أزمات وخلافات «مؤسسين» تُطيح بالدورة السادسة ل«الجونة» السينمائى

فى عام 2017 تنبأ كثيرون بأن مهرجان الجونة السينمائى الدولى سيكون الأهم والأكبر فى الوطن العربى، نظرًا لما حققه من إيجابيات كبيرة كان أهمها تكريم الزعيم عادل إمام فى دورته الأولى، إضافة لتقديم جوائز مالية لم تقدم من قبل فى المهرجانات المصرية وصلت قيمتها ل200 ألف دولار وقتها، وجعلت المهرجان قِبلة السينمائيين والصناع إضافة إلى وجود الشقيقين الأشهر فى عالم رجال الأعمال سميح ونجيب ساويرس.
ومع إعلان إدارة المهرجان مؤخرًا عن تأجيل دورته السادسة المقررة فى أكتوبر المقبل، أثار ذلك الإعلان الجدل والمخاوف حول أن يلحق «الجونة» بمصير مهرجان «دبى» السينمائى الدولى الذى أعلن عن تأجيل دورته، ليتم إلغاؤه فيما بعد، ونرصد فى تلك السطور ملامح ومحطات وأزمات شهدتها الدورات الخمس الماضية لمهرجان الجونة السينمائى الدولى، فبعد بيان الوقف أو التاجيل أو أى كان موقف إدارة المهرجان، فإن الأمانى تتعلق بعودة المهرجان الكبير سريعًا من قبل محبى السينما وصناعها لأن الفرصة لم تذهب بأن يحتل هذا الوليد المقدمة فى عالم المهرجانات بعدما توقف دبى وأبو ظبى عن دوراتهما.
أعلنت إدارة مهرجان الجونة السينمائى تأجيل فعاليات الدورة السادسة من المهرجان، والتى كان من المزمع عقدها فى الفترة من 13-21 أكتوبر المقبل فى موعد يتم تحديده لاحقًا، وكشفت الإدارة، فى بيان رسمى، عن سبب التأجيل بأنه جاء لنيتها أن تكون الدورة المقبلة انعكاسًا قويًّا لرسالة مهرجان الجونة السينمائى منذ انطلاق دورته الأولى عام 2017 ليكون المنصة السينمائية الأهم إقليميًّا بل عالميًّا فى القريب العاجل، كذلك ليتم وضع قائمة متنوعة من المدعوين لضمان تبادل الخبرات بين كافة الأجيال والجنسيات المهتمة بصناعة السينما التى لطالما تصدرت مصر ساحتها عربيًّا وإقليميًّا.
وهو ما قد يتعذر تحقيقه فى ظل الظروف العالمية الراهنة وفقًا للبيان، الذى تابع: «جاء هذا القرار حرصًا وإيمانًا من إدارة مهرجان الجونة السينمائى على تعزيز الدور الحيوى الذى يلعبه مهرجان الجونة السينمائى على المستويين الفنى والسياحى محليًّا وعالميًّا، آخذًا فى الاعتبار التحديات العالمية الحالية والتى قد تعوق إضفاء الصبغة العالمية والإقليمية، والتى تسعى إدارة المهرجان لتحقيقها والتأكيد عليها منذ الدورة الأولى للمهرجان، وقد تم الوضع فى الاعتبار الظروف العالمية الحالية التى قد تحول دون خروج المهرجان بالصبغة العالمية التى تطمح اللجنة المنظمة للمهرجان لوجودها ليستكمل المهرجان دوره الحقيقى كمنصة سينمائية وفنية وثقافية مهمة.
وأوضح البيان: «سيتيح التأجيل مزيدًا من الوقت لوضع استراتيجية متكاملة للدورة السادسة ترتقى إلى التوقعات المتزايدة من المهرجان، لتسمح بالتركيز على الجانب الفنى والسينمائى فى الدورات المقبلة مع اتخاذ الخطوات الأنسب للمهرجان ليستمر فى القيام بدوره الرائد والمساهمة فى تطوير الشبكات الإقليمية والدولية الخاصة بصناعة السينما، ومن المتوقع أن تقوم اللجنة المنظمة للمهرجان بالإعلان عن الاستعدادات والمستجدات التى قد تطرأ على فعاليات الدورة السادسة من مهرجان الجونة السينمائى بشكل دورى فى الفترة المقبلة».
■ مهرجان «الجونة».. 5 دورات تحقق فيها المراد السينمائى والسياحى
بدأ المهرجان بفكرة دخلها عدد من المؤسسين منهم بشرى وأمير رمسيس، واقتنع بها المهندس نجيب ساويرس حتى دخلها شريكًا شقيقه سميح ساويرس، وأصبح هناك مكتب للمهرجان وبدأ يرى النور، وبعد 6 سنوات مرت على المهرجان قدم خلالها 5 دورات تحقق فيها المراد من دعاية قوية لمدينة الجونة، والتى تقع على مدخل الغردقة إضافة إلى تقديم «أيام سينمائية» من الدرجة الأولى بامتياز بداية من الأفلام المشاركة فى المسابقات المختلفة مرورًا بفعاليات منها «ماستر كلاس» لمخرجين عالميين وصناع سينما كبار وتكريمات كانت الأبرز فى المهرجانات المصرية والوطن العربى، وتساءل كثيرون عما وصل إليه المشروع الأول بين الشقيقين «ساويرس»، الذى بدأ منذ 6 سنوات بتصريح من رجل الأعمال سميح ساويرس فى بداية الدورة الأولى قال فيإن إقامة مهرجان فنى لم تكن تشغله إلا أن ذلك كان ضمن خطط شقيقه نحيب ساويرس، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى التى يشترك فيها مع شقيقه رجل الأعمال نجيب ساويرس فى عمل.
من جانبه، قال المهندس نجيب ساويرس إن سبب إقامة المهرجان يعود لحبه للسينما، مشيرًا إلى أن أحد أهم الأسباب وضع مدينة الجونة على الخريطة العالمية مثلما وضع مهرجان «كان» السينمائى بفرنسا مدينته على الخريطة العالمية.
وأضاف ساويرس وقتها: «متفائل بكل المشاركين فى المهرجان، وأتمنى أن يظهر المهرجان بمكانة تليق بمصر، وأنه بالفعل العمل الأول مع شقيقى سميح ساويرس».
بداية المؤشرات كانت لصناع السينما فوق الممتازة، بسبب أن 2 من أهم رجال الأعمال فى الشرق الأوسط سيدخلان مشروع تنبأ البعض بأنه سيستمر للدورة ال60 وليس السادسة، ويتوقف، ولو مؤقتًا، بعد إصدار بيان أشبه بقرب إعلان التوقف النهائى- على طريق مهرجان دبى وأبو ظبى- ما أثار التساؤلات حول إمكانية العودة أم مصير النهاية.
■ «خلافات المؤسسين» تطيح ببريق الدورة الخامسة
بدأت فى الدورة الخامسة من المهرجان حالة من الارتباك، إذ دخلت الفعاليات فى الدورة القاصمة لظهر المهرجان والتى ترأسها العراقى انتشال التميمى، فوصفها النقاد بالدورة الأضعف فى تاريخه، إذ ضربت الفوضى إدارة مهرجان الجونة، بعدما أعلن المخرج أمير رمسيس استقالته من منصب المدير الفنى للمهرجان، خلال فعاليات الدورة الخامسة بشكل مفاجئ على خلفية مشاحنات وخلافات فى الرأى مع رئيس المهرجان انتشال التميمى.
أزمة المدير الفنى مع رئيس المهرجان لم تتم بشكل بسيط بل تعقدت بعدما أعلن رمسيس تقديم استقالته عبر بريد إلكترونى لإدارة المهرجان، وأعلن انسحابه رسميًا من منصبه، وقرر المكوث فى غرفته داخل الفندق بعيدًا عن عيون الإعلام والصحافة، ورفض التعليق على الأمر، فى حين قال وقتها انتشال التميمى إنه لا يعلم أى شىء عنها، بل أكد أن أمير رمسيس يمارس عمله بشكل طبيعى، وأنه جارٍ حل الخلافات الموجودة فى أسرع وقت ممكن إذا كانت موجودة، حسب وصفه آنذاك.
■ فيلم «ريش» وأزمة الإساءة لمصر
تصدرت بعد عرض فيلم «ريش» حملات كثيرة لوقف المهرجان، خلال الدورة الخامسة، بعد اتهام للإدارة الفنية للمهرجان بعرض عمل يسىء لسمعة مصر بما يحمله من أحداث جعل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى وقتها يدشنون حملات مقاطعة ضد مهرجان الجونة السينمائى وإدارته وضد صناع الفيلم بعدما ظهر شريف منير وإلهام شاهين وأحمد رزق يهاجمون العمل وانسحبوا خلال عرضه بالمهرجان.
واتهم رواد السوشيال ميديا إدارة المهرجان بتعمد الإساءة إلى مصر بعرض أفلام لا تتحدث عن الواقع المصرى الموجود، بالإضافة إلى اجتزاء الفن المصرى والسينما المصرية فى «ريد كاربت» لعرض فساتين النجمات وإطلالاتهن التى لا تناسب قيمة وجوهر الفن المصرى، وظهور نجوم تريد الشهرة الزائفة من أجل التواجد وتصدر التريند فقط.
أزمة فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيرى تعتبر من الأزمات التى أحدثت انقسامات داخل المهرجان وبين مؤسسيه، باعتبار الفيلم لا يتحدث عن الواقع الذى يعيشه المصريون فى الوقت الحالى، وفى النهاية تم إعلان فوز مخرج الفيلم بجائزة «فارايتى» لأفضل موهبة سينمائية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2021، وذلك ضمن الفعاليات الرسمية للمهرجان، ولم تتوقف أحداث المهرجان عند ذلك بل كان هناك الحدث الأصعب على المهرجان الوليد وهو وفاة الصحفية الشابة هند موسى، والذى جاء وسط اتهامات بعدم توفير النفقات من قبل إدارة المهرجان بعدما قرروا إرسال الصحفيين بعد الدورة الثانية بسيارات لإحدى شركات التطبيقات الشهيرة، ليكون قدرها الموت على طريق الزعفرانة السخنة.
■ هل حاد المهرجان عن «طريق بشرى»؟
قالت الفنانة بشرى أحد أعضاء اللجنة الاستشارية للمهرجان فى تصريح سابق اعتبره البعض الأجرأ والأقوى عندما أعلنت عن المهرجان، إن المهرجان «جاء بعد أحلام، لنثبت للعالم أن مصر لديها الريادة الفنية والسينمائية»، مشيرة إلى أن مصر استطاعت فرض شخصيتها وفنها على العالم العربى كله.
وتابعت: «المهرجان لن يكون مجرد حدث فنى عابر يحشد فنانين وإعلاميين على السجادة الحمراء أو مجرد (سبوبة)، بل لدينا حدث أهم وأقوى، وهى السينما وتأثيرها وهو ما جعلنا نختار أسماء براقة من اللجنة الاستشارية وأعضاء لجان التحكيم، والهدف الأفضل هو رسالة للعالم بأن الشباب المصرى يستطيع أن ينظم مهرجانًا أكثر احترافًا».
وبعد جملة من التصريحات سواء لها أو للشقيقين ساويرس تساءل البعض «هل حاد المهرجان عن الطريق المرسوم له وغلبت الخلافات مؤسسيه؟»، وكان منها أيضًا خلاف «يسرا» مع مدير المهرجان انتشال التميمى.
■ انتفاضة سينمائية ضد التطبيع
فى أعقاب إعلان المهرجان عن تكريم المخرج والممثل الفرنسى جيرار ديبارديو أطلق عدد كبير من السينمائيين المصريين والعرب رفضهم تكريم مهرجان مصرى، ووقع أكثر من 300 فنان على عريضة برفض تكريم واستضافة محب إسرائيل وداعمها جيرار ديبارديو وجاء بيان الموقعين كالآتى: «السادة شعب مصر.. السادة فنانى ومثقفى ومواطنى الأمة العربية، بعد أن حاول أعوان الكيان الصهيونى منذ سنوات تكريم المخرج الفرنسى كلود ليلوش العاشق للكيان الصهيونى فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.
وتصدى السينمائيون المصريون ومثقفو ومواطنو مصر لهذا التكريم وتم إلغاؤه، اليوم يتم الإصرار مرة أخرى على التطبيع من خلال مهرجان الجونة السينمائى الذى سبق أن كرّم المخرج اللبنانى المطبع زياد دويرى فى دورة سابقة، ثم فى الدورة القادمة للمهرجان، سيقوم بتكريم الممثل الفرنسى العاشق للكيان الصهيونى جيرارد ديبارديو، وذلك يُعد خرقًا لما أجمعت عليه الجمعية العمومية لاتحاد النقابات الفنية وغالبية فنانى مصر من رفض كل أشكال التطبيع، فضلًا عن أن هذا الممثل متهم فى قضية اغتصاب فى فرنسا مازالت قيد التحقيق».
وتابع «البيان»: «لذلك نعلن شديد رفضنا لهذا التكريم كمواطنين مصريين ونرفض كافة الأشكال التطبيع حتى تتحرر أراضينا العربية. إن فنانى مصر وكل مبدعيها يعلنون رفضهم ما ستقوم به إدارة مهرجان الجونة السينمائى حال تكريمها هذا الممثل، ويطالبون إدارة المهرجان بإلغاء هذا التكريم الذى يهين قيم الإنسانية والكرامة».
إلا أن إدارة المهرجان انتصرت لموقفها وقررت الاستمرار فى تكريم «ديبارديو»، ولم تلتفت لأى من البيانات أو التوقيعات.