من أنتم؟

على شاكلة المقولة المعروفة: قل لى من هم أصدقاؤك أقَل لك من أنت، أقول: حدثنى عن القوانين التى تختص بالمرأة فى دولتك أقل لك من أنتم؟ فكلما اتسمت تلك القوانين بالعدالة والرحمة والمساواة، دل ذلك على مستوى التمدين والرقّى الذى وصلت إليه هذه الدولة، وكلما اتسمت بالظلم والقسوة والتمييز كان ذلك دليلا على التخلف الفكرى والعقلى حتى ولو أحاطت بتلك الدولة كل مظاهر التحضر والعصرية، مقدمة ضمنها ما أعتقده وأنا أرقب فى حيرة ودهشة ما دار خلال الأيام الماضية فى دولتين مجاورتين فيما يخص قوانين جديدة كانت فى طريقها إلى الإصدار لولا هبّة النساء هناك ضد ما وجدنه منافيا للمنطق وللعدالة بتلك المشاريع للقوانين التى تتعلق فى مجملها بالمرأة، خاصة المرأة فى أضعف حالاتها، أى وهى ما زالت طفلة صغيرة أو قاصراً أو تحت سن الإدراك الكامل أيا كانت التسمية.
ومن الغريب أن تكون تركيا تلك الدولة التى سارت طريقا طويلا نحو العلمانية هى إحدى الدولتين وأن تكون تونس التى كانت نساؤها موضع إعجاب وحسد من نساء العرب بحكم القوانين التى تحكم الزواج والطلاق هناك على سبيل التحديد والتى أكسبها الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة العديد من المميزات من سنوات طويلة مضت أن تكون هى الدولة الثانية، فإذا أضفنا لتونس بالذات هذا الدور العظيم للمرأة التونسية مُتزامنا مع الثورة التونسية عام 2011 فإن العجب يزداد.
فى تركيا أثار مشروع قدمته الحكومة لتبرئة المدانين باعتداءات جنسية على الأطفال إذا تزوجوا من ضحاياهم اعتراضات وانتقادات واسعة ورأت فيه القيادات النسائية التركية بل الشارع التركى تشجيعاً على اغتصاب الأطفال، بينما رأى فيه من عرضوه من الحزب الحاكم حماية لصغار السن بتزويجهم بطريقة قانونية وأكدوا أن القانون سيتم تطبيقه بأثر رجعى فقط، لكن النساء فى تركيا كان لهن رأى آخر واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعى بغضبهن وارتدت العديد من الفتيات ملابس بيضاء كفساتين الزفاف ملطخة بالدماء وقمن بالسير فى شوارع إسطنبول وغيرها من المدن التركية احتجاجاً على مجرد عرض هذا القانون الجائر كمشروع على البرلمان التركى ونجحن فى إيقافه.
فى تونس كانت الحكومة قد أعلنت عن خطط لتعديل قانون يسمح بزواج مغتصب الفتاة القاصر منها لتجنب الملاحقة القانونية، أى الملاحقة القانونية للجانى أى إفلاته من العقاب، نشطت النساء هناك وأطلقن على هذا القانون المزمع إصداره (قانون العار) ونظمن مظاهرات عديدة طافت فى شوارع تونس رُفعت خلالها لافتات مكتوب عليها: (اغَتصبها مرّة والقانون يسمح له باغتصابها كل ليلة) و(السجن مدى الحياة للمغتصب وليس الزواج) تحركت النيابة هناك وطالبت بإلغاء ما من شأنه السماح بزواج هؤلاء الفتيات الصغيرات المغتصبات.
أما فى لبنان فقد كان الوضع مخالفا حيث تم إلغاء مادة فى القانون كانت تسمح بإفلات المغتصب من العقاب مما ترتب عليه إمكانية مقاضاة المعتدى والحصول على تعويض، وكان وراء إلغاء تلك المادة نساء لبنان اللائى اعتبرنه انتصارا لحركة المجتمع المدنى وللحركة النسائية اللبنانية.