أعتقد أنه لا يختلف مصريان على أن مصر تخوض حالياً معركة مصيرية ستحدد نتائجها مستقبل شعبها ووجودها لقرن قادم من الزمان، نتيجة لأجندات متصادمة داخلياً وخصوم معرفين لا يريدون لها استرداد ريادتها إقليمياً ودولياً، وصولاً لسقوطها وتقسيمها إلى شيع وطوائف متناحرة، فيما أطلق عليه الجائزة الكبرى، وهو أمر يفرض على مواطنيها إحساساً كافياً بالخطر، يدفعهم إلى دراسة أوضاعهم الحالية وتحليلها بأقصى درجات الصدق والشفافية ويتطلب إجراء تغيير جذرى فى بنيانهم السياسى والاقتصادى والاجتماعى، بحيث يصبح البنيان الجديد قادراً على تحديد هويته والوقوف فى موقع محدد المعالم والأبعاد داخل إطار المجتمع الدولى، وتغدو أهلاً للوقوف فى وجه هذا التحدى المصيرى. وبتفجر ثورة 25 يناير 2011 وسقوط النظام الذى اعتمد على التهديد باستخدام القوة المفرطة، على مدى ثلاثة عقود متتالية، كان على المصريين أن يسددوا فواتير خطاياه فجأة وبلا مقدمات، من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى أضحى مسؤولاً عن إدارة مؤسسات دولة فى عراقة مصر مطلوب إعادة بنائها من جديد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فتبنى استراتيجية الاستعانة بأهل الخبرة والرأى والتخصص فى السياسة والاقتصاد، ففوجئ باختلاف الرؤى بين أساطين التخصص الواحد، الذين راح كل منهم يؤكد أن رأيه هو الأنجع والأصوب، ومن ثم كان على المجلس تحت الشعور بأنه فى صراع مع الوقت - تبنى اقتراح ما رأى أنه الأقرب إلى تحقيق أمن مصر القومى، مثل تعديل مواد دستور 1971 وإجراء الاستفتاء عليها ووضع إعلان دستورى مؤقت لحين وضع الدستور الدائم لمصر، بعد الانتهاء من انتخابات مجلسى الشعب والشورى أولاً، تبعه الخلاف على وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور، الأمر الذى جعل عبارة «ارتباك المجلس العسكرى» تتكرر فى العديد من المقالات التى سطرها مجموعة من حملة الأقلام الشرفاء فى مصر. وفى خضم مبادلات إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل وجدها المصريون فرصة نادرة لن تعوض، يجب اغتنامها لحل مشاكلهم المتراكمة على تنوعها وتعددها ففجروها جميعها فى توقيت متزامن، ونتيجة الشك فى وعود السلطة على مدى زمنى طويل لحلها، دُفعوا إلى عرض هذه المشاكل من خلال المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق والسكك الحديدية، ونظراً لتواضع المستوى الثقافى لمعظمهم، لم يستوعبوا أن مصر تعانى من فراغ أمنى رهيب وأزمة اقتصادية طاحنة، ويجب حل هاتين المشكلتين أولاً، حتى يتسنى تحقيق مطالبهم بأقصى درجات الشفافية. ونصل إلى السؤال النمطى: ما الحل؟! إذا ارتضينا بالمقولة المأثورة إن الحرب على درجة من الخطورة حتى تترك للعسكريين وحدهم، كما أن السياسة على درجة من الجدية حتى تترك للسياسيين وحدهم، ومن ثم فيجب على السياسيين أن يستوعبوا مفهوم الحرب، كما على العسكريين أن يلموا بمبادئ السياسة، حتى يستخدم الطرفان فن الحوار لحل خلافاتهما، وصولاً لتحقيق الأمن القومى لدولتهم، كما أن أفضل دليل على عبقرية الحاكم هو استخدامه الأمثل لوسائله لتحقيق أهدافه والتى يمكن بلورتها فيما يلى: أولاً: استعادة روح التفاؤل لدى المصريين جميعاً على مختلف مشاربهم بأن ثورة 25 يناير سوف تنجح فى نهاية المطاف باعتبار أن الهزيمة عادة ما تكون من نصيب الجانب الذى تنهار معنوياته أولاً. ثانياً: تحولت طاقة مقاومة السلطة قبل الثورة إلى طاقة مدمرة لمقاومة بعضنا البعض، ومن ثم يجب القضاء على الانفلات الأمنى أولاً وإتمام مصالحة تاريخية بين الشعب والشرطة. ثالثاً: تبنى سياسة الحوار للوصول إلى صيغ توافقية لحل المعوقات السياسية والاقتصادية. رابعاً: تنفيذ استراتيجية إعلامية ناجعة لمخاطبة 86 مليون مصرى، وذلك بحثهم وشحذ هممهم على اختيار الأصلح لمصر فى الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. خامساً: تعليق المليونيات والمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات لحين الانتهاء من الانتخابات والعودة للعمل والإنتاج، حتى لا تنهار مصر اقتصادياً. وليكن شعارنا «مصر دائماً» أولاً.