حتى ظهر الجمعة لم أسمع أو أقرأ أو أشاهد ممثلاً عن وزارة الداخلية أو مديرية أمن الإسكندرية، يحاول أن يتواصل مع الرأى العام، وأن يقول كلمته فى قضية مصرع الشاب خالد محمد سعيد. المؤكد أن خالد لم يمت قضاء وقدراً، لم تنتابه نوبة قلبية مباغتة وهو يجلس فى «نت كافيه» بسيدى جابر، وإنما مات نتيجة اعتداء واضح ووحشى عليه، على الأقل كما تشير صوره بعد التعذيب المنتشرة على صفحات «فيس بوك»، وكما يقول شهود العيان. كان خالد «28 عاماً» يجلس فى «نت كافيه» فى بوباست، بمنطقة كليوباترا، التابعة لقسم شرطة سيدى جابر، كعادته كل مساء، حين دخلت المكان قوة من مباحث سيدى جابر برئاسة النقيب أحمد عثمان، وبدأت فى تفتيش الموجودين، وحين استفسر خالد عن السبب «مجرد استفسار» عاجله اثنان من المخبرين بالضرب والسحل أحدهما اسمه عوض والثانى اسمه محمود الفلاح، وأمسكا برأسه ورطماه فى الحائط الرخامى بالمقهى واقتاداه إلى خارج «الكافيه» سحباً، وسحلاً، وانهالا عليه ركلاً وضرباً ورطماً لجسده بمدخل العقار وبوابته الحديدية، حتى لفظ أنفاسه، ووضعاه فى سيارة شرطة انطلقت بهم بعيداً، لكنها عادت بعد دقائق لتلقى جثته فى الطريق. هذه رواية شهود عيان، ولا أعتقد أن مديرية أمن الإسكندرية يمكن أن تكذّب كل تلك الوقائع، ربما تستطيع بما أن «الدفاتر دفاترهم» أن تقول إن النقيب أحمد عثمان كان فى «الراحة» أو أن المخبرين عوض والفلاح كانا فى ضبطية ما فى موقع مختلف، لكنها مطالبة بما أنها جهة الأمن المسؤولة، بأن تجيب عن سؤال من صلب مهمتها ووظيفتها: كيف مات خالد محمد سعيد؟ ولماذا؟.. وعليها أن تقدم المتهمين للعدالة، لأن من راح راح بسبب تعذيب واعتداء واضح تثبته العين المجردة، وراح بسبب جريمة مكتملة الأركان، وعليها أن ترد على الاتهامات الموجهة لها بأن رجالها هم الذين قتلوه، وهم الذين يمارسون إرهاباً على أهالى المنطقة لمنعهم من الشهادة فى هذه القضية. الطبيعى أن يظل المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، لكن عندما يكون المتهم هو جهة الأمن نفسها بكل ما تملكه من قدرات على نفى الاتهامات عنها بيقين مقنع، تصبح مباحث سيدى جابر مدانة حتى تثبت براءتها. ليس من مصلحة وزارة الداخلية أن تتستر على مجرمين، أو تتعامل مع الموقف بمنطق «قبلى وجاهلى» أو على طريقة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فإما أن تقول كلاماً مقنعاً ينفى عن رجالها التهمة دون استهزاء بعقولنا، وإما أن تبادر بنفسها لوقف المتهمين وتقديمهم للمحاكمة، وترك القضاء يفصل فى النهاية، والتبيه على رجالها فى الإسكندرية باحترام القانون أولاً، وعدم استغلال نفوذهم فى ترهيب الشهود، أو العبث بمسار القضية. لم تخسر «الداخلية» شيئاً عندما أدين الضابط إسلام نبيه فى جريمة تعذيب، ولن تخسر شيئاً لو أدين العشرات كل عام، لكنها ستكسب أكثر عندما تقدم نموذجاً واضحاً على أن سيف القانون يطول رجالها بحزم عندما يخطئون، وأنها لا تتستر على القتلة.. هى بذلك ترسل رسالتين الأولى للرأى العام حتى يطمئن قلبه، والثانية لرجالها حتى يشعر من فى قلبه مرض أن النظام لا يحمى المستكبرين...! [email protected]