مؤتمر الوفاق القومى، مؤتمر الحوار الوطنى، مؤتمر حوار شباب الثورة، ومؤتمر.. ومؤتمر.. اللهم لا اعتراض، أنا أؤيد المؤتمرات وأشجع الحوارات، شريطة أن تكون لها أچندات واضحة، ومخرجات مهمة، كمواطن أزعم أننى لم أشعر بمخرجات هذه المؤتمرات، ربما العيب منى، وربما العيب فى الإعلام، فلا أعيب على «الحوار» فالعيب فينا، وما «لحوارنا» عيب سوانا، وكلنا متأكدون من عدم تلجيم أى «حوار» تم إطلاقه حول أى موضوعات، وسواء كان الحضور ممن جلس واستمع، أو ممن ركب «الحوار» وانطلق، فإننا نحسن الظن بهم، ونفترض أنهم توافقوا على مجموعتين من التوجهات ليس لهما ثالث. أولاً: توجهات تخص تنظيم المرحلة الانتقالية، مرحلة ما قبل الدستور والبرلمان والرئيس، مثل التوجه حول موضوع النظام الانتخابى الذى يعمل على تقوية دور الأحزاب فى الحياة السياسية، وفى الوقت ذاته لا ينتقص من حقوق المواطن فوق الدستورية، والتى تضمن له حق الترشح وحق اختيار النواب، ومنها أيضاً الموضوعات التى تخص اقتصاد الدولة خلال الفترة الانتقالية، وتوجهات الخروج من الأزمات المالية الحالية، مع تجنب الاستدانة من الخارج قدر الإمكان، ومنها المسألة الأمنية وهيبة القانون، فالقانون دون قوة تحميه هو والعدم سواء، مثل هذه المواضيع لا أظن إلا أن المؤتمرات توافقت عليها، وأفترض أنه تم عرض التوصيات والتوجهات على المجلس العسكرى والحكومة الانتقالية، لتصدر مراسيم بقوانين مؤقتة تُطبق خلال الفترة الانتقالية، تستمد شرعيتها من توافق طوائف الشعب عليها. ثانياً: توجهات حول قضايا يمكن وصفها بأنها قضايا كلية، ذات علاقة بالثوابت السياسية والاقتصادية للدولة، فلا شك فى أن الحوارات تطرقت لمثل هذه القضايا الكبرى وتوافقت على الرؤى بشأنها، لتمثل التوجهات الأساسية للدستور الجديد، مما سوف يسهل عمل اللجنة التأسيسية فى وضع دستور البلاد، وأنا أفترض أن الحوارات لابد أن تكون قد تناولت قضايا كثيرة من هذا النوع مثل مسألة دور الدولة فى الاقتصاد: هل يقتصر على الرقابة والتحفيز أم يتسع لتوجيه وتطوير الأنظمة الاقتصادية فى البلاد، ويمتد للتصدى للمخاطر التى قد تنشأ عن إطلاق حرية الأسواق، وهى مخاطر كثيرة، منها الخارجية الناتجة عن تحديات العولمة، من ضعف التنافسية، واتساع الفجوة التكنولوچية، مما يؤدى فى النهاية إلى زيادة فى البطالة، ومنها المخاطر الداخلية التى يتعلق بعضها بالممارسات الاحتكارية.. المهم أن التوافق حول «دور الدولة» هو من التوجهات الدستورية المهمة التى لابد أن تكون الحوارات خرجت بتوافق عليها، ومن الأمثلة المهمة الأخرى للقضايا الكبرى التى لا يمكن لأى «حوار» أن يغفلها، قضية إدارة الدولة مركزياً أو لا مركزياً، فعلى الرغم من أن الدستور القديم نص فى مادته «161» على أن القانون يكفل دعم اللامركزية فى الإدارة المحلية، فإن القانون المعمول به، وهو القانون 43 لسنة 1979 وتعديلاته، كان معيباً لدرجة كبيرة، فنشأت مجالس شعبية محلية شكلية لا تستطيع مراقبة أداء الأجهزة التنفيذية ولا تملك محاسبتها..، ولأن اللامركزية فى إدارة الدولة فيها تعميق للديمقراطية، فالمحافظ المنتخب تتم مساءلته واستجوابه أمام المجلس الشعبى المحلى المنتخب فى أى أمر يخص شؤون المحافظة، وعلى العموم أنا لا أظن أن هناك «حواراً» يمكن أن يُهمِل مثل هذه القضية، وأعتقد أن الحوارات التى أُجريت قد أنتجت تصوراً شاملاً «للتوجهات الدستورية» التى ستأخذ بها الهيئة التأسيسية للدستور حال انتخابها، وسوف نكون شاكرين مهللين إذا تم نشرها من الآن على جميع المواطنين، ولا لزوم لترديد قول سفيان ابن عينيه: خل جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام إنما السالم من أل جَمَ فاه بلجام