رئيس الوزراء يهنئ شيخ الأزهر بالعام الهجري الجديد    المستشارة أمل عمار تشارك في المنتدى العربي من أجل المساواة بالجزائر    صعود جديد ل سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 24-6-2025 صباحًا للمستهلك    تراجع سعر الريال السعودي اليوم الثلاثاء 24-6-2025 مستهل التعاملات    وزير البترول: وحدات التغييز الجديدة تعزز جاهزية البنية التحتية لتأمين الغاز خلال الصيف    وزير الإسكان يتابع آلية عمل وحدتي تنظيم السوق العقارية وتصدير العقار    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 24 يونيو    وزير النقل يشهد توقيع عقد بناء سفينتين جديدتين من السفن العملاقة    رئيس مياه القناة الأنتهاء من تركيب مأخذ نموذجي لمحطة فناره العمده    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. اليوم الثلاثاء    بعد إطلاق صواريخ إيرانية جديدة على إسرائيل.. سموتريتش: طهران سترتجف    بعد اعتقاله وإطلاقه .. ماذا وراء الاستدعاء الأمني ل(العضايلة) أرفع مسؤول بالإخوان في الأردن؟!    السوداني يأمر بالتحقيق في استهداف عدة مواقع وقواعد عسكرية عراقية    ليلة الرعب والخيبة | ترامب يخدع.. إيران تضرب.. بغداد تحترق.. الأهلي يودع المونديال    لماذا لم تتدخل روسيا لدعم إيران أمام إسرائيل؟ أستاذ علوم سياسية يوضح    واشنطن بوست: ترامب دمر خطط «الناتو» بشأن أوكرانيا بضربة إيران    «نشعر بالإحباط والحزن».. أول تعليق من محمد هاني بعد وداع الأهلي ل كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية| ريبييرو: قدمنا مباراة كبيرة أمام بورتو.. والحضور الجماهيري مذهل    تعليق مثير من مدرب بورتو بعد التعادل مع الأهلي: لم يكن هناك نقص في الطماطم    حالة الطقس اليوم في السعودية وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ظهرت رسميا.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي محافظة الأقصر 2025 برقم الجلوس استعلم الآن    ضبط 1257 قضية في حملات ب مترو الأنفاق والقطارات ومحطات السكك الحديدية    إصابة 6 أشخاص في تصادم 3 سيارات بطريق السخنة    الداخلية تضبط أكثر من 10 أطنان دقيق خلال حملات مكثفة لضبط الأسواق    بعد تدهور حالته الصحية.. تامر عبدالمنعم يعلن وفاة والده (موعد ومكان الجنازة)    بدأت ب«فولو» على إنستجرام.. سلمى أبو ضيف تكشف طريقة تعرفها على زوجها    صيف درامي ساخن.. 3 مسلسلات تستعد للمنافسة    موعد حفل صابر الرباعي في مهرجان موازين 2025    «تمويل محلي وتصنيع ذاتي وتحول رقمي».. «عبد الغفار»: مصر تطرح خارطة طريق لملف الصحة ب 3 ركائز    رئيس الوزراء يستعرض التعاون مع «برجيل القابضة» في مجال زرع النخاع    وكيل «صحة الإسكندرية» تؤكد ضرورة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين    انعقاد لجنة اختيار المرشحين لمنصب عميد كلية التجارة بجامعة قناة السويس    أقوى 46 سؤالا فى الفيزياء لطلاب الثانوية العامة.. أفكار لن يخرج عنها الامتحان    عودة آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية من الأراضي المقدسة.. غدًا الأربعاء    كنائس وسط القاهرة تطلق كرنفال افتتاح مهرجان الكرازة المرقسية 2025 للأطفال    داري وعطية الله يخضعان لكشف المنشطات بعد مباراة الأهلي وبورتو    أفشة يعتذر لجماهير الأهلي بعد وداع كأس العالم للأندية    بعد توقف أسابيع.. البابا تواضروس يستأنف عظاته الأسبوعية بالإسكندرية غدًا    نانسي عجرم تحمل كرة قدم وقميص فريق منتخب المغرب ب«موازين» (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في محافظة قنا    تكرّيم 231 حافظًا لكتاب الله في احتفالية كبرى بالمراشدة بقنا    جامعة أسيوط تطلق بودكاست "أخبار جامعة أسيوط" باللغة الإنجليزية    مسئول فلسطيني يتهم إسرائيل بسرقة منازل بالضفة أثناء اقتحامها    «التضامن» تقر قيد وتوفيق أوضاع 5 جمعيات في 3 محافظات    الديدان الطفيلية تساعد البشر في مكافحة السمنة.. كيف؟    بوجبا يقترب من العودة إلى منتخب فرنسا    استدعاء مالك عقار شبرا المنهار لسماع أقواله    البابا تواضروس يعزي بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس في ضحايا الهجوم على كنيسة مار إيلياس    هل الشيعة من أهل السنة؟.. وهل غيّر الأزهر موقفه منهم؟.. الإفتاء تُوضح    تفسير آية | معنى قولة تعالى «وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ»    فرص تأهل الهلال إلى دور ال 16 من كأس العالم للأندية    سلمى أبو ضيف تتصدر التريند بعد كشف تفاصيل قصة حبها مع إدريس: "طلب إيدي في إسبانيا!"    جماهير الأهلى تحفز اللاعبين بلافتات "أعظم نادى فى الكون"    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة في خطوات بسيطة    ترجمات| «هكذا تكلم زرادشت».. صدم به «نيتشه» التيارات الفلسفية المتناقضة في أوروبا    عرفت من مسلسل.. حكاية معاناة الفنانة سلوى محمد علي مع مرض فرط الحركة    مسئول إيراني: طهران لم تتلق أي مقترحات لوقف إطلاق النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسلمين ومسيحيين.. مصريين بعضنا من بعض..
نشر في المصري اليوم يوم 14 - 10 - 2011


فتنة طائفية أم مؤامرة دنيئة
هكذا قال رئيس الوزراء عصام شرف.. رداً على الأحداث العنيفة التي شهدتها ماسبيرو، التاسع من أكتوبر 2011م، تداخلت الإشتباكات بين النصارى والجيش والمسلمين، وكُلهم في الحقيقة مصريين، والتي تخلف عنها أكثر من 26 قتيلاً، وأكثر من 300 جريح..
بغض النظر عن قدرات الأول، وإنجازاته، إلا أنني أشعر أحياناً بطيبته، ومسؤوليته العظيمة التي يُشعرني أنها فخ وقع فيه..
عندما يقول هذه الجملة رئيس وزراء.. فماذا قد يعني هذا ؟!!
أظن أن أسهل كلمة قد تُقال لإبعاد المسؤولية عن مسئول وعن حكومته هي: ( فتنة طائفية )..
فتنة طائفية أهلية بين المصريين، بعضهم مع بعض، الحكومة بعيدة عنها، بل وتُعاني منها، وقد تُعطل عملها في استقرار الأمن في البلاد.. وقد تكون حجة مناسبة لتبرير عدم الإنجاز حتى الآن..
ولكن عندما يقول مُلمحاً وغامزاً أنها (مؤامرة دنيئة).. فهذا من شأنه أن يُلمح ويُعطي أبعاد خطيرة للمشكلة..
فهذه كلمة لا يقولها شخص عادي، قد نستهتر بها..
إنه شخص في وضع حساس جداً، لديه إمكانات واسعة جداً، تجعله لا يقول كلمة إلا بيقين، وتجعلنا لا نتلقاها منه إلا بثقة..
كلمة يقينية صدرت عن جهاز قوي يُدرك مُلابساتها ونتائجها وأبعادها..
كلنا يعلم أن مصر الآن في وضع خطير جداً، نظراً لموقعها الحيوي في الشرق، ونظراً لأهميتها السياسية في الغرب..
إذا استتب النظام في مصر، نظام ما بعد الثورة، فلا مصلحة لكثير من جيراننا العرب ممن لم تتزعزع قُواهم الجاثمة على صدور شعوبهم بعد.. وكذلك إسرائيل لا مصلحة لها في ذلك كُلياً..
وكذلك أمريكا، وقوتها المهيمنة على العالم.. لا مصلحة لها في هذه النهضة والاستقرار..
إن النهضة والإصلاح والاستقرار في مصر سيقلب العالم كله رأساً على عقب، هذا بلا أدنى شك، وتأملوا مدى اهتمام الحكومات الغربية بمصر أيام الثورة، فقد قامت الدنيا، ولم تقعد..
إن العناصر المصرية من شأنها أن تملك العالم.. سواء على الصعيد الجغرافي، أو الصعيد البشري، أو على الصعيد الاقتصادي، أو على الصعيد الديني، أو على الصعيد الثقافي...
الأرض ومواردها وموقعها، والجهود البشرية الجبارة، عقول وقوى...
مميزات جبارة وهبها الله لمصر ولأهلها، ليصنعوا سياسة واقتصاد وثقافة العالم أجمع من موقع وطنهم الاستراتيجي..
إذا قامت مؤسسة لدراسة ما حصل خلال تاريخ ما قبل ثورة 25 يناير 2011، سيُدرك أن هذه المميزات والإمكانات قد شابها الفساد والإفساد، واللعب فيها والعبث كما لم يُعبث فيها من قبل..
يُمكننا أن نتذكر فشل مشروع توشكى أكبر مشروع زراعي في مصر، ونتذكر استيراد الأسمدة المسرطنة.. وتجريف الأراضي، واختفاء كثير من الأراضي الزراعية حول وادي النيل لصالح عمارات وأبراج رجال الأعمال والمستثمرين الفخمة بحجة الاستثمار والتسكين..
ولم يكن الاستثمار يعود بالأرباح إلا على رجال الأعمال، وما سكن في شققها وطوابقها الفارهة إلا الأغنياء والمقتدرين..
تذكروا ما طال الشعب المصري من مرض جراء الأسمدة المسرطنة، والأوبئة التي فشت فيه.. من أمراض كبد خبيثة، وأمراض كُلى شائعة، وأورام مميتة جرت أولاً على الأطفال، ثم الشباب، والنساء، وأخيراً الرجال والشيوخ..
تذكروا كل القضايا الشائكة التي فشت في المائة سنة الأخيرة.. تذكروا الغزو الثقافي من نفس التاريخ..
رفض الدين، واستبعاده من أمور الدنيا، والإغراق في العلمانية، وقد كنا سادة الدين والدنيا والعلم من وقت قريب..
الموضة بشكل عام، وتحرر المرأة، وعُريها باسم الموضة، وقد كان في مقدورها أن تُحقق كثير من الإنجازات باحتشامها وعفتها وغطاء رأسها..
المال صانع كل شيء، فتخلى العرب والمسلمين على أثر تلك الإشاعة المدعومة بالكساد الاقتصادي، تخلو عن مبادئهم وقيمهم السماوية الصالحة.. وراحوا يقدسون المال، وقد كانوا يُقدسون المبادئ والقيم والشرف والكرامة أكثر من المال، فكانوا سادة العالم، وسادة الغِنى والشرف والمال..
التهجير، عوامل الطرد البشرية، وتشتيت الطاقات..
الغزو الفكري التي طرأت على عقول الشباب..
الثقافات التي لا تتناسب مع طبائنا وأدياننا.. فقد كان علينا أن نتنازل عن الدين أولاً لنلبس ثقافة الغير المُنحلة، لتُناسبنا..
الفتنة الطائفية، وقد كنا نعيش مسلمين ويهود ونصارى في سلام ووئام، ولم نكن نعرف معنى فتنة طائفية..
كل هذه التغيرات لم تحدث بأيدينا.. لقد أتت من الخارج.. صُدرت إلينا تصديراً.. وقامت على صناعتها وإشاعتها ودمجها في المجتمعات العربية والإسلامية أجهزة عالمية خبيثة تكره العرب والمسلمين..
حتى وصلت بالعقول إلى درجة من الحضيض.. وفي إمكانها الآن السيطرة عليها بسهولة باستخدام القواعد الجديدة في دنيا الغرب وفكرهم وفسادهم..
في ظنكم بعد كل هذا العبث في الشعب، الذي لم يملك إرادته في سياسته، إلا من وقت قريب جداً، هل تعتقدون أن ما يحدث الآن هو بملكنا الكامل الآن ؟..
هل استطعنا أن نتخلص من الغزو الفكري والثقافي الأكثر تمكناً من الغزو الجسدي والأرضي ؟..
هل أدركنا مَن المتسبب في فسادنا بهذا العتو الطاغي ؟..
نعم قد يكون لنا يد فيما وصلنا إليه.. لكن الأمر أكبر من ذلك.. لقد قامت على تشويه ملامحنا أجهزة شيطانية لم تتوقف عن مكرها منذ مئات السنين، وليتتبع مَن يريد التتبع.. وليدرس حقيقة قولي مَن يريد أن يهتم ويُصدق ويتتبع ويُدرك الحقيقة..
لذلك أنا من الذين يُصدقون نظرية المؤامرة بكل كياني..
وإن كنت مقتنعاً أنه يُمكن مُقاومتها جيداً، وصناعة الإرادة الذاتية بشكل محض، وتقليل سيطرتهم ومواردهم وموادهم على العقول والحقول..
المؤامرة لا بد أن تكون خارجية، فليس لنا مصلحة أياً كنا في صناعة فوضى وفتنة طائفية بيننا وبين النصارى، ليتم على أثرها الدمار لكلا الصفين، وضعف البلاد..
فلقد عِشنا معاً مئات السنين.. بل نحن منهم..
أؤكد على ذلك.. نحن كمسلمين من النصارى حرفياً...
الفتنة أيها السادة والسيدات أتت من الخارج لتزرع الوقيعة بين فكرة الإسلام الذي دخل مصر، فاعتنقه المصريين.. وبين النصارى الذين لم يعتنقوه، وبقوا مصريين مع المسلمين...
المؤامرة خِيطت عن طريق أجهزة قوية تكره العرب والمسلمين.. تكره الخير، وتريد الدنيا مُعوجة، حتى تكون على هواهم وحدهم، ولا تكون بهوى أحد غيرهم.. لذلك يحطمون كل مَن يستطيع التأثير، ويخطف منهم حقهم في الهوى والفساد والعثو في الأرض حسب رغباتهم، ونزعاتهم المريضة..
القوى الغربية أقوى منا.. لذلك يُمكنها التأثير فينا.. ويُمكننا أن نُصدق فيها نظرية المؤامرة، ليس علينا فحسب، بل على العالم أجمع.. ولها مصلحة كُبرى في تشويهنا، واحتلال أرضنا، لعود عليها ذلك بالقوى والتحكم والسيطرة الكاملة،والسيطرة معناها مكاسب مادية ومعنوية ونفسية.. وأراضينا وأصحابها زاخرة بالخير العميم..
ما الذي نملكه حقاً لصناعة مثل هذه الفتن ؟..
نحن الآن في لحظة حرجة.. لحظة حاسمة في إرادة شعبنا.. لحظة تهم العالم وليس منطقة الشرق فقط..
لحظة يعتمد عليها مستقبل العالم.. تغير جزري يتم..
وهناك رؤوس كبيرة في العالم لا يهمها هذا التغيير، ولا يهمها أن تتغير الأمور، وأن تبقى الأمور على ما هي عليه حتى لا تهتز عروش الطغيان، وتجري عليها سنة التغيير الربانية في الأرض..
المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، وهي أخطر مرحلة بعد الثورة.. وهو ليس خبير سياسياً ولا إدارياً.. وبالطبع يُواجه ضغوط وهذا وارد جداً، فضلاً عن أنه تم التصريح أكثر من مرة أنه يُواجه ضغوط خارجية شديدة جداً..
كذلك في رأيي أن المهندس عصام شرف ضعيف سياسياً وإدارياً كذلك.. وهناك كلمة قالها في بداية توليه رئاسة الوزراء تدل على ذلك.. أنه قد أوشك أن يستقيل من مهمته لما رآه من العبء الثقيل المُلقى على عاتقه، والمطالب المتتابعة الغفيرة التي تتطلب الدراسة والتنفيذ والتفعيل..
يجب أن نكون مُقرين ومتفقين أن الحِمل مُفزع ومرعب.. أرضاً وشعباً..
المهندس عصام شرف في رأيي مُجهد من المسؤولية، ولكنه يُناضل، وفي أطواره الأخيرة.. لقد فاض به الكيل.. ويُوشك أن يتخذ سياسة السلبية أو يتنازل عن مهمته ومنصبه، أو ينتظر انتظار الذي يعد الدقائق والثواني حتى تتم الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية.. انتخابات الشعب والشورى، وانتخابات الرئاسة.. ثم ينسحب من الحياة السياسية المباشرة..
وربما هذا ما جعله يقول كلمته بالنسبة للمؤامرة الدنيئة: شرف: ( لن نستسلم للمؤامرة الدنيئة لزرع الفتنة الطائفية.. وعلينا أن نتماسك ونتحد.. )
علينا أن نتماسك ونتحمل حتى تتم خطة الثورة الانتقالية على خير، وكما نريد لها نحن العاقلين المسئولين..
إذن فالأمر يُبدي عن خفاياه في طي كلام رئيس الوزراء الذي بان في كلامه بمظهر المُواجه الذي أوشك على السقوط..
إنه يعرف من أين تأتي الضربات.. لذلك قالها بدون تقدير أو دبلوماسية..
إنها مؤامرة دنيئة.. وكلنا يعلم أن مشكلة الفتنة الطائفية لها علاقة بالدُول الكبيرة في الغرب..
ولم نسمع الكلمة إلا ممن لهم مصلحة خبيثة في صُنع فتن داخلية في مصر، ولا يريد إلا مصلحته أو مصلحة فئة واحدة فحسب..
برغم أن لبنان مثلاً فيها طوائف لا حصر لها، ومع ذلك لم نسمع عن اضطهاد، أو مُناداة بأن البلد مِلك لطائفة بعينها دون الأُخرى..
كلمة اضطهاد الأقباط كلمة مُستحدثة، ولا أظنها أتت مطلقاً من داخل مِصر، فضلاً عن أن تتواجد أفعال وسلوكيات وقوانين تضطهد النصارى، برغم ما في المصطلح من مغالطة شنيعة.. فالأقباط كلمة تعني المصريين..
وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم استوصوا بأقباط مصر خيراً، كان يعني أن المسلمين حين يدخلون مصر فسيجدون أهلها من الأقباط مُرحبين، ومنهم مَن سيعتنق الإسلام ويُصبح قبطياً مسلماً، ومنهم مَن سيبقى على دينه من المسيحية أو غيرها، ويظل قبطياً كذلك لأنه مصري..
والمعنى الاستوصاء يشمل الأقباط من المسلمين والنصارى على السواء..
في هذا العصر كثرت الفتن.. وكثر الفساد.. وأصبح الكل مُعرض للمؤامرة الكُبرى.. والفساد في البلاد العربية قد طال الجميع..
وإذا قلنا أن هناك فتنة طائفية في مصر فهي لا ريب قضية نبتت من شجرة خبيثة زرعها المحتلين وأعداء العرب والمسلمين..
لأن الإسلام والمسلمين قبلوا الآخر، وعاشوا معاً في وئام حتى وقت قريب جداً، وبعده وبالتزامن معه بدأت سلسلة الاحتلال المريرة في أفريقيا وأسيا وغيرها..
ومنذ هذا الغزو الطاغي بدأ العالم يتغير.. بدأت القوى الخارجية تُسيطر من جميع النواحي على الشعوب المغزوة..
وبعد مدة بدأت الوقيعة بين المسلمين والنصارى، والأقليات والأكثريات، والقوميات وما شابه..
حتى بعد خروج الاحتلال، بدأت أجهزة حكومية ومخابراتية تعمل من بعيد، تُجند مَن يبثون سموم الفتنة في المجتمعات، وتدفع المال الوفير لخدمة قضايا ذات نوعية جديدة من المصطلحات والأفكار التي تخفي ضمناً أغراض دنيئة لا تتفق مع القواعد الإسلامية والعُرفية والاجتماعية ولا العادات والتقاليد الممزوجة بأعرافنا وتديننا، كلها تتفق مع المصالح الدنيئة للغرب، وطبيعتهم الاحتلالية..
وكذلك تُضلل العقول، وتُصدر السموم الفكرية والثقافية في أشكال جذابة شديدة الإغراء..
وبالتدريج كان المجتمع العربي يقع في براثن مخططات تلك الأجهزة بدون اكتراث مُساوي منهم..
إلى أن مكثنا في الذل والهوان ردحاً من الزمن تحت لواء حُكام عملاء لهذه الأجهزة الغربية الشيطانية..
وعندما بدأنا نصحو، ونستفيق من هذا المخطط السائر على حياتنا بثقله المميت.. أطحنا بتلك المخططات كلها دفعة واحدة.. ولكننا للأسف لم نطيح بعتاولتها وقواديها ووسائلهم وقوتهم..
لم يكن من الصعب تنفيذ مخططات جديدة سريعة محترفة لنزع أثر النجاح الباهر للثورة المصرية..
وكان اللعب على وتر الفتنة الطائفية، الورقة الرابحة التي تؤتي ثمارها الفاسدة دائماً، أنجع وأنجح الطُرق لإحباط الثورة وتأخير نتائجها وخطواتها الفعالة..
ولا تنسوا أنها كانت ورقة فعالة جداً في يد الحكومة لتشتيت الناس عن التفكير في الإصلاحات، وما تفجير كنيسة القديسين منا ببعيد قُبيل الثورة بأيام..
ولقد ثبت أن مُدبرها هو حبيب العادلي (ولا هو حبيب ولا عدلي).. والأخير عميل للحكومة المخلوعة.. وهذا الرجل لديه كل ما يُدين الحكومة من جرائم شنيعة نعلمها، ولا نعلمها، فما خفي كان أعظم..
لأنه كان يملك الجهاز الذي يقبض به الحاكم العميل على البلد بكاملها بيد من حديد، والذي يضمن بقاء عصابة المسئولين في الحكومة المخلوعة في أماكنهم..
ولكن الله دمر مُلكهم، ودمر جهازهم العتيد.. وهو إلى زوال كامل بحول الله تعالى..
إنها سلسلة مافيا رهيبة جحيمية شيطانية..
رأسها ليس الحاكم، فما هو إلا أحد حلقات هذه السلسلة القذرة..
رأسها يمتد إلى أوكار أعدائنا..
أعدائنا منذ قرون..
سلسلة تشبه سلسلة مجرمي المخدرات، وشبكات الدعارة، وما هي من أعدائنا بمقطوعة ومنفصلة، وإن كانت أفرع من فروع الفساد التي يعيثون بها في البلاد، تؤكد على مدى قوتهم ونفوذهم، وتفانيهم في سبيل هدفهم.. وهو أن يكونوا سادة العالم، ونكون نحن خُدامهم وحميرهم..
إن النصارى كانوا وما زالوا جزء صميم من الشعب المصري.. والجور والاضطهاد والتعسف والظلم كلها وسائل وطُرق وقوانين وممارسات كانت تُمارس على الجميع، كل المصريين.. مسلمين ونصارى..
بل إن كل مَن كان يتحدث عن الإسلام ويدعوا لنظامه، ولتحكيم منهجه يُقابل بالسجن والتعذيب والقتل في سجون أمن الدولة.. ولم يكن هذا بقليل.. بل هذا كان دأب النظام البائد..
بل إنه من فرط محاربة رموز الإسلاميين، ونشاطاتهم ودعوتهم بكل الوسائل الإعلامية والردعية تأثر المصريين من المسلمين أنفسهم حتى بهذا السلوك الخبيث ودعاوى التفزيع والترهيب من الإسلاميين وتيارهم ومشاريعهم..
وصاروا كالبلهاء يُداولون نفس الدعاوى، والاتهامات ويلوكونها بألسنتهم..
وعن طريق هذه الادعاءات التي خيمت بعد الثورة بدا أن لا شيء قد تغير.. هذا هو الهدف.. وكأننا سنعود لنفس النقطة التي توقفنا فيها قبل اشتعال الثورة..
لم يتغير المصريين..
ما هي الجدوى من الثورة ؟
خِلافات تنبثق، ومُشاحنات تنشب، وحسابات قديمة يُعاد فتحها.. وبدل أن نشعر بأن الجو يتجه للأمام، بشمس وعهود جديدة، ونفوس صافية تتغير للأحسن.. عاد الجو القديم بقتامته.. فشعرنا أن لا جديد.. وتركنا المستقبل الرائق يتلغم ويتلبد بالسواد مرة أخرى..
وعشنا في الماضي بهذه المحاولات والفخوخ والأيادي الخبيثة الخفية التي زرعت الأحقاد، وبذرت بذور الشر، وروتها بدماء الأبرياء، والذين خاضوا وراء الوساوس والإشاعات والدسائس..
وللأسف أن الإعلام يؤازر تلك الفئات المندسة، ويدعم تلك الدسائس، ويُكبرها..
والإعلام له يد آثمة في هذه القضية، وله مُساهمة لا بأس بها، وإن كانت أكبر الوسائل والمُساهمات في التضليل والغي وترويج الدسائس..
لذلك أعود وأنادي بأن المظاهرات ينبغي أن يكون في مقدمتها رموز إسلامية ونصرانية مشهود لها بالاعتدال.. وفيما عدا ذلك فلا اعتراف بأي مُظاهرات لا يعتنقها مسلم أو مسيحي معتدل..
وبالتالي تقع تحت طائلة القانون، والعقوبات الصارمة لمثيريها ومُشاغبيها..
أنا متأكد أنه ليس هناك أي بُغض بين المسلمين والمسيحيين في مصر..
البُغض صناعة غربية، والتفريق قاعدة احتلالية لهم كي يسودوا، ويتفوقوا، ويتجبروا، ويتحكموا، ويكسبوا...
والإعلام وحده هو صاحب هذه المكيدة الماكرة.. وهي التي استحدثت هذه المصطلحات، وكبرت وهولت من صغائر المشاكل التي قد تحدث بين أي طرفين سواء مسلمين أو مسيحيين، أو بعضهما معاً..
هذا الإعلام بمساوئه، التي طالما شكا منها الجميع في العالم أجمع..
إن آفة هذا العصر مثلما هي ميزة العصر هي الإعلام..
الإعلام سلاح ذو حدين، نافع وضار.. وحده الضار المؤذي أشد وأبلغ وأكثر تأثيراً من حده النافع.. وهو أكثر استخداماً على المستوى العالمي لتفعيله في الحرب على العرب والمسلمين..
والعرب ليسوا هُم المسلمين وحدهم، بل المسيحيين وكل الطوائف المنتمية إلى بلاد العرب..
لم نسمع عن أنه كانت هناك بغضاء بين المسلمين وأصحاب الديانات الأُخرى.. كنا نعيش منذ مدة قريبة في وئام وسلام واندماج..
فما الذي حدث الآن ؟!!..
ما الذي حدث الآن ؟، ولِمَ الآن ؟..
ولِمَ في فترات معينة، وليس دائماً ؟..
أليس هذا مُتزامناً مع عصور الفساد القريبة ؟..
إذن فهو ليس أصلاً، بل طارئاً..
طارئاً لأغراض دنيئة لا تبغي إلا الفساد في الأرض..
والأرض قد يُسيطر عليها الشيطان إذا ما اختار بقعة استراتيجية تُمكنه من الاستحواذ على العالم..
كل هذه الفتن المتنامية ما هي إلا نتائج عوامل صعبة جداً جراء الفساد العالمي الذي أحكم سيطرته عل العالم العربي والإسلامي..
الثورة لم تتخلص من هذه السيطرة بعد.. وما زالت هذه السيطرة تُمارس عملها الشائن بكل النشاط والفاعلية..
إن الثورة عندما انفجرت صُعقت السيطرة الغربية، ووقفت موقف المصدوم المتجمد المُرتبك !!..
في هذه اللحظات بانت الحقيقة بائنة ساطعة.. لقد ظهر المعدن الحقيقي للشعب المصري قلباً وقالباً.. وهذا ما يُمكن أن نحم به حقاً على الفتنة الطائفية المزعومة..
ودعنا من كل الكلام والتحليلات التي يُرددها الجميع كالببغوات الحمقاء، وكأنهم أفواه إعلامية إضافية مُلحقة للمؤسسات الإعلامية الكُبرى..
إنني أُصدق ما رأيته ورأيناه جميعاً في ميدان التحرير في القاهرة، وفي ميادين كل المدن المصرية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب..
تلك هي الحقيقة.. تآلف تام، وتماسك وتآزر تامين، واندماج تام.. وحب وود تامين أفضل من أيام الماضي البريئة..
فأي معنى الآن للتحليلات التي تقول أن هناك كُره وبُغض بين المسلمين والأقباط مدهون بحب يشبه قشرة الذهب على المعدن الرخيص..
لا يُمكنني أن أُصدق أبداً..
الحقيقة ظهرت في أبلغ أوقاتها.. وفيما عدا ذلك هُراء تام باطل..
وتلك المُحاولات لإثبات الفتنة الطائفية، ما هي إلا محاولات مبطنة بإجهاض الثورة إجهاضاً مؤداه وسبيله إلى العُقم الأبدي للمصريين، ودمارهم..
والثورة هي أمل المصريين ككتلة واحدة.. وهي مستقبلهم وشروقهم، ورخائهم ووِئامهم، وخلاصهم من الفساد في الأرض، وطلبها مُعوجة..
أهم أهداف الثورة أن تبقى مِصر، ولا تنقص.. فإذا نقصت وتشتت أهلها، فلا حديث عن نجاح للثورة، بل انهزام وانتكاسة وخيبة ونصر للشيطان.. ولا أحد منا يريد أن ينتصر الشيطان، لأنه لا يُحب الخير لأياً كان، وهو يكره البشر، ويبغض الإنسان، ويريد أن يقوده حتى مهاوي الجحيم..
فليتذكر الجميع ذلك جيداً، ويُفكر فيه، ويقلبه في ذهنه، ويُراجع نفسه..
فأي احتقان، وأي بركان.. وأي انجراف.. وأي سقوط نحو الهاوية يتحدث عنه القوم ؟؟..
بسبب ماذا ؟.. بسبب فتنة طائفية أم مؤامرة دنيئة ؟؟..
هذا هو السؤال المهم الذي يجب أن نسأل أنفسنا إياه آلاف المرات..
فتنة طائفية بين المسيحيين والمسلمين أم مؤامرة دنيئة ؟؟
لأن الفتنة الطائفية هي مشكلة شعب منذ نشئ، ولكن الحقيقة أن الأمر طارئ وقريب جداً.. ولا يُمكننا أن نُسمي التواجد الطائفي في بلدٍ ما بأنه مثار للفتن الطائفية.. فهناك كثير من البلدان التي تختلط فيها الطوائف، وليست هناك فتن طائفية بينهم..
ولكن في بلد مهم كمصر، وبالرغم من تآلف المسلمين والمسيحيين لمئات السنين، فالآن قد وصلنا لعهد عاتي من الظلم والتدليس والخداع.. فيه يلعب الشيطان بكل الأوراق الخسيسة التي تُفرق شعب مصر عن تماسكه واتحاده، حتى تتقطع مصر قطع عديدة..
ولو قُطع من مصر مجرد جزء بسيط، فلن تكون مُصر، ولن تكون للمصريين..
لأن مصر مصر بأهلها.. بأهلها المسيجيين والمسلمين..
إذن فاستغلال ورقة الفتنة الطائفية هي مؤامرة دنيئة لا ريب.. ينبغي كعاقلين أن نُدرك أبعادها.. وإلا لا نستحق أن نكون إعلاميين ومفكرين ومحللين، وذي انتماء للوطن، نخاف على وطننا حقاً..
فالأمر ساطع كالشمس..
ونحن إذ نقول ذلك فحرصنا على الثورة هو حرص على كل المصريين مسلمين ومسيحيين..
وتحذيرنا للكل.. مسلمين ومسيحيين..
إنها مصر أيها المصريين.. لو عرضتموها للفصل والتقطيع فأنتم لا تستحقون أن تكونوا مصريين.. ستكونون جميعاً خونة.. وتستحقون أن تعيشوا عبيداً أذلاء مُهانين.. وقد كان جحيم مبارك هو ما تستحقونه فعلاً، وما ربك بظلامٍ للعبيد..
إنني أُكرر رؤيتي لحل الأوضاع المتشابكة والمتفاقمة..
المظاهرات ينبغي أن يكون في مقدمتها رموز إسلامية ونصرانية مشهود لها بالاعتدال تتبنى مطالب معينة لفئات معينة تكون واقعة تحت شرط الاعتدال والتوازن والمعقول.. وفيما عدا ذلك فلا اعتراف بأي مُظاهرات أو مطالب أو اقتراحات لا يعتنقها أو يتبناها مسلم أو مسيحي معتدل..
تلك الرموز هي عقول الشعب، وقواده إلى وحدة مصر وتماسكها ضد أي عابثين مارقين يعملون من الخارج أو من الداخل..
تلك الرموز الائتلافية فيما بينها هي التي ستُحدد مسار الثورة، وتُقومها كلما حادت عن الطريق وعن الهدف الباذخ بالرخاء العميم..
هذا مهم للغاية ولأبعد الحدود في واقعنا المتأزم الحالي.. وهو من الأهمية بمكان لإنقاذ الوضع المتفاقم، الذي يُوشك أن يُودي بمصر والمصريين، إلى قيعان الجحيم، ولن يفوز أي طرف بأي مكاسب، وهذا حق اليقين..
فالهزيمة والخسران هي النتيجة الحتمية لكل الأطراف إذا تصاعدت المواقف، وتصادم المُتواجهين..
تلك الرموز يُمكنها أن تُعيد الاحترام القديم لحكيم العائلة، وكبيرها..
أن يستعيدوا تلك القيم الأصيلة التي تضمن التسامح والحب والعدل والتآلف والتوحد والتماثل والتشابه، وليس لفت الأنظار، ولا تحديد الهوية الدينية على حساب الوطنية.. ولا التمزق، والتباغض، والافتراء، والرفث والفسوق...
لقد آن الأوان ليتحد المصريين من أجل مصر..
لقد آن الأوان لتعلوا من المسلمين والمسيحيين لواءات منهم للائتلاف برموز معتدلة عاقلة حكيمة هدفها الأسمى مصر للمسلمين والمسيحيين معاً، مندمجين منسجمين..
عُمر أمير الخيال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.