فجّر مقال للكاتب الكبير إبراهيم سعدة، نقاشاً مهماً شاركت فيه نخبة متميزة، لم تجتمع لهذا الغرض بالطبع.. أما المقال فهو المنشور فى الأخبار بعنوان «جريمة إحسان التى لم يرتكبها».. وأما النخبة فتتكون من الدكتور يحيى الجمل، والنقيب مكرم محمد أحمد، والكاتبين سعد هجرس وفريدة الشوباشى وكاتب هذه السطور، ودار جدل كبير، طال الرئيس عبدالناصر، وإحسان وسعدة أيضاً! وكانت الكرة قد بدأت من عندى، حين سألت عما إذا كانوا قد قرأوا آخر عمود.. هزّ الأستاذ مكرم رأسه، وقالت فريدة الشوباشى فى ضيق: طبعاً، أما الدكتور الجمل فقد ترك جريدة فى يده، وأخذ «الأخبار» ليقرأ المقال كلمة كلمة، وهكذا فعل أيضاً سعد هجرس.. ورحت أنتظر ردود الفعل من جانب الجميع! يتحدث المقال عن جريمة لم يرتكبها إحسان عبدالقدوس، ومع ذلك أمضى ثلاثة أشهر فى السجن بقرار من الرئيس عبدالناصر بسبب مقال «الجمعية السرية التى تحكم مصر».. وخرج «إحسان» من السجن بعد انتهاء فترة الاعتقال متوجهاً إلى بيته.. وما كاد يدخله حتى اتصل به الرئيس شخصياً! ويحكى «إحسان» تفاصيل هذه المكالمة الغريبة فى شهادته للأستاذ مصطفى عبدالغنى مؤلف كتاب «الشهادات الأخيرة.. المثقفون وثورة يوليو»، فيقول: حين رفعت السماعة.. عرفت أن المتحدث كان جمال عبدالناصر شخصياً.. وقبل أن أردد الكلمة التقليدية «آلو» جاءنى صوته ضاحكاً: «اتربيت ولا لسه ما تربيتش يا إحسان؟!»، قال إحسان: «والله أنا مش عارف أتربى من إيه عشان أقولك».. فقال: «تعال.. افطر معايا بكرة».. لاحظ إحسان أن كلمات جديدة لم يرددها من قبل قد أقحمت على قاموسه الشخصى، مثل كلمات: «سيادتك»، و«يا أفندم»، و«يا ريس».. كما اكتشف فيما بعد أنه كلما كتب مقالاً وجاء فيه ذكر عبدالناصر، كان يحرص تلقائياً على أن يسبق اسمه بصفة «الزعيم»! وهنا لاحظ جمال عبدالناصر سرعة التغيير الذى طرأ على صديقه القديم.. فسأل إحسان: «إيه ده يا إحسان؟ هو السجن عمل فيك كده؟». فأجاب إحسان عبدالقدوس: «عمل أكتر يا سيادة الرئيس».. وكنت أثناء القراءة الجماعية لمقال سعدة، أنظر فى الوجوه، لأقرأ ملامحها مع كل حرف! وما إن فرغوا جميعاً حتى سألت الوزير الجمل عن انطباعه، فضحك ساخراً، وتوقف عند مسألة اعتقال الرئيس لصديقه.. وقال: «الكراسى تغير أصحابها».. وحكى قصة أخرى بطلها خالد محيى الدين، متعه الله بالصحة، يقول إنه ذهب فى مهمة إلى سويسرا بعد الثورة، فلما عاد وجد الدنيا قد تغيرت، وكان عبدالناصر إذا قام وقفوا، وإذا ناداه أحد قال له يا ريس! ورغم دهشتنا جميعاً، لم يعلق النقيب مكرم بكلمة، وانهمك فى قراءة الصحف، أما فريدة الشوباشى فقد اغتاظت جداً من تجدد هذا الكلام، فى ذكرى ثورة 23 يوليو.. واحمر وجهها خجلاً.. ثم قالت هذا هو إبراهيم سعدة.. ولا أظن أن «الشوباشى» قد آمنت بالرسل كما آمنت بالرئيس عبدالناصر.. سراً وعلانية! وتوقفت أنا عند فكرة تضليل الرئيس، وكيف تؤدى المعلومات الخطأ إلى جرائم.. كما قلت إن الجماعة السرية مازالت تحكم مصر.. لا شىء قد تغير.. فاتنى أن أشير إلى أن هذه النخبة تصادف تواجدها فى الغردقة، للمشاركة فى منتدى النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد.. ولو انضم إلينا الدكتور حسن نافعة، وماما نعم الباز، لطال النقاش حتى المساء!
