أعمال التطوير اقتربت من الانتهاء.. «استراحة ديليسبس» شاهد على حفر قناة السويس الأم

تُعتبر استراحة ديليسبس بمحافظة الإسماعيلية واحدًا من أهم وأعرق المبانى الأثرية على مستوى محافظات القناة، وشاهدًا على أهم فترة مرت فى تاريخ الإسماعيلية، وهى فترة حفر قناة السويس الأم فى عهد الخديو إسماعيل، على يد فرديناند ديليسبس، الذى وُلد بفرنسا فى 1805، وهو من أسرة لها تاريخ عريق فى السلك الدبلوماسى الفرنسى، وعُين قنصلًا عامًا لفرنسا، ما مكّنه من معرفة مصر والتآلف مع أهلها وعاداتهم وتقاليدهم.
أعمال تطوير الاستراحة اقتربت على الانتهاء استعدادًا لافتتاحها قريبًا بجانب متحف قناة السويس العالمى، «المصرى اليوم» رصدت الاستراحة بعد تطويرها نت الداخل والخارج.
الجزء المسجل بالاستراحة يتكون من مساحة مستطيلة، مكونة من طابقين أرضى وأول، ويجاور الجزء المسجل وملاصق له مبنى آخر أحدث ولكنه على الطراز نفسه، وبداخل الحديقة الواسعة بناء آخر كبير أكثر حداثة، ويحيط بهذه المبانى سور حديدى، تتخلله أعمدة فى الواجهة الجنوبية الغربية وجدار مصمت فى الواجهة الشمالية الشرقية وسور يعلوه سياج حديدى تتخلله أعمدة فى الجهة الجنوبية الغربية.
وبُنيت الاستراحة من الحجر الجيرى- الدبش- أما الدور العلوى فمعظمه من الخشب فى الأسقف والأرضيات والحوائط والكمرات التى تحمل السقف، وتتكون من الداخل من صالة الاستقبال، وهى حجرة مربعة الشكل ولها 6 أبواب، 2 منهما يطلان على الواجهة الجنوبية الشرقية، و2 يفتحان على الحديقة الخلفية، أما الخامس والسادس فأحدهما يؤدى إلى غرفة المقتنيات، والآخر إلى المدخل الرئيسى، وبابان صغيران فى نهاية ردهة المدخل.
الطابق العلوى نصعد إليه بسلم خشبى ذى درابزين خشبى، ويؤدى السلم إلى مساحة مستطيلة على يمينها باب يفتح على السقيفة العلوية وباب يفتح على شرفة صغيرة يعلوها سقف جمالونى، وإلى اليسار توجد طرقة تؤدى إلى غرف النوم، ولهذه الطرقة ثلاثة شبابيك فى الناحيتين الشمالية والشرقية، ويتكون الطابق العلوى من 3 حجرات، يتم الدخول إلى كل حجرة من خلال الحجرة المجاورة لها.
المهندس محمد عبدالعظيم، رئيس لجنة المتحف والعرض المتحفى بالمتحف العالمى لهيئة قناة السويس، مدير إدارة الأشغال بالهيئة، قال إن أعمال التطوير الجارية فى فيلا ديليسبس تتضمن أعمال ترميم وإعادة تأهيل، بهدف تحويلها إلى «بوتيك أوتيل»، بخلاف أعمال الترميم المزمعة بمقر شاليه ديليسبس.
وأوضح أن الاستراحة تتضمن بعض المقتنيات الشخصية الخاصة ب«ديليسبس»، حيث تم تسجيل 91 قطعة أثرية تشتمل على أعمال خزف، والشطرنج الخاص ب«ديليسبس»، وبعض الصور والبراويز القديمة، والمكتبة الخاصة به، وكتاب الإنجيل الذى كان يطالعه، وسريره الشخصى، ومائدة وأدوات الطعام التى اعتاد استخدامها، وغير ذلك من المقتنيات.
وأشار إلى أنه من المقرر أن تكون تلك المقتنيات متاحة للزيارة للأفواج السياحية التى ستقيم بالفندق المزمع إقامته، بما يضمن لهم تجربة متكاملة ومتميزة بمعايشة ذات الأجواء التى عايشها «ديليسبس»، حتى إن بعض غرف الفندق ستكون ذات طابع «ملكى عتيق». وسيلتزم العاملون فى الفندق بارتداء أزياء الحقبة التاريخية نفسها.
وأضاف أن القائمين على أعمال التطوير، التى تتم بالتعاون مع «جمعية أصدقاء ديليسبس» و«المعهد العربى» بباريس، توصلوا إلى عينات من ورق الحائط والستائر التى كانت مستخدمة فى مقر «شاليه» ديليسبس، بما يضمن عودة صورة وعناصر المكان إلى سابق عهده، وأن الموقع سيشهد إضافة بعض التعديلات البسيطة التى تتناسب مع متطلبات التكنولوجيا الحديثة، مؤكدًا أن عملية تطوير «الاستراحة» وتحويلها إلى فندق تتم تحت إشراف وزارة الآثار.
ووفقًا لهيئة قناة السويس، فإن استراحة ديليسبس تُعد تحفة معمارية ذات طراز معمارى فرنسى فريد، مازالت تحتفظ بالكثير من ملامحها الأولى.
وتوضح المصادر قصة قيام هذه الاستراحة، فمع البدء الفعلى فى عمليات حفر قناة السويس فى منتصف القرن التاسع عشر، كان حتميًا أن يعد الدبلوماسى الفرنسى ديليسبس مكانًا يصلح للسكن والمعيشة فى نطاق منطقة الحفر، وذلك لمتابعة عملية الحفر التى دامت 10 أعوام عن كثب.
وشرع ديليسبس فى إقامة هذه الاستراحة عام 1862، محاولًا أن ينقل إلى استراحته كل وسائل المعيشة والترفيه الممكنة، وتُعد الاستراحة من أولى المقار السكنية التى تم تشييدها فى الإسماعيلية.
المبنى الإدارى للشركة العالمية لقناة السويس بمدينة الإسماعيلية دليل على الإتقان المعمارى الفائق، فقد شيده الفرنسيون بقرار من الدبلوماسى الشهيرديليسبس، وتحت قيادة مدير المشروع المهندس «Gammes Bouchet» فى عام 1862، فيما حرص الخديو إسماعيل على افتتاح المبنى رسميًا بشخصه، فى عام 1869، منذ أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان.
وكان المبنى شاهدًا على لحظات وساعات وسنوات من التحدى والصمود لعقول مخططة ومنفذة لمشروع قناة السويس، فكان من أولى المبانى التى شيدتها إدارة قناة السويس أثناء حفر المشروع ليكون نقطة ارتكاز رئيسية لإدارة المشروع، كما شهد المبنى ذاته العديد من التوسعات فى أعوام 1906 و1911 و1920 و1924 و1946، إلى أن شهد عملية التأميم عام 1956، حيث شهدت مكاتب المبنى الشرارة الأولى لملحمة التأميم.
ويُعتبر المبنى التاريخى، الذى يضم استراحة ديليسبس، تحفة فنية معمارية بما يجسده من تصميم رائع، فهو يجمع فى تصميمه ما بين الطابعين العربى الإسلامى والأوروبى، حيث يتكون من مساحة مستطيلة يتوسطها فناء كبير يفتح عليه وحدات المبنى، التى تتكون من أكثر من مائة حجرة، كما توجد ممرات وسراديب يؤدى بعضها إلى استراحة ديليسبس، وتبلغ مساحة المبنى 10 آلاف متر، وبه بدروم مساحته 1200 متر والمساحة المستخدمة 5500 متر، والباقى حدائق وممرات.
ومن منطلق حرص إدارة قناة السويس على تخليد وإحياء تاريخ الهيئة بكل تفاصيلها ومراحلها الزمنية، جاء القرار بتحويل هذا المبنى التاريخى العتيق إلى متحف عالمى للهيئة يضم مقتنيات تاريخية لمراحل مهمة فى مسار الهيئة منذ إنشائها حتى الآن.
وبحسب تصريحات الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، يتضمن المتحف جدارية تذكارية تحكى تاريخ قناة السويس.
وقال ياسر محسوب، مدير بشركة «المقاولون العرب»، إن المشروع عبارة عن أعمال إنشائية وترميم أول مبنى إدارى لقناة السويس وإعادته إلى سالف عهده إبان الافتتاح التاريخى لقناة السويس عام 1869 وتأهيله ليكون متحفًا عالميًا يحكى تاريخ قناة السويس منذ نشأتها حتى افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى لقناة السويس الجديدة، كما يشمل المشروع أيضًا إدراج استراحة ديليسبس داخل المتحف، كما يتضمن أيضًا عمل جدارية تذكارية تحكى تاريخ قناة السويس.
وأضاف أن المتحف يشغل مساحة 10 آلاف متر مسطح، تمثل مساحة المبانى المشغولة منها 5500 متر مسطح وبدروم بمساحة 1200 متر مسطح، كما يشمل المشروع شبكة أنفاق داخلية ممتدة خارج نطاق المتحف، موضحًا أن العمل بدأ بترميم الأعمال الخشبية بالكشف عن اللون الأصلى للأخشاب ودهانات الحوائط التى أُنشئ بها المبنى وإعادتها إلى أصلها وإزالة قواطيع الأخشاب المستحدثة.
يُذكر أن المبنى يضم 99 قاعة و114 بابًا و175 نافذة و303 أعمدة خشبية، بقيمة مبدئية للمشروع 200 مليون جنيه.
ووفقًا لتصريحات «ربيع»، فإن المتحف سيضم مقتنيات نادرة، حيث سيوضع به ماكيت حقيقى لحفل افتتاح قناة السويس يعود عمره إلى نحو 150 عامًا، حيث أهدت فرنسا الماكيت إلى مصر، وسيضم المتحف مكتب ديليسبس، والأدوات التى كان يستخدمها، وبعض كتبه، معقبًا: «بنحكى تاريخ شعب، وقناة السويس محفورة فى وجداننا كلنا».
وكان الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة السابق، التقى مع أعضاء لجنة الخبراء الفرنسيين الخاصة بمشروع متحف قناة السويس بالإسماعيلية، لبحث مشروع إعادة ترميم منزل ديليسبس وتحويله إلى متحف ومركز عالمى لقناة السويس.