دفعتنى أحداث حرب 48 إلى ترك قصص شارلوك هولمز وأرسين لوبين والتحول إلى قراءة الصحف.. أتابع فيها ما يجرى من أحداث دامية بين العرب واليهود، وكان عمرى وقتها أحد عشر عاماً.. منذ ذلك التاريخ لم أنقطع عن متابعة الأحداث السياسية فى مصر والعالم العربى وفى مناطق أخرى من العالم، حيث ترتفع درجة حرارة الأحداث.. حين قامت ثورة يوليو 1952، اتجهت عواطفى نحو هؤلاء الضباط الذين قاموا بالثورة، وفى مقدمتهم اللواء محمد نجيب، الذى استحوذ على النصيب الأكبر من حب الجماهير، ومن بعده ذلك الشاب الأسمر الطويل، الذى وصفته الصحف بأنه الرجل الثانى بعد محمد نجيب وهو جمال عبدالناصر.. حملت الثورة منذ بدايتها آمالاً وأحلاماً جميلة لكل من كان يتطلع إلى غد يتبدد فيه الظلم وتزول فيه المهانة.. حين بدأت أزمة مارس 1954، بدأ معها الشعور بخيبة الأمل ينمو، على الرغم من عدم كفاية المعلومات التى تنشرها الصحف لمعرفة تفاصيل ما يحدث بين ضباط الثورة، وبلغ الشعور بخيبة الأمل ذروته بعد استبعاد محمد نجيب وتحديد إقامته، وعلى الرغم من أن بعض الصحف قد أشارت فى ذلك الوقت إلى تبنى محمد نجيب وجهة نظر السياسيين القدامى بإجراء انتخابات، إلا أن ذلك لم يكن ليخفف من سخطنا على جمال عبدالناصر ومن معه من الضباط لاستبعاد محمد نجيب!! لكن ما تكشف بعد ذلك جعلنا نندهش لما وصل إليه تفكير هؤلاء السياسيين القدامى، ذوى الأسماء التى كانت تسطع فى عالم السياسية المصرية والعربية!! إذ كيف يتخيل هؤلاء أن إغراء محمد نجيب وحده باستمراره رئيساً للجمهورية بعد الانتخابات اعتماداً على شعبيته كافٍ لأن يعودوا إلى كراسى الحكم؟! وكيف لرجل مثل محمد نجيب -الذى كان يعلم بالدور الحقيقى لجمال عبدالناصر فى الإعداد لهذه الثورة وبأدوار زملائه فى إنجاحها- أن يتخيل أنهم سوف يقبلون ببساطة أن يعودوا إلى ثكناتهم العسكرية؟! التى يعرفون تماماً أنهم لن يمكثوا فيها إلا فترة حتى يستقر الحكم ثم يغادرونها إلى بيوتهم بالأمر!! حقيقة الأمر أن هؤلاء السياسيين القدامى كانوا من الغباء بحيث تخيلوا أن إقناع محمد نجيب بخطتهم الغبية هو مربط الفرس.. لقد أخطأ محمد نجيب التقدير عندما اعتقد أن شعبيته الجارفة كافية لأن تنهى قصة هؤلاء الضباط، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل تحقيق أهدافهم، قبل أن يضعوه على رأسهم بعد أن تحقق حلمهم!!