تحل هذه الأيام ذكرى أجمل وأرق قصة وفاء زوجى يندر تكرارها فى هذا الزمان. بطلة هذه القصة الناعمة هى « ممتاز محل» - التى حانت ذكرى وفاتها- مع زوجها «شاه جهان». شىء ما فى هذه القصة جعلها تتحدى الزمان. يتغنى بها طاغور، تتناقلها الأجيال، يزورها ملايين العشاق. وحتى اليوم يحرص العرسان الجُدد فى الهند على عقد قرانهم فى ضريحها الشهير «تاج محل»، الذى أقامه لها زوجها الإمبراطور شاه جهان وفاء لذكراها، بعد أن مزقته أحزان الفراق. كانت البشرية بحاجة إلى هذا النموذج النادر ولذلك خلدته. «ممتاز محل»، أجمل امرأة فى الهند، والتى تجمع بين الرقة واللطف، والجمال والدلال. كل هذا لا شىء بجوار روحها العذبة وقلبها الكبير. لم يكن «شاه جهان» يعرف - حين رآها لأول مرة - أنه على موعد مع الحب، والمقاتل العنيد الذى أخضع الهند بأسرها توشك أن تهزمه عينان صافيتان، وشفتان مضمومتان كزهرة اللوتس تمنحانه الحب وعذب القبلات . فى ذلك الزمن البكر كانت الهند قارة لا تعرف إلا الحب والقتال، وكان الأمير شاه جهان قد سئم الانتصارات، وكلما أمره والده السلطان بإخضاع المناطق المتمردة عاد بأهازيج النصر، وحتى مؤامرات القصور لم تهز قلبه الشجاع. مثل الأفلام المصرية القديمة كانت هناك زوجة أب شريرة تحارب زواج الحبيبين وتُوغر قلب والده الإمبراطور عليه. امرأة تحمل فى قلبها كل غل العالم، وكلما سمعت عن نصر جديد له تراجعت فرصة ابنها فى وراثة العرش. ظلت تحارب الحب الوليد بكل وسيلة، خصوصا أن ابنها كان مولعا– من طرف واحد – بهذه الفتاة. لكن الحب انتصر فى النهاية، حينما أعلن الإمبراطور الأب موافقته على الزواج لم تكن الهند بأسرها، بجبالها وسهولها، بمعابدها وأسرارها، تعادل فرحتهما بهذا الزواج. منذ ذلك الحين صنعا أسطورة الزوجين العاشقين. لم يفترقا فى سفر أو إقامة، أو سلام أو قتال. كانت مُلهمته ورفيقة دربه، وبرغم الأهوال والاضطرابات، ودسائس زوجة الأب الشريرة التى أوغرت عليه قلب أبيه، ولفّقت تهمة الخيانة لها، ظلت ممتاز محل بجوار زوجها وبين أحضانه، قصة حب دامت العمر كله، أميرة فى مقام امرأة، وإمبراطورة بدرجة زوجة، وحبيبة ورفيقة درب. لم يفتر حبهما مع السنوات، بل ظل يكرر صورتها فى أطفال كثيرين يحملون عذوبة أمهم وشجاعة أبيهم. وحينما جاءت النهاية المحتومة لكل أبناء الفناء، وماتت أجمل امرأة فى الهند، لحظتها أحس زوجها بأن قلبه يموت وهو حى، وقطرة من دموعه تكفى لتحويل نهر «الجانج» إلى ملح أجاج. سلواه الوحيدة كانت فى بناء «تاج محل»، وفاء لذكراها، لم يكن ضريحا لامرأة بل معبدا للحب، ولم يكن مطعما بالمرمر والأحجار الكريمة بل بشغاف روح ونياط قلب، وقمر سكن الحجارة البيضاء إلى الأبد، وقصة حب تتحدى الموت وتتحدى الزمان.