تعامد الشمس على الكرنك

تعد معابد الكرنك من أهم الأماكن الأثرية فى العالم كله. وتماثل معابد الكرنك الفاتيكان فى مصر القديمة؛ إذ كانت المنطقة منطقة المجمع المقدس لأشهر المعبودات فى مصر القديمة، والتى ترجع أصولها إلى عصر الدولة الوسطى منذ حوالى عام 2000 قبل ميلاد السيد المسيح، عليه السلام. واستمر البناء والتشييد بها على أيدى حكام مصر وملوكها من المصريين والأجانب إلى نهاية العصور اليونانية الرومانية، تقديرًا وتقديسًا واحترامًا لثالوث آلهة المدينة المقدسة: الإله آمون رع رب الأرباب، وزوجته الربة موت، وابنهما إله القمر الرب خونسو، فضلاً عن بناء بعض المعابد والمقاصير لبعض الآلهة والمعبودات الأخرى المهمة فى محيط معابد الكرنك، الذى زادت مساحته عن مائتى فدان فى قلب مدينة الأقصر، المدينة الأثرية العالمية العريقة.
شهدت معابد الكرنك صباح الثلاثاء 21 ديسمبر احتفالية تعامد الشمس على المحور الرئيس لمعابد الكرنك، وهى الظاهرة التى تحدث فى يوم 21 ديسمبر من كل عام، والذى يوافق رسميًا بداية فصل الشتاء. وتكشف هذه الظاهرة تميز المصرى القديم وبراعته فى ربط علوم الفلك والهندسة المعمارية معًا، وحرصه على ذلك طوال 2000 عام. وهى المدة التى استغرقها بناء معابد الكرنك؛ حيث تشرق الشمس أعلى مقصورة الزورق المقدس ل«آمون رع»، والتى شيدها الملك فيليب أرهيدايوس، شقيق الإسكندر الأكبر. تتعامد الشمس على محور الكرنك الرئيس الممتد من الشرق للغرب، وتخترق مداخل الصروح من السادس إلى الأول، وكذلك قاعة الأساطين الكبرى حتى يراها الزائر عند ميناء الكرنك أمام واجهة المعبد الرئيسة. وشهدت الفعالية إقبالاً كبيرًا من الزوار المصريين والأجانب، الذين حرصوا على الحضور لمشاهدة الظاهرة.
تتكرر تلك الظاهرة الفلكية كل عام. وتتعامد الشمس على معابد الكرنك الشهيرة من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة صباحًا. وتعتبر من أحد أهم الأحداث الفلكية فى مصر والعالم أجمع، والذى من خلاله يتعامد قرص الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعبد آمون رع بالكرنك، إعلانًا بالانتقال الشتوى رسميًا؛ إذ يعد معبد آمون رع أحد أكبر معابد الكرنك، أقامه المهندسون المصريون القدماء بمشهد بديع وسحر خاص على محور شمسى، والذى يتوافق مع الانتقال الشتوية، مما يعتبر إبداعًا فلكيًا هندسيًا معماريًا تاريخيًا على أرض الأقصر العظيمة.
تتميز تلك الظاهرة بأنها تحدث فى يوم الانقلاب الشتوى فى معابد الكرنك. ويقوم عادة خلالها الزوار من السائحين بالاستمتاع برؤية قرص الشمس وأشعتها التى تنتشر فى جميع أرجاء المعبد، ورؤية قرص الشمس، وهو يتوسط البوابة الشرقية، والتى تقع على المحور الرئيس له، والذى يمثل أقصى الجنوب الشرقى للأفق الذى تشرق منه الشمس، والذى يحدد فلكيًا بيوم الانقلاب الشتوى. وعقب ذلك تكون الشمس عمودية على الأماكن المقدسة بالكرنك «الفناء المفتوح، صالة الأعمدة، وقدس أقداس الإله آمون»، وتنتشر بداخلها عند منتصف النهار. إنها ظاهرة فلكية عظيمة توضح وتؤكد على عبقرية المصرى القديم فى فنون وعلوم الهندسة والعمارة والفلك.
مصر هى التى علمت العالم أصول كل شىء.
* مدير متحف الآثار- مكتبة الإسكندرية
hussein.bassir@bibalex.org