محافظ الغربية يتفقد أعمال تجميل الكورنيش والحدائق ومحيط الكنائس بطنطا    أبرز تصريحات وزير المالية بعد رفع وكالة فيتش نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    ماذا يعني رفع تصنيف مصر الائتماني للاقتصاد المحلي؟.. خبير يوضح (فيديو)    هل يستعد الغرب لصدام مع روسيا؟.. باحث سياسى يُجيب    أمريكا والسفاح !    السفير الفلسطيني بتونس: دولتنا عنوان الحق والصمود في العالم    "حريات الصحفيين" تثمّن تكريم "اليونسكو" للزملاء الفلسطينيين.. وتدين انحياز تصنيف "مراسلون بلا حدود" للكيان الصهيوني    ريال مدريد يهزم قادش بثلاثية وينتظر هدية برشلونة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    أمن القليوبية يرفع درجات الاستعداد لتأمين احتفاليات عيد القيامة المجيد وشم النسيم    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    التجهيزات النهائية لحفل بهاء سلطان وتامر عاشور في الكويت | صور    صالون الأوبرا الثقافي يحتفل بيوم حرية الصحافة بمشاركة النقيب    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    طريقة تلوين بيض شم النسيم 2024.. موعد الاحتفال وتاريخ الإجازة الرسمية 2024    رفع درجة الاستعداد القصوى في مستشفيات الشرقية تزامنا مع اقتراب أعياد الربيع    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    طلب برلماني بتشكيل لجنة وزارية لحل مشكلات العاملين بالدولة والقطاع الخاص -تفاصيل    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    أحدث 30 صورة جوية من مشروع القطار السريع - محطات ومسار    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    بطلها صلاح و«العميد».. مفاجأة بشأن معسكر منتخب مصر المقبل    كشف ملابسات فيديو التعدى بالضرب على "قطة".. وضبط مرتكب الواقعة    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    محافظ الوادي الجديد يقدم التهنئة للأقباط بكنيسة السيدة العذراء بالخارجة    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    للتهنئة بعيد القيامة.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: الأديان السماوية تدعو إلى الرحمة    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    حملات لرفع الإشغالات وتكثيف صيانة المزروعات بالشروق    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تامر محسن: كل قضية في «لعبة نيوتن» تصلح لأن تكون مسلسًلا (حوار)
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 05 - 2021

المتابع لأعماله من البداية سوف يرصد شغفه الشديد بمسألة الصدام بين العوالم، منذ أن قدم أولى تجاربه مع الراحل الكبير وحيد حامد «قط وفار» و«بدون ذكر أسماء»، وتجليات العوالم المختلفة تشغله.. وحين بدأ يشتغل بقلمه كتابة وتأليفا، بدا واضحا جدا في «هذا المساء» فكرة الصدام العنيف، ثم أخذت المسألة خطوة أوسع في «لعبة نيوتن» هذا العام، لقد بدأت دائرة صدام العوالم من خلال أشخاص، ثم طبقات اجتماعية، وأخيرًا على مستوى الحضارات، ويكفى مشهد المحاكمة الذي تلقى فيه شخصية «هنا» مرافعتها حول الاختلاف بين تصورها علاقتها بابنها في مصر وعلاقتها به في أمريكا، كدليل على اتساع شغف الصدامية وطموحه.. مع المخرج تامر محسن صاحب «لعبة نيوتن» هذا العام كان لنا هذا اللقاء:
■ متى بدأت اللعبة في التشكل دراميًا؟
- أتصور أن الأمر كله بدأ منذ أن حكت لى إحدى الصديقات عن اللحظة الخاصة بانهيار الأم في المستشفى- والتى أصبحت «هنا» فيما بعد- وعن الوحدة التي أصابتها والانهيار الذي حدث لها ومدى خطورة اللحظة ككل، والتى لم ينقذها منها سوى أن صديقة لها جاءتها مسرعة وحذرتها من أن تصرفاتها ستؤدى بهم إلى أن يتصوروا- في أمريكا- أنها تشكل خطرا على وليدها، وأنهم يجب أن يتدخلوا من أجل أن يحموه منها!. لقد توقفت أمام هذه اللحظة كثيرا لأنها أبعد ما يكون عن ثقافتنا.. نحن نتربى على أن أكبر سلطة على الطفل تأتى من أمه، وأن أحدا لا يمكن أن يتدخل بينهما.. ولكن فكرة مرعبة في أن يصبح هناك من لديه سلطة أكبر على الطفل بمجرد أنه أصبح أمريكى الجنسية!. لقد كانت مرعبة ومدهشة بالنسبة لى في ذلك الوقت، ربما كان هذا بين عامى 2014- 2015، كنت متأثرا جدا بها وفكرت أن أصوغها بأكثر من شكل، ولكنى اضطررت إلى تأجيلها لدواعى الإنتاج بالطبع، ولكن ظل هاجس اللحظة- التي انهارت فيها الأم- يطاردنى، وانضم إليه هاجس آخر عن فكرة تدور حول طفل لديه 4 سنوات تقريبا لديه أم مثل «هنا» وأب مثل «مؤنس»، وخلال السنوات الأولى من عمره عاش مع أمه، ثم انتقل فجأة للعيش مع الأب في عالم وبيئة مختلفين تماما.. دعنى أقل لك إن الأب تزوج من «أمينة» على سبيل المثال، وسافر معها إلى فرنسا، وبينما لم يكن الولد يدرى شيئا عن وجود عالم آخر، وكان يحب عالمه، فجأة انفتحت أمامه نوافذ على عوالم مختلفة كلية، بعد أن كان في بيئة متزمتة تشبه إلى حد كبير بيت «مؤنس» في «لعبة نيوتن». الخلاصة أن كل الهواجس والأفكار كانت تتداخل في رأسى لسنوات قبل أن تبدأ في التماهى سويا والاكتمال ببعضها تدريجيا، أنا لا أحب الشرح ولكن دعنى أصارحك بهمّى الخاص فيما يتعلق بمواقفنا في الحياة واختياراتنا التي قد تبدو وليدة اللحظة أو عفوية، ولكنها في الأساس لو تأملناها فسوف نجدها تختصر تاريخنا بالكامل، ومن هنا يمكن أن ننظر إلى «لعبة نيوتن» على أنه ليس مجرد مسلسل عن الأفعال وردود الأفعال، ولكن عن تاريخ الشخص وماضيه وتأثيره في لحظة ما تافهة أو مصيرية على قراراته وعلاقته بالآخرين.
■ لدى إحساس وأنا متابع لأعمالك منذ البداية أنك شغوف جدا بفكرة صدام العوالم.
- لديك كل الحق، ربما لسببين: الأول أننى أرى أن إحدى سماتنا الثقافية خاصة في التذوق الفنى هي أننا مولعون بالتضاد العنيف، انظر إلى المسلسل نفسه وكيف انقسمت الآراء حوله ما بين محب بتطرف ورافض بقسوة، لقد صاغ الجمهور تحزبات ضد كل من يملك رأيا آخر مخالفا له، حتى على مستوى الأفكار التي ظهرت خلال الأحداث مثل الاغتصاب الزوجى على سبيل المثال، لقد انقسم الجمهور بشكل عنيف حول وجوده من عدمه، وكالوا السباب لبعضهم.. هنا يأتى السبب الثاني؛ كيف لى كفنان لديه هَمّ اجتماعى أن أدعى التعبير عن فكرة أصيلة وسط هذا الانقسام الرهيب بين العوالم المتصادمة، يمكن أن تقول إننى مؤمن جدا بمبدأ أن التضاد يبرز المعنى، من هنا ربما كان ولعى الذي رصدته أنت فيما يخص فكرة صدام العوالم وخروج أشخاص من حيز بيئى إلى آخر بشكل قوى وقاس ومستفز.
■ هل تعتبر أن حدودك كمؤلف هي صياغة القصة بشكل مبدئى.. لكن على مستوى السيناريو فإن ما شاهدناه هو شغل الورشة؟
- لا! لأننى أتعامل مع نفسى كفنان صورة وليس كروائى، أنا لست مهموما فقط بما أحكى، ولكن كيف سأحكيه، منذ اللحظة الأولى فإن اختياراتى هي التي حددت زاوية السرد وشكله، لقد صارحت الورشة من البداية بأننا سننطلق في الحكى من «توافه الأمور» من أبسط التفاصيل والجمل والمواقف، وسنحكى حكاية هؤلاء الأشخاص بهذا الشكل السردى المعقد القائم على تفتيت الزمن فيما يشبه البازل الذي يجبر المتفرج على إعادة ترتيبه مرة أخرى خلال المشاهدة، ومن الممكن أيضا أن تكون لى تعديلات على بعض جمل الحوار، ولكن بالتدريج تصبح الورشة أكثر تورطا منى في الكتابة، خاصة مع بداية مرحلة الإخراج، تماما مثل الممثل الذي يصبح هو أيضا أوعى بالشخصية، لأنها شغله الشاغل طوال الوقت.. أريد أن أؤكد أن كل ما شاهده الجمهور على الشاشة هو مسؤوليتى الكاملة، وفخور بما أنجزته.
■ ألم يكن لديك تخوف من فكرة تفتيت الزمن بهذا الشكل؟
- الخوف موجود طوال الوقت، ولكننى اكتشفت أنه من الأمور الممتعة في هذه المهنة، أحب الخوف النابع من المغامرة الفنية، والمغامرة تعنى أن تقاطع ما قد يضمن رضا الناس عن مسلسلك لصالح أن تُحدث تأثيرا، التأثير هو ما يعنينى، لا أريد أن أحقق لأحد حلمه على الشاشة، أنا لا أريدك كمتفرج أن تجد الشخصية التي تتماهى معها وتعتبرها سفيرك في الأحداث وتطمئن لها وعليها، لا أريدك أن تؤمن أن هناك عدالة على الأرض ولهذا لن أحققها لك على الشاشة كى تستريح وتظل في ركودك النفسى والذهنى، أريد أن أجعلك تواجه أفكارا قاسية ومسببة للضيق، وبأسلوب يجبرك على المتابعة وشحذ الدماغ، إن متعة العمل الفنى هي أن لدينا مساحة للتجريب طوال الوقت. إن أكثر ما يفسد الفن في رأيى هو تلك الآراء التي تخرج من مكاتب الإنتاج بدعوى أن الناس لن تفهم ولن تستوعب، هذه الفكرة كفيلة بأن تجعلنى أتوقف عن العمل.. ما الفن إذا لم تكن لدينا حرية أن نجرب أشياء جديدة وننجح أو نخسر دون أن نجعل النجاح يغوينا أو الخسارة تحبطنا!.
■ مع الحلقات العشر الأولى كان الجمهور مستمتعا بالحكاية وتطورها وتصاعد ردود الأفعال والمفاجآت والقلق، ولكن حين بدأنا نتوغل أكثر في القصة، بدأت الناس تطرح تساؤلات حول موضوعات بعينها: الطلاق الشفوى، الاغتصاب الزوجى وغيرهما حين بدأت تشتغل على المسلسل.. ماذا كان أكثر ما يشغل تفكيرك.. هل هي قضية معينة أو مجموعة قضايا أردت أن توجه القصة ناحيتها، أم أنك كنت مشغولا بالقصة في حد ذاتها؟
- لو كان انشغالى منصبا على القضية، لانتهى المسلسل بلقطة يظهر بها مأذون أو قاض يحكم لصالح أحد الأطراف، أنا أدعى أن كل قضية في «لعبة نيوتن» تصلح لأن تكون مسلسلا في حد ذاته من البداية، والجمهور يبحث عن قضية ليتابعها، في الحلقات الأولى ظهرت آراء حول العمل تخص قضية الهجرة والجنسية الأمريكية، ثم نسى الجمهور تلك الأزمة وانتقلوا مع الشخصيات إلى قضية الطلاق الشفوى، ثم تراجعت بالنسبة لهم وتصدرت النقاشات مسألة الاغتصاب الزوجى، هل تدرك ما معنى هذا؟!.. معناه أن المسألة مرتبطة بالتفاعل والانتقال حسب ما تفرزه القصة وليست مرتبطة بقضية بعينها.. كلمة قضية مزعجة بالنسبة لى، إن ما يعنينى هو سيكولوجية الشخصيات وقراراتهم وأسبابها، وأتصور أننى نجحت نسبيا في هذا الطرح، إن جاز التعبير، وإلا لماذا أجمع المشاهدون على مستوى الوطن العربى كله على أن شخصية هنا «غبية»؟!.
■ متى كانت لحظة العثور على عنوان المسلسل؟
- قبل رمضان بحوالى 3 شهور، كنت أجلس مع ابنى، وفجأة شاهدت اللعبة أمامى، وسألته عن اسمها، وبحثنا سويا عنها باللغة الانجليزية ثم العربية- مهد أو سرير نيوتن- ثم استقررت على الاسم الدارج «لعبة نيوتن». لقد شعرت أن كل الدراما التي تحتشد بداخلى منذ بداية العمل على المسلسل قد تطابقت مع هذا الاسم.
■ لكن الجمهور اعتبر أن العمل من البداية مبنى على قوانين نيوتن الثلاثة، وأفرطوا في تطبيق القوانين على الأحداث، ربما دون دراية أن علم الدراما نفسه قائم على قوانين نيوتن الفيزيائية أو بمعنى أصح يمكن تطبيق القوانين على كل الدراما وكل الشخصيات أيا كان اسم المسلسل!.
- لديك كل الحق، ودعنى ألخص لك المسألة برمتها في موقف صغير، فقد صادفت أحد الأشخاص على تويتر ووجدت له تغريدة موجهة لى فيما معناها أن عنوان العمل لا يحمل أي جهد فكرى، وأنه كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء، وأننا كمتفرجين كنا نحتاج إلى اسم أعمق يظهر طبيعة المسلسل، وليس مجرد عنوان يشبه عناوين البرامج التعليمية أو دروس الفيزياء، والحق أقول إن رأيه أعجبنى.
■ بعد أن تجاوزت الخوف من فكرة تفتيت الزمن، هل راودك شعور بالتخوف من أن الجمهور سيبحث عن شخصية سوية بالمسلسل ليحبها ويتماهى معها ولكن على عكس السائد فإنه لن يجد، بل ربما سيجد نفسه متورطا ما بين كل حلقة وأخرى في مشاعر متناقضة؟
- الخوف لدىَّ مرتبط بالاستمتاع، أنا ضد المستقر في الأذهان، ضد الثابت والتقليدى والمضمون، أنا مع كل ما هو مزعج في الحكى وغير سوى ومعقد نفسيا، وتاريخ السينما والفن نفسه ضد الثوابت والمستقر. انظر كيف كانوا يعبّرون في الماضى عن مشاهد الفلاش باك باستخدام خدعة بصرية تشبه الدوامة لكى يشرحوا للجمهور أن هناك نقلة زمنية.. لو أننا صنعنا هذه الدوامة الآن فالجمهور سيضحك، لماذا؟! لأنه تجاوز هذه الطريقة في الانتقال للماضى، لقد راكم خبرات جديدة في التلقى ما صنع له جسرا مع أساليب السرد المعقدة والأفكار الخشنة والشخصيات غير المحبوبة، كما سبق وذكرت لك أنا لن أمنح المتلقى سفيرا للتماهى معه، لن أشير له على شرير ليكرهه وبطل ليحبه، أصنع له فقط مسافة بينه وبين الأشياء والمشاعر، أمنحه اختبارات قاسية تعصر الشخصيات، فتمر على وجدانه دون أن يضطر إلى مواجهة قسوتها في واقعه. أقول له انظر إلى أفعال الشخصيات وحماقتها، اختبر ردودها الغبية أو السخيفة أو غير المعقولة لأنك تصنع مثلها أحيانا كثيرة، لم أصنع المسلسل بطريقة الحكى التي تجعل الأسرار والمشاعر والتفاصيل تتكشف تدريجيا، بل على العكس، كان المتلقى طوال الوقت على علم بما يدور لكل الشخصيات، حتى يود لو أنه نفذ إليهم وأصلح بينهم أو أوضح لكل منهم سوء الفهم أو الحماقة الحادثة، ولكنه لا يستطيع.. وهذا مثير ومحفز بالطبع.. لهذا اخترت أسلوب الراوى العليم ولم أنحز إلى أي صوت من أصوات الشخصيات، لأن الحكاية لو رويت من عين «هنا» لشاهدنا «حازم» كشيطان، ولو رواها «حازم» لصارت «هنا» امرأة شريرة بلا شك، ولكننى منحتك أيها المشاهد المكانة الأعلى في الحكاية، لكى ترى وتسمع كل ما يدور فتفقد يقينك بالأبيض والأسود، وتصبح لديك قناعة بأن الحياة أعقد بكثير مما تتصور، لأنها تتحرك وفق عقدنا أو عقد الشخصيات وتاريخها المركب.. لقد تصور البعض أن المسلسل يمكن أن ينتهى بمجرد أن تقول تلك الشخصية «حاضر» أو «أنا آسف»، ولكننا لا نفعل هذا في الحياة، إننا ننطلق في سلسلة طويلة من الحماقات والقرارات غير المنطقية بسبب أننا نحسب الأمور في لحظة حدوثها، ولا نضع في معادلتنا أن ماضينا وتركيبتنا النفسية تؤثر بشكل خارق على لحظة القرار.
■ هل استجبت إلى أي ضغوط من أي نوع أو تأثر النص بشكل مباشر أو غير مباشر بما يكتب يوميا؟
- أصارحك القول بأنه للمرة الأولى لا يشكل التفاعل اليومى أي تأثير على العمل، أنا أكره التفاعل، وأجد ما يتعرض له جيلى ظالما جدا، لأننى كصانع دراما لا يجب أن أتأثر برأى الجمهور على الإطلاق أثناء صياغة العمل، وأعترف بأن هذا قد حدث بالفعل أثناء تصوير مسلسل «تحت السيطرة»، كانت تأتينى ومريم نعوم رسائل تهديد صريحة بخصوص مصائر الشخصيات، خاصة «هانيا»، سواء من جمهور المراهقين أو من الأهالى، للدرجة التي اضطررت معها للجلوس مع مريم قبيل الانتهاء من تصوير الحلقات والبحث عن حل لمصير الشخصية يقينًا، عنف التفاعل وشدة التأثر بما يعرض.. وبالمثل في «هذا المساء»، اضطررت لمراجعة الورشة من أجل خطة حريق السينما التي كانت مقرا ل«سوني» والمجموعة.. هذه المرة جرت الأمور كما ينبغى لها، دون تفاعل أو تدخل نتيجة للتعاطى اليومى، وأنا مستريح جدا لهذا مهما كان صادما للجمهور.. أجل، الحياة صادمة وغير عادلة، ولن تغيرها ب«بوست» على الفيس أو تغريدة لتعيد فيها تشكيل أحداث العمل لأنها لا تسير وفق هواك أو تاريخك أو أفكارك.
■ مع كل حديثك عن الصدامية يمكن أن نقول إن «لعبة نيوتن» ألقى حجرا في بحيرة التلقى الراكدة!.. إنه مسلسل ضد الانحيازات التقليدية التي يبحث عنها المتفرج لكى يرفع لافتة القضية التي يتحزب لها أو الشخصيات التي يريد أن يراها كما يتصورها؟
- أنا كصانع عمل لا أريد أن أصنع دراما تشير لك على أي إجابات من أي نوع، ما يشغلنى هو الأسئلة، والأسئلة دوما مثيرة ومحفزة وغير مريحة، للأسف نحن نعانى من فكرة أن هناك أشياء فطرية يمكن أن نستمتع بها دون دراية أو دراسة.. لا، إذا كنت تريد أن تستمتع بالفن أو تتذوق الدراما فعليك أن تدرس الفن أو تتعلم الدراما.. إن تعلم الأشياء يجعلنا قادرين على الاستمتاع بممارستها، حتى الأمور الغريزية نفسها التي نظن أننا نعرف كل شىء عن متعتها- كالجنس على سبيل المثال- في مجتمعنا، نحن لا نتعامل بمنطق أن العلم طريق لمزيد من الفهم والاستمتاع، وهذه كارثة كبرى.
■ أخيرا، ماذا يمكن أن يحرك تامر محسن خلال أعماله المقبلة؟
- الرفض.. إن ما يحركنى وسوف يحركنى دائما هو الرفض، أنا رافض مثلا لأن يقول أحدهم إنه يسمع المسلسل أو الفيلم، أريد أن أصنع له ما يجبره على أن يشاهد ولا يسمع، أنا رافض شكل المسلسلات التقليدى وأساليب الحكى المضمونة والشخصيات ذات اللونين فقط.. إذن سأصنع ما يعبر عن رفضى وأساهم في أن يكون هذا المرفوض مقبولًا فيما بعد، ربما عقب المشاهدة الثانية أو الثالثة.
■ هل تتصور أن الجمهور يمكن أن يعيد مشاهدة «لعبة نيوتن» بعد اللقطة الأخيرة التي تجمع «زى» مع «إبراهيم»؟
- أتمنى أن يُحدث هذا التناص رغبة في إعادة تلقى العمل من منطلقه الأصلى، لقد تصور الجمهور أننا نسينا الطفل «إبراهيم» في الحلقات الأخيرة الأربع.. في الحقيقة أنتم من نسيتموه لأن الشخصيات التهت عنه بعقدها وقراراتها، إن الحكاية كلها هي «إبراهيم» يا سادة، انتبهوا ل«إبراهيم» ولا تنسوه في حياتكم كما نسيه «هنا» و«حازم» نتيجة دوامات الماضى وعقد الطفولة، «ماتخليهوش يشيل الشيلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.