على مسافة 500 متر من مقر الداخلية تجمعت السيارات فى اتجاهات مختلفة، الكل يحاول الهروب من سد الأسلاك الشائكة، الذى وضعته الشرطة العسكرية للحيلولة دون الوصول لمقر الوزارة الحصين، لكن ولأن المرور من أمامها يعتبر أحيانا الحل الوحيد أمام أصحاب السيارات، فإن التوقف تبعا لإشارة عسكرى الشرطة العسكرية ومحاولة إقناعه بالمرور من الممر الضيق الذى سمحوا به يظل الحل الوحيد أمام هؤلاء المتكدسين بسياراتهم أجرة وملاكى. فى امتداد شارع نوبار، توقف صابر، سائق التاكسى، ليقنع زبونته مدام هويدا بالخطة ويطلب منها أن تتقن التمثيل، وبمجرد أن اقترب من نقطة الأسلاك الشائكة، علا صوته وفقا للخطة: وسع يا باشا، أنا ماليش طريق غير من هنا، المدام شغالة فى وزارة الداخلية، ماتعملولناش مشاكل. لم يخف صراخه وحدة صوته العسكرى، الذى طالبه بالوقوف على جنب، وإظهار البطاقة، هنا احتد صابر: «محوطينها على إيه، والله اللى إنتوا عاملينه ده هو اللى بيستفز عيال التحرير»، وأظهر بطاقته ثم كرر: «يا جماعة ماتخافوش لو معانا قنبلة هنفرقعها فى نفسنا، ماحدش يستجرى ييجى هنا ويهزر، يعنى وجود الوزارة ولا عدمها مضايقنا فى إيه، أهى عاملة زى خيال المآتة». وعندما طلب العسكرى بطاقة الزبونة، أظهرت - حسب اتفاقها مع صابر السائق - كارنيه عملها فى هيئة الاستعلامات على اعتبار أنها من العاملين فى الداخلية، ولم تخرج الكارنيه من حافظتها، فإذا بالعسكرى يسمح للتاكسى بالمرور.. وبمجرد أن مر ضحك صابر سائق التاكسى موجها حديثه لهويدا: «شفتى يا مدام خطتى ماتخرش الميه، لما تدخلى على العسكرى بثقة يتخدع فينا ويعدينا على طول، أصلهم مش مقتنعين باللى بيحصل، بس هنقول إيه عبدالمأمور». لا يعرف صابر من هو المأمور هنا، فقد كان يظنه الجيش، لكن بعد أحداث التحرير اكتشف أن الجيش لا حول له ولا قوة، وأن مطالب الشارع هى التى تحركه، لذا فهو لا يدرى هل يتعاطف مع التحرير أم يصب عليه غضبه، باعتبار أن ما يحدث فيه سبب مباشر فى وقف حاله، وهو ما وصفه: «من ساعة ما بدأت الثورة والواحد مستنى حاله ينصلح، لكن الحال زى ما هو، بالعكس بيسوء، والمشكلة إنها لما بتبوظ بتبوظ علينا إحنا الأول». صابر أكد لهويدا أنه يتمنى المشاركة فى مليونية بالتحرير، لكن أكل عيشه يمنعه، وإن قال: «مش هشارك زيهم وأبات، لأ هاقف وأقول خلوا البلد تشتغل شوية، وهاطالب فك الحصار عن مقر الداخلية ونقلها لأى حتة بره البلد، خليهم يودوها 6 أكتوبر ولا الشيخ زايد ولا حتى الشروق ومدينة بدر، ساعتها الميدان هيهدا شوية».