كلما زرت إمارة دبى الإماراتية، سواء للعمل أو للسياحة، أتأكد أن لديهم قدرة فطرية على الإبهار.. منتدى الإعلام العربى أو القمة العالمية للحكومات هى فعاليات مبهرة، نسعد بحضورها، لكن الإبهار الحقيقى، بالنسبة لى، جاء مع إعلان المعهد الدولى للتسامح فى دبى، وهو معهد تابع لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم، عن إطلاق مبادرة الشبكة العالمية للتسامح، والتى تهدف إلى أن تكون منصة متفردة بكل ما يتعلق بفكرة التسامح، وذلك فى عالم عربى يعج بالصراعات الناشبة بالفعل، والمتوقع نشوبها. التسامح هو الفريضة الغائبة عن عالمنا العربى، مفرداتنا دومًا هى الانتقام والثأر والقصاص، لكن لا نعرف المحبة والتسامح والتآخى.. والقمة العالمية للتسامح فى دبى، فرصة مهمة للتأكيد على ما غاب عنا لفترة. فى العام الماضى، شارك بالقمة الأولى حوالى ألفى مشارك، من 105 دول، مع حضور 64 وسيلة إعلامية، و45 متحدثًا، وقد أقيمت القمة تحت شعار: «تحقيق المنفعة الكاملة من التنوع والتعددية: مجال حيوى للابتكار والعمل المشترك».. وهذا العام، أعلن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات عام 2019 «عامًا للتسامح»، محاولًا فرض الإمارات العربية الشقيقة عاصمة للتسامح العالمى.. وإعلان هذا العام عامًا للتسامح مع إقامة القمة للمرة الثانية، يؤكد أن هذا العمل يراد له الاستدامة. سيدور الإطار العام لقمة هذا العام التسامح حول محاور رئيسة، الغرض منها هو إنعاش قيم التسامح والتعايش والانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى وقبول التعددية والبُعد عن الاستقطاب والتعصب، وهذه المحاور هى: التسامح فى المجتمع: يهدف إلى تعزيز قيم التسامح الثقافى والدينى والاجتماعى فى الأسرة والمجتمع من خلال سن مجموعة من التشريعات والسياسات، وتفعيل دور المراكز المجتمعية التى تسعى إلى تشجيع كل فئات المجتمع لاحتضان ثقافة التسامح كنمط حياة يومى، والإيمان بالتعدد والتنوع الثقافى كوسيلة لتنمية وبناء المجتمع. القمة العالمية للتسامح هذا العام ستركز على طرق تعزيز مبادئ التعايش السلمى والاحترام المتبادل وتقبل الآخر وتفهمه وحفظ الكرامة الإنسانية وتحقيق الصداقة بين البشر على تنوع واختلاف أديانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم ولغاتهم، عبر تناوله قضايا حياتية مختلفة فى مجالات عدة من تعليم وبيئة العمل ودور القيادات الحكومية والدينية فى إرساء قواعد التسامح وقضايا المساواة والعدل وغيرها، وتشمل جميع فئات المجتمع من نساء ورجال وشباب، حيث سيتم تخصيص محاور وتوقيت لهم لتبادل وجهات النظر والحوار حول بناء مجتمع يملؤه التسامح والسلام. الطبيعة الإنسانية النقية تنحو بشكل فطرى نحو النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين، لكن الجزء السلبى داخل كل منا هو الذى يجعلنا نحيد عن هذه الفطرة. على الرغم من أن للتسامح متعة لا نجدها فى الغضب والانتقام، فهو يأتى من الأقوى للأضعف، وبالتالى فهو شيمة الكبار، وهو تهذيب للنفس لا يقوى عليه إلا أولو العزم. التسامح مهارة أساسية من مهارات الحياة، وهى مرآة للتحضر.. ولا يتطلب التسامح بالضرورة أن تقتنع بوجهات نظر الآخر، يكفى أن تعترف فقط بوجوده وحقوقه وحريته دون تعصب أو عنصرية أو استقطاب.. مع التسامح، يركز الإنسان على القواسم المشتركة مع الآخرين، ويعمل على إيجادها إن غابت عنه. المتخصصون يُعرفون التسامح على أنه التأكيد الواعى على الأحكام، والمُعتقَدات التى تنطوى على مبادئ العدالة، والمساواة، والرعاية، والنظر فى محنة الآخرين؛ أى تقديم الاحترام، والمساواة للذين يختلفون فى خصائصهم العِرقيّة، والدينيّة، والجنسية، وغيرها.. واختصارًا، فالتسامح هو: «قبول الآخر»، وقد فعلت دبى ذلك منذ سنوات عديدة، وجولة بسيطة فى شوارعها ستوضح ذلك بجلاء.