مطالب بإنشاء «مراكز إيواء» لاستقبال نصف مليون مريض ب«الفصام»

أشخاص نصادفهم يوميًّا فى طريقنا، بملابس مهلهلة، سواء رجلًا أو امرأة، هذا المشهد قد يكون مألوفًا للبعض، ولكن ما يثير الانتباه، كثرة السباب الذى يتلفظون به، وما يدعو للاستغراب، كيف يتذكرون تلك الأحداث أو الأشخاص الذين يتحدثون عنهم، وكيف يجيدون إعادة النص ويكررونه بنفس الكلمات والصياغة والترتيب، بطريقة لافتة للنظر.
ولتفسير تلك الظاهرة وشرح أبعادها من الجانب النفسى، يقول الدكتور طاهر شلتوت، أستاذ الطب النفسى بجامعة 6 أكتوبر، إن المرض العقلى لا يصيب كل وظائف الدماغ، وإن مثل هؤلاء الأشخاص ينقسمون إلى صنفين، صنف منهم يعانى من الأمراض العقلية، ك«الفصام المزمن أو الهوس» أو «اضطراب الضلالات»، حيث ينفصل فيها الإنسان عن واقع الحياة، ويكوِّن لنفسه واقعًا خاصًّا بناء على الأفكار الخاطئة، التى يعتقدها كل شخص منهم؛ فمنهم على سبيل المثال، من يعتقد أن هناك من يتجسس عليه أو يتتبعه، أو يتآمر ضده، بغرض الإيذاء، أو غير ذلك من الأفكار السلبية التى تعرف فى الطب النفسى ب«الضلالات».
ويضيف «شتلوت»: «الضلالات هى أفكار راسخة وخاطئة يعتقد فيها الإنسان ولا يمكن تعديلها بالمنطق أو المناقشة، ثم يبنى عليها سلوكياته فيما بعد أو الهلاوس سواء كانت سمعية أو بصرية، فهؤلاء المرضى يتعاملون معها، كأنها مؤثرات حقيقية، رغم عدم وجود أى منها فى هذا الوقت، لكنه يسمع أصواتًا تتحدث إليه.
كما نسمع نحن أصواتًا حقيقية بالضبط، ويرى أشياء أو أشخاصًا أمام عينيه، دون وجودهم بشكل حقيقى، ولكنهم يتعاملون مع هذه الأحاسيس بشكل حقيقى، وطبيعى، ولهذا نراهم فى حالة من الانفعال والسباب أو يتكلمون كأنما يخاطبون أشخاصًا حقيقيين»، لافتًا إلى أن ردود الأفعال سواء الكلام أو التصرفات قد تكون مرتبطة بأحداث مرّوا بها أو أفكار أو ثقافات يعتقدون فيها، فمثلًا من يعتقد فى السحر والجن والشعوذة يتكلم فى هذا الموضوع ويتعامل وكأن هناك جنًّا يتتبعه، ومن يهتم بالأمور السياسية والاجتماعية نراه يتحدث فى هذا الأمر، أو يعتقد أن هناك مؤامرة تحاك ضده.
ويوضح «شلتوت» أن الأمراض العقلية لا تفسد النشاطات الذهنية كافة؛ فالمريض العقلى تطرأ عليه أفكار سليمة فى نواح مختلفة، لكن فى بعض الأوقات يخرج عن التفكير المعتدل، ولهذا لا يستطيع البعض أن يميزهم، إلّا حينما يصل إلى الحالة المزمنة، ويصل إليها عندما لا يكون لديه شبكة اجتماعية تسانده (أهل يتحملونه، أو أصدقاء يتعاملون معه ويساندونه). فنرى البعض ينفصل عن الواقع ويهيم على وجهه، كما نرى البعض فى الشارع أو الأماكن المهجورة.
ويتابع «شتلوت»: «المكان الأمثل لهؤلاء المرضى أن يكونوا داخل شبكة تساندهم أو تدعمهم سواء كانت طبيعية كالأهل أو الأصدقاء، وإن لم تتوفر فالأمثل هو بيوت الإيواء كما يحدث فى كل العالم، وتلك البيوت تستطيع تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية المبسطة، أمّا فى حال عدم التحسن، وازدياد الحالة سوءًا، فالأمثل هو إيداعهم المصحات النفسية، لدعمهم وحجب إيذائهم عن الآخرين، أو إيذاء الآخرين لهم فى نفس الوقت، وللأسف الشديد عدد الأسرّة المخصصة للطب النفسى سواء فى الجهات الحكومية أو الخاصة لا يكفى إطلاقًا لهذه الأعداد. فالفصام يحدث بمعدل 1% من سكان العالم، ويقترح «شتلوت» إنشاء وتوفير ما يعرف بمراكز الإيواء لهؤلاء المرضى، لأن تكلفة المستشفيات عالية جدًّا، حيث سيؤدى ذلك لتحسن ملحوظ فى حالتهم.