمت الصين حق النقض «الفيتو» لرفض المشروع الأمريكي، واستخدمت أمريكا نفس الحق في رفض المشروع الروسي، في الوقت الذي مازال الاحتلال الإسرائيلى يخوض حرب انتقام وإبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة مواصلا سياسة الأراضى المحروقة. واتفق الخبراء على أن المواقف الدولية للدول الاعضاء دائمة العضوية في مجلس الامن تجاه القضايا يحكمها في الاساس المصالح السياسية للدولة وليست المصالح الدولية أو بمعني ادق مصلحة الدولة صاحبة القضية. يقول محمد خيري، الباحث في الفلسفة السياسية: «على ما يبدو فإن القوى الأكبر في العالم قد نقلا صراعهم السياسي والعسكري والاستراتيجي من مناطق الصراع في أوكرانيا، حيث تسعى روسيا لبسط سيطرتها في أوكرانيا وإحراج مركز الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول التكتل الأوروبي، إلى منطقة الشرق الأوسط، بأن رفضت موسكو وبكين مشروع القرار الأمريكي أمام مجلس الأمن بحجة أنه يبرر الحصول على موافقة لاستمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة». وأضاف خيري ل«المصري اليوم»، أن تلك الدول تسعى بشكل مكثف لإثبات وجودها على الأرض من ناحية وتوسيع رقعة مناطق نفوذها طبقًا لرغبتها في حماية مصالحها، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط، في ظل التعاون الصيني والروسي مع دول الشرق الأوسط مؤخرًا، علاوة على أن أحداث غزة كشفت للمجتمع الدولي أجمع طبيعة النظرة الغربيةوالأمريكية تجاه دول المنطقة، التي ترى فيها مطمعها لها، وترى في إسرائيل ذراعها الطولى. ونوّه خيري إلى أن الأزمة تكمن ليس في رغبة موسكو وبكين في توسيع نفوذهما، أو في رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب في دعم إسرائيل، وإنما في عدم وجود تحالف عربي قوي يكون صاحب استراتيجية محددة تمنع دوله أن تكون مطمعًا لقوى استعمارية، عملت في حقب كثيرة على استنزاف ثروات دول الشرق الأوسط لصالحها سواء من خلال الاستعمار القديم بالاحتلال، أو بالاستعمار الجديد عن طريق سيطرة اللوبيهات على تلك الدول. في السياق ذاته قال الدكتور محمد ربيع الديهي خبير العلاقات الدولية، إن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن تعمل على الحفاظ على مصالحها في العالم وخاصة في المنطقة العربية، وذلك من خلال تعطيل العديد من مشروعات القرارات، وهو الأمر الذي برز في قضايا عديدة فعلى سبيل المثال عطلت الولاياتالمتحدة مشروع قرار بوقف اطلاق النار أكثر من مرة متعلق بالحرب في غزة بينما تبنت مشروعات قوانين تدين المقاومة الفلسطينية. وأضاف الديهي ل«المصري اليوم»: «كثيرًا من القرارات داخل مجلس الامن تبني بناءًا على حسابات ومصالح سياسية بالاساس، فعلى صعيد الازمة في ليبيا عرقلت روسيا مشروعات قوانين كثيرة تدين التواجد العسكري الغير مشروع من قبل بعض الدول كما عرقلت لفترات طويلة اختيار مبعوث اممي ليبيا نظرًا لان المرشحين للمنصب كانت غير متوافقين سياسيًا مع الموقف الروسي أو بمعني ادق مواليين للدول الغربية مما قد يعرقل الدور الروسي في المنطقة وفي الازمة تحديدًا ويخرج روسيا خارج المعادلة السياسية في لبيبا. وأشار إلى أن «المواقف الدولية للدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن تجاه القضايا يحكمها في الأساس المصالح السياسية للدولة وليست المصالح الدولية أو بمعنى أدق مصلحة الدولة صاحبة القضية». وقال الدكتور هاني سليمان الخبير الدولي، إن النظام العالمي يعيش حاليًا مرحلة انتقالية صعبة وحساسة للغاية، تشهد هذه المرحلة تحولات كبيرة وظهور العديد من القوى الإقليمية والدولية النافذة، لا يمكننا الحديث عن هيمنة أحادية أو ثنائية في هذه المرحلة، فالنظام العالمي يتشكل في اتجاه نظام متعدد القطبيات ولم تتضح ملامحه بعد، تتميز هذه المرحلة بنزاعات جانبية ومحاولات تشكيل تحالفات وقطبيات غير واضحة الهوية. وأضاف سليمان ل«المصري اليوم»: «من المهم جدًا أن نلاحظ أن جزءًا هامًا من هذا التطور هو تصاعد التوترات بين الغرب والشرق، والتي ظهرت بشكل واضح في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تواجه روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، ورغم أن هذا التوتر قد يكون واضحًا إلى حد كبير، إلا أنه منذ اندلاع الحرب في غزة والعدوان الإسرائيلي على غزة، نتج عن هذا التوتر أبعاد منفصلة وفرصة لروسيا لاستخدام أدواتها المختلفة لمواجهة الجانب الأمريكي ومواجهة الضغوط التي تتعرض لها». وتابع: «المواجهة بين الغرب وأمريكا وبين الصينوروسيا تحركت نحو اتجاه آخر مرتبط بمسألة فلسطين، إذ يستمر الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لإسرائيل والموقف الدولي الموالي لها، بينما تتمثل الأدوار الروسية والصينية في دعم حركة حماس أو الفصائل الفلسطينية، انطلاقًا من الضغط المفروض على الولاياتالمتحدة ومحاولة ملاحقتها في المؤسسات والمنظمات الدولية، وتكشفت هذه الديناميكية بشكل كبير في جلسة مجلس الأمن». ويري سليمان أن «الجهود الإقليمية والدولية قد فشلت في التوصل إلى حلول، في ظل هذا الاستقطاب والتصادمات والمصالح، إذ تتمسك جميع الأطراف بمطالبها وتسعى للحصول على كل شيء، إذ قدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية مشروع قانون تعكس موقفها الأحادي وتدعم إسرائيل، مع عدم التوازن فيما يتعلق بحقوق المقاومة والشعب الفلسطيني، بالمقابل، اعتمدت المبادرة الروسية نهجًا نسبيًا متوازنًا، ومع ذلك، لم يكن من المتوقع أن توافق الولاياتالمتحدةالأمريكية على هذا الاقتراح، خاصةً في ظل تمام انحيازها لإسرائيل». وأوضح: «من خلال تتبع وتحليل خطابات الولاياتالمتحدةوروسياوالصين، نجد بعض المفردات الهجومية والعدائية بين الأطراف واتهامات متبادلة، مع محاولة إدارة المشهد في الأزمة الأوكرانية على منصة مجلس الأمن، والذي يؤدي إلى زيادة التوتر والصراعات والاتهامات، ولكن وجود موازنة في مواجهة القرارات الأمريكية في مجلس الأمن يعتبر إيجابيًا، كما أن موقف الصين المناهض للاعتداءات الإسرائيلية ودعمها للشعب الفلسطيني يعد أمرًا هامًا، وعلى الجانب الآخر، فإن عدم التوصل إلى أي تسوية في الصراع الأمريكي والصيني يشير إلى فشل الجهود لذلك، من المهم أن يلجأ أحد الجانبين لاعتماد قرار وسط يحظى بقبول الأطراف المختلفة ويسهم في إنقاذ الموقف الذي يعاني من تقاعس المجتمع الدولي والإنساني».