المبدأ الوحيد الذى كان يستحق أن يكون فوق الدستور هو احترام إرادة الشعب الحقيقية. على الإسلاميين ألا يشتبكوا مع الآخرين فى معارك جانبية.. وأن يهتموا بقضايا رئيسية تحتاجها مصر على وجه السرعة.. ألا وهى: 1- إنقاذ الاقتصاد المصرى قبل أن ينهار تماماً. 2- المساهمة فى تعزيز الأمن. 3- إعانة الفقراء وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء تمهيداً لإقامة العدالة الاجتماعية. إعطاء زكاة الفطر نقداً رأى حكيم متوافق مع زماننا وبلادنا.. وأيسر للغنى والفقير.. وقال به أئمة عظام من السلف منهم أبوحنيفة والحسن البصرى والخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز وسفيان الثورى وعطاء وأشهب من المالكية. ويراه من المعاصرين معظم علماء الأزهر وعلماء الإخوان والجماعة الإسلامية والجمعية الشرعية والألبانى من السلفية. ورغم ذلك يصر البعض على إلغاء هذا الرأى وتسفيهه.. وكأن هؤلاء جميعاً ليسوا من السلف.. وليسوا أهلاً للاجتهاد. ونسوا أن معاذ بن جبل سبق كل هؤلاء الفقهاء فى هذا الاجتهاد.. حينما قال عن الزكاة «ايتونى بعرض ثياب قميص أو لبس فى الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبى، صلى الله عليه وسلم».. وكأنه يقول لنا جميعاً إن الإنسان لا يحتاج إلى الطعام فقط.. ولكنه يحتاج إلى أشياء أخرى كثيرة. فإذا كان هذا فى زمن معاذ بن جبل.. فكيف يكون الحال فى زماننا؟! والغريب أن بعض هذه المساجد تمنع الناس من دفع الزكاة نقداً.. وتطالب المصلين بأن يدفعوها للمسجد وينيبوا القائمين عليه فى دفع الزكاة عنه عيناً. وهل المسجد أعرف بالفقراء والمساكين والمحتاجين من كل واحد منا؟ فالفقراء حولنا فى كل مكان.. ومعظم الفقراء الذين يذهبون للمساجد متسولون محترفون يدورون على كل المساجد ويسجلون أسماءهم فى كل الجمعيات الخيرية دون حياء.. وأعرف فقراء حقيقيين لا يسأل عنهم أحد لأنهم ممن قال الله عنهم «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ». يا قوم يسروا ولا تعسروا.. وأحسنوا الجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى. ينبغى على الحركة الإسلامية أن يكون تفكيرها استباقياً..وأن تأخذ زمام المبادرة دائماً فى الوفاق الوطنى.. وألا تستفز من التوافه.. فالشقيق الأكبر يفترض أن يكون حليماً رفيقاً شفوقاً عطوفاً.. يجمع ولا يفرق.. ويقرب ولا يباعد.. يحتوى الآخرين. هناك أزمة فى بعض المنتسبين للتيار الإسلامى.. وهى غلبة العاطفة على العقل السياسى.. فالعاطفة والحماسة قد تصلح للثورة.. ولكنها لا تصلح فى إقامة توافق سياسى يخدم الوطن وينهض به.. ولا تصلح فى التعامل مع الأزمات السياسية الداخلية والخارجية التى ستواجهها مصر بين الحين والآخر. على الإسلاميين أن يجهروا برفض المحاكم العسكرية للمدنيين كمبدأ عام لا يستثنى منه أحد.. لأن الدائرة قد تدور عليهم غداً.. ومن رضى لأخيه بشىء لحقه بعد ذلك.. والمخطئ من المدنيين يحاكم أمام قاضيه الطبيعى.. وكل ذكريات المحاكم العسكرية مع الشعب المصرى عامة والإسلاميين خاصة بالغة السوء. نريد أن نرى الآن نماذج صوفية مشرفة تجمع بين طهارة الظاهر والباطن وصلاحهما ونقائهما وتنفذ قول الله تعالى «وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ».. مثل د. عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، الذى لم يكن يجمع طوال حياته بين ثوبين ولا حذاءين أبداً.. رغم أن الدنيا كلها كانت تحت يديه وقدم استقالته للسادات من أجل الشريعة الإسلامية.. وزرع المعاهد الأزهرية فى كل قرية ونجع وكفر.. دون ضجيج أو استعلاء أو مَنِّ أو فخر.. قتل الجيش الإسرائيلى لضابط وثلاثة جنود مصريين يعد جريمة منكرة تستوجب الرد القوى الذكى المؤثر. وعلينا أن ندرك أن الخاسر الأكبر فى كل الثورات العربية هو إسرائيل.. ولذلك تحاول جرجرة مصر إلى حرب لا تريدها ولا ترغبها وفى الوقت الخطأ.. كما فعلت مع عبدالناصر.. ومصر اليوم بلا رئيس ولا برلمان ولا اقتصاد قوى وأحزاب سياسية متصارعة.. مع جيش منشغل بهمومه الداخلية.. فلنحذر أن نغلب العاطفة على الحسابات العسكرية والاستراتيجية الدقيقة. أحسن بيان الأزهر حينما نص على أن وثيقة الأزهر هى استرشادية وليست إلزامية.. وهذا من ذكاء الأزهر.. فالممنوع مرغوب دائماً.. والمفروض مكروه.. حتى وإن كان صواباً.