اتحاد كرة اليد يعلن برنامج مباريات الفراعنة الودية استعدادا لأولمبياد باريس    المشدد 5 سنوات لعامل هدد فتاة وابتزها بنشر صور مخلة لها في شبرا الخيمة    مراسل القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تواصل قصف مدينة رفح ومخيم النصيرات    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    تعاطف دولى مع فلسطين رغم فداحة الثمن    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    «المصريين»: العلاقات بين مصر وأذربيجان شهدت طفرة بعهد الرئيس السيسي    تقارير: باريس سان جيرمان يتفاوض لضم أوسيمين    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    على فرج يتأهل إلى نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    حُكم لصالح الدولة ب12 مليون جنيه من شركة دمرت الشعاب المرجانية بالغردقة    رئيس الشؤون الدينية بالحرمين: نستهدف توزيع مليون مصحف مترجم خلال موسم الحج    كلية الزراعة بجامعة القاهرة تحصل على شهادة الأيزو    اعتزال شيرين رضا .. حملة إعلانية    انطلاق فعاليات حفل توقيع ومناقشة «أنا وعمي والإيموبيليا» للروائي ناصر عراق    وزيرة الثقافة تُشارك في حلقة نقاشية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان حول    دعاء النبي في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أدعية مستجابة لمحو جميع الذنوب (الكوامل الجوامع)    الصحة: استحداث خدمات طبية جديدة بمستشفى العلمين النموذجي خلال 2024    دروس من سيرة ملك القلوب    10 أسماء.. قائمة الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    كيف تحصل على تعويض من التأمينات حال إنهاء الخدمة قبل سداد الاشتراك؟    يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    مصر تدين بأشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    المعاهد النموذجية تحصد المراكز الأولى في الابتدائية الأزهرية بالإسماعيلية    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    آخر تحديث لإيرادات فيلم السرب بالسينمات المصرية    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    قائمة أفلام عيد الأضحى 2024.. 4 أعمال تنافس في شباك التذاكر    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    «الإفتاء» توضح حكم صيام عرفة للحاج    ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟.. «الإفتاء» تجيب    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أخبار الأهلي : مفاجأة ..ميسي قد يرافق الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقع الثقافة فى الحوار الوطنى والجمهورية الجديدة
نشر في المصري اليوم يوم 26 - 07 - 2022

جاء الحوار الوطنى الذى بدأت أولى جلساته، نتيجة تحولات جذرية فى الخريطة الاجتماعية والسياسية للواقع المصرى، تختلف عما كان عليه الواقع فى جمهورية يوليو 52 بعهودها الثلاثة، وبتحدياتها التى أصبحت اليوم غير تحديات جمهورية يوليو.
كانت تحديات الجمهورية- فى مرحلتها الناصرية- تتمثل سياسيا فى القضية الفلسطينية وفى مواجهة الاستعمار وربيبته إسرائيل، وتتمثل اجتماعيا فى القضاء على النظام الطبقى الإقطاعى والرأسمالى، وفى تحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وتتمثل اقتصاديا فى إرساء بنية تحتية للتنمية والإنتاج، يتصدرها مشروع السد العالى ومشروع النهضة الزراعية والصناعية، ويتمثل ثقافيا فى نهضة تعليمية تتبنى مجانية التعليم حتى المرحلة الجامعية، وفى جعل الثقافة ضرورة حياتية للإنسان، فكانت قصور الثقافة تُبنى جنبا إلى جنب مع المدارس وكانت مؤسسات المسرح والسينما والفنون التشكيلية ومعاهد أكاديمية الفنون والمكتبات العامة تلقى نفس اهتمام بناء المستشفيات ومؤسسات الدواء ودور المحاكم وشركات التجارة والاقتصاد سواء بسواء، وكان لذلك الاهتمام بالثقافة أثره فى إحداث حراك تقافى وتنويرى لا ينكره منصف، وشاع فى المجتمع الذوق الرفيع والفكر المستنير وقيم التسامح الدينى والتآلف الاجتماعى، لكن فى المقابل أجهضت الحقبة الناصرية الحياة الديمقراطية بإلغاء الأحزاب السياسية ومصادرة حريات الرأى إلا ما يؤيد النظام الحاكم، فامتلأت السجون والمعتقلات بسجناء الرأى من اليسار واليمين، وصودرت أى معارضة للتنظيم السياسى الأوحد، فانصرف الشعب عن الاهتمام بالسياسة وعن تبنى أى فكر معارض أو مختلف عن خط الدولة، ولعل ذلك كان أول مسمار فى نعش النظام، وكانت نتيجته الطبيعية هى هزيمة يونيو 67.
وجاء نظام الرئيس السادات فمشى بممحاة على سطور إنجازات سلفه عبد الناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية وإسرائيل، أو للعلاقة مع أمريكا رأس النظام الاستعمارى والرأسمالى الدولى المعادى للاشتراكية، وبالنسبة للمسألة الاقتصادية أدار النظام الجديد ظهره للاشتراكية وتبنى سياسة السوق الحرة والانفتاح الاقتصادى، وخلق طبقة جديدة من رجال المال والأعمال تعمل فى الاقتصاد الاستهلاكى، همّها جنى الربح السريع وليس بناء اقتصاد إنتاجى، كما أدى إلى أن تلفظ الحياة الثقافية أنفاسها، ليس على مستوى إنتاج الفنون والآداب والمعرفة، بل على مستوى تنمية العقل والفكر والقيم والحوار الثقافى والمجتمعى، فى غمار اللهاث المحموم لجنى الثروة أيا كانت النتيجة، وحدث من جراء ذلك أكبر «فراغ ثقافى» شهدته الأمة طوال تاريخها، فملأته قوى الإسلام السياسى بضوء أخضر من الرئيس السادات، وبفكر مستورد جاء مع أفواج العاملين العائدين من دول النفط مشبعين بالفكر الأصولى الوهابى، وقد دفع السادات حياته فى النهاية ثمنا له، ودفعته معه البلاد كلها ولا تزال تدفعه على أيدى الإرهاب ومن ورائه من تنظيم الإخوان المسلمين وفكرهم الذى تغلغل فى عقول الشعب، فى أكبر «تحول ثقافى» حدث للمصريين منذ أقدم العصور. أما الحقبة الثالثة من جمهورية يوليو وهى عصر الرئيس مبارك، فكان أهم شعاراتها هو الاستقرار، وتلك كلمة بديلة عن كلمة الركود، والأدق هو الموات السياسى والنهضوى على مختلف الأصعدة، وفى عصور الركود تأسن مياه البحيرات وتصبح بِرَكا ومستنقعات، وتزداد الطحالب والحشرات، مهما بدا ظاهر المجتمع آمنا مطمئنا، فكان العصر بلا تيارات أو تحديات لتغيير الواقع، وهذا ضد قانون الطبيعة الذى يقوم على الحركة والتغيير، وعندما يمتد ذلك النوع من الاستقرار ثلاثين عاما فلا تجنى البلاد إلا ما أصبحت عليه يوم 25 يناير 2011.. لكن إذا كان ذلك النظام قد أُسقِط سياسيا واجتماعيا بإرادة الجماهير، فقد ظل باطن الأرض محتلا ثقافيا بعد أن استوت بذور عهد نظام السادات وشبت عيدانها فوق سطح الأرض، بل أضيف إلى ذلك «مأسسة» النفوذ السلفى الذى وجد الرعاية والحصانة حتى داخل البرلمان وخارجه، لسبب بسيط؛ أنه تجاوز صعيد السياسة إلى صعيد المساعدات الخدمية والمالية التى كان يقدمها للجماهير الفقيرة بشتى الأشكال، ومن خلال ذلك تسلل إلى عقولهم وبث أفكاره وثقافته الماضوية حتى تجذرت فى عقول الشعب وعادت به إلى عصور سحيقة من القيم والعادات والطقوس المضادة لكل قيم العقل والتنوير. هذا فى رأيى هو التحدى الأعظم الذى يواجه الجمهورية الجديدة.. ذلك لأن تغيير الثقافة والعقول أصعب ألف مرة من تغيير الخريطة السياسية، ومن تغيير البنية التحتية للاقتصاد والصناعة والزراعة، ومن بناء عشرات الطرق والكبارى والأحياء الجديدة والمدن السكنية الجديدة فلكية التكلفة، بل أصعب حتى من تغيير أساليب التعليم إلى نظام رقمى حديث ومن إرساء نظام الدولة الرقمية، طالما بقيت «المادة الفعالة» للدواء تحت هيمنة الثقافة السلفية، ليس بمفهومها الدينى فحسب، بل كذلك بمفهوم التغلغل داخل القيم والعلاقات ومناهج التعليم وغيرها وغيرها.. ومن ورائها تكمن ثقافة أخرى خلقها مناخ الركود والانسداد الديمقراطى على مدى عشرات السنين؛ وهى ثقافة التعايش مع الفساد، بعد أن أصيبت الأخلاق بالأنيميا الحادة فى ظل سنوات الركود وتحت تأثير فوضى الربيع العربى، حتى أصبح التعدى على أرض الدولة والشوارع العمومية والمرافق العامة أمرا اعتياديا، بل أصبح العدوان والتحرش والاغتصاب والسرقة، بل حتى قتل الزوجة والزوج والأبناء أمورا يومية معتادة، وأصبحنا نرى من يدافع عن مثل هذه الجرائم، ونرى قصصها فى أشكال جذابة ومغرية بالتقليد فى مسلسلات تليفزيونية.
ثروت عكاشة
وتلك هى المحنة الحقيقية للثقافة، فليست الثقافة مجرد منتجات من الفنون والآداب وأبنية لقصور الثقافة، وعروض للمسرح والسينما والموسيقى والأوبرا، بل هى قبل كل شىء قيم ومبادئ تتعلق بالنصف العلوى من جسم الإنسان، حيث يوجد عقله وقلبه وذوقه وسلوكه ومشاعره وقدرته على النقد والاختيار، فما هو موقع الثقافة بكل تنويعاتها - من منظور اللجنة العليا - على مائدة الحوار الوطنى.. هذا إذا كانت قد وُضِعت أصلا فى الحسبان، ولأننى واثق من أن أجندة الحوار تمتلئ ببنود المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وبالتالى فهناك كثيرون سيتحدثون عنها، فإننى أركز هنا على الملف المهم المسكوت عنه دائما وهو الثقافة، مما يجعل إدراجه ضمن محاور الحوار محل شك، وأرجو أن يكون شكى فى غير محله، لكن من حقنا أن نعرف من هم المدعوون للحديث عن ملف الثقافة من منظور الفكر النقدى المستقل، لا من منظور رجال المؤسسات الرسمية؟.
إن الثقافة بالمعنى الحياتى والقيمى- لا بالمعنى الترفيهى أو التزيينى للواقع- هى ضرورة وجود، مما يتطلب أن تخصص لها الدولة أضعاف ما تخصصه لها الجمهورية القديمة، لأنها عمود الأساس للبرج المأمول للجمهورية الجديدة.. تكون به.. أو لا تكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.