ليبيا : الحكومة الجديدة تواجه تحديات توحيد المؤسسات وتحقيق السلام

حققت ليبيا خطوة جديدة على طريق تحقيق السلام والاستقرار وإنهاء الانقسامات بين الشرق والغرب، بعد 10 سنوات من الحرب والصراع والانقسام، بعدما نجح البرلمان الليبى، الأربعاء، فى منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، برئاسة عبد الحميد دبيبة، على أن تؤدى الحكومة اليمين الدستورية وتتسلم مهامها رسميا يوم الإثنين المقبل فى مدينة بنغازى شرق ليبيا، لتبدأ مواجهة العديد من التحديات، وأبرزها استمرار الحفاظ على وقف إطلاق النار القائم بين طرفى الصراع منذ 23 أكتوبر الماضى، وتوحيد المؤسسة الأمنية، وكيفية التعامل مع الميليشيات المسلحة، وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، بجانب فتح الطرقات وبخاصة الطريق الساحلى، وتحقيق المصالحة الوطنية، تمهيدًا لإجراء الانتخابات العامة بعد انتهاء الفترة الانتقالية فى 24 ديسمبر المقبل.
ونقلت وسائل إعلام ليبية عن رئيس البرلمان الليبى، عقيلة صالح، قوله، مساء الأربعاء، إن الحكومة الجديدة ستؤدى اليمين الدستورية، الإثنين المقبل، أمام البرلمان فى بنغازى، كما أكد «دبيبة» أن حكومته ستؤدى اليمين الدستورية فى بنغازى الإثنين المقبل، مشيرًا إلى أنه سيعمل فى كل مناطق ليبيا، وأضاف «دبيبة» أن موعد إجراءات التسليم والتسلم مع حكومة الوفاق المنتهية ولايتها ستتم فور الانتهاء من أداء اليمين مباشرة، وقال: «هناك إجراءات بالتنسيق مع المجلس الرئاسى الجديد برئاسة محمد المنفى، وهناك متابعة من بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا والجهات ذات العلاقة».
ورحبت وزارة الخارجية الأمريكية بمنح الثقة للحكوة الجديدة، وقال وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، الخميس، إن هذا يمثل تطورًا مهمًا على مسار تنفيذ «خارطة الطريق» التى توصل لها منتدى الحوار السياسى الليبى، من أجل تشكيل حكومة فعالة، وأضاف: «نشجع القيادة الجديدة، لدى توليها السلطة، على اتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة يوم 24 ديسمبر المقبل، باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو التوصل لحل سياسى يُنهى صراعًا استمر عقدًا من الزمن»، وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تدعو جميع الأطراف للحفاظ على هذا التطور الإيجابى، ودعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار فى ليبيا، واستعادة احترام حظر الأسلحة الذى فرضته الأمم المتحدة منذ 2011، وإنهاء التدخل الأجنبى بما فى ذلك الإجلاء الفورى للقوات الأجنبية والمرتزقة.
من جانبه، أكد الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أن اعتماد مجلس النواب الليبى حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة خطوة مهمة نحو استعادة الوحدة والاستقرار والأمن والازدهار فى ليبيا، ودعا جوتيريش الحكومة الجديدة إلى التعاون مع مجلس النواب لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب الليبى دون تأخير، ودفع الاستعدادات للانتخابات الوطنية فى 24 ديسمبر 2021، ومواصلة العمل نحو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع فى 23 أكتوبر 2020، مجددًا تأكيد دعم الأمم المتحدة الشعب الليبى فى جهوده لتعزيز السلام والاستقرار.
وتمثل مصادقة البرلمان على حكومة دبيبة أكبر فرصة تسنح منذ سنوات لإيجاد حل للصراع الليبى، وجاءت بعد تصويت 132 نائبًا لصالحها ومعارضة نائبين فى جلسة انعقدت فى مدينة سرت التى دمرتها الحرب، وأعلنت حكومة الوفاق الوطنى المنتهية ولايتها فى طرابلس برئاسة فايز السراج، وحكومة الشرق المؤقتة بقيادة عبدالله الثنى، استعدادهما لتسليم سلطاتهما للحكومة الجديدة، لكن لاتزال هناك عقبات كبرى، إذ أثارت طريقة تعيين دبيبة، وما شاب العملية من فساد ودفع رشاوى خلال منتدى الحوار السياسى الليبى فى جنيف وتونس، وكبر حجم حكومته، انتقادات فى ليبيا واتهامات بالفساد واستغلال النفوذ قد يستخدمها من يريدون التشكيك فى شرعية الحكومة الجديدة، ولاتزال شوارع ليبيا وشركاتها وأعمالها وحتى مؤسسات الدولة واقعة تحت هيمنة الفصائل المسلحة، ومنقسمة بين الإدارتين المتنافستين شرقًا وغربًا، رغم الخطوات الإيجابية التى تم اتخاذها لتوحيد المؤسسات، والتى تتمثل فى توحيد البنك المركزى الليبى، وتوحيد حرس المنشآت النفطية، وتبادل أسرى ومعتقلين خلال المعارك بين الطرفين فى الأشهر الماضية، لكن الليبيين يأملون من الحكومة الجديدة أن تضع بلادهم على طريق السلام والاستقرار، بالوصول إلى دستور جديد وإجراء انتخابات تؤدى إلى حكومة دائمة بعد انتخابات 24 ديسمبر المقبل، وسط دعم دولى وإقليمى وعربى واسع للحكومة الجديدة فى البلاد.
وتضم حكومة «دبيبة»، الذى يشغل منصب وزير الدفاع مؤقتًا لحين اختيار وزير دفاع جديد، نائبين لرئيس الوزراء، و26 وزيرًا، و6 وزراء دولة، وتم اختيار حسين عبدالحفيظ القطرانى، ورمضان أحمد بوجناح، نائبين لرئيس الحكومة، ومحمد على محمد الحويج وزيرًا للنفط والغاز، ومحمد محمد عون وزيرًا للمالية، وعبدالسلام عبدالله اللاهى تكى وزيرًا للداخلية، وتم اختيار نجلاء المنقوش وزيرة للخارجية والتعاون الدولى، لتدخل التاريخ كأول امرأة تتبوأ هذا المنصب، ووُلدت وعاشت فى بنغازى، وعملت مع عدة دول عربية وأجنبية للمساهمة فى تدريب الكوادر وتقييم الكثير من المشاريع التفاوضية والقانونية حول العالم.
ووقف إطلاق النار بين طرفى الصراع صامدًا منذ الخريف الماضى، ولكن حكومة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لاتزال تسعى إلى دعم تواجدها العسكرى فى ليبيا، بإرسال السلاح والمرتزقة السوريين بما يتناقض مع ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية بعد 90 يومًا من توقيع الاتفاق، فى حين لايزال الطريق الرئيسى الذى يمر عبر الخطوط الأمامية من سرت حتى مصراتة مغلقًا، واضطر نواب الغرب إلى الوصول من طرابلس إلى سرت جوًا، ولكن وعلى الرغم من المشكلات والعقبات التى تواجهها، فإن ليبيا تقف حاليًا على أعتاب أول حكومة موحدة لأول مرة منذ عقد مع التزام جميع الأطراف والقوى الإقليمية والدولية بإجراء الانتخابات فى موعدها.