توريد 82 ألفا و531 طن قمح لشون وصوامع البحيرة.. صور    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد استعدادات الكنائس لاستقبال احتفالات عيد الميلاد    الشرطة الفرنسية تقتحم جامعة سيانس بو    الهلال والتعاون.. شاهد (0-0) بث مباشر مباراة الهلال ضد التعاون في الدوري السعودي    أجمل رسائل التهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024: لمسات تعكس الفرح والمودة    جامعة الفيوم تحتفل على شرف الطلاب المثاليين سفراء النوايا الحسنة    إيبارشية بني سويف تعلن ترتيبات الصلوات وحضور قداس عيد القيامه المجيد    أخبار التوك شو.. مفاجأة في أسعار الذهب والدولار.. ورضا عبد العال: لن أخالف ضميري من أجل الأهلي    بتكلفة 3.5 مليون جينه .. افتتاح مسجدين في الواسطى وسمسطا    القاهرة الإخبارية: إسرائيل تعتقل 44 صحفيًا في السجن الإداري.. فيديو    مصر تقف أمام المخططات الإسرائيلية الهادفة لتهجير سكان غزة إلى سيناء    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    حماة الوطن: تأسيس اتحاد القبائل العربية وتدشين مدينة السيسي خطوتان للأمام    ثمن الخيانة في الوراق.. العشيق هرب من غرفة النوم إلى سرير المستشفى    رئيس الطائفة الإنجيلية يصلي الجمعة العظيمة بالقاهرة الجديدة    بالأسماء.. تعرف على الكتب الأكثر إقبالا بجناح مركز أبو ظبى للغة العربية    اقدر.. مباردة مجتمعية تستقبل زوار معرض أبو ظبي    التضامن تكرم كارولين عزمي عن دورها في مسلسل حق عرب    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    المفتي: مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم على سبيل السلام والمحبة وحسن الجوار    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    أبرزها "توفير مصل التسمم".. "الصحة" تعلن خطة تأمين احتفالات عيد القيامة وشم النسيم    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    انخفاض أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة والمحال    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    تعاون «مصري- يوناني» النسخة الجديدة مبادرة «إحياء الجذور – نوستوس»    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    رئيس جهاز مدينة العبور يتفقد شوارع وأحياء المدينة ويوجه بالتواصل الدائم مع المواطنين    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 مايو 2024.. مصادر دخل جديدة ل«الأسد» و«العقرب» ينتظر استرداد أمواله    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عدوية» والدرس
نشر في المصري اليوم يوم 02 - 11 - 2019

■ فى السبعينيات من القرن الماضى، بدأ ظهور أغنيات «أحمد عدوية» الشعبية، كنتَ تسمعها فى كل مكان عبر شرائط الكاسيت، فى الملاهى الليلية والقهاوى والأفراح والحفلات.. فى كل مكان.. ما عدا الإذاعة والتليفزيون.. فقد رفض المتسلطون على الذائقة الفنية أن تروّج الدولة لأغانى «عدوية»، ومنعوا إذاعتها، لكونها فى رأيهم- «فنًا هابطًا». فعل المنع فعلته المعهودة، فعلى النقيض من هدف القائمين على الإباحة والمنع، زاد الإقبال على أغانى «عدوية»، وانتشرت انتشار النار فى الهشيم. وتحوّل «عدوية» إلى ظاهرة.. ثم مدرسة.
■ كان لظاهرة «عدوية» العديد من الدلالات، عند تحليلها تحليلًا اجتماعيًا/ فنيًا يغوص تحت سطح الظواهر. ولطالما جرت الأقلام والنقاشات بالحط من أغانى «عدوية» واستنكارها، وصارت بين عامة «المثقفين» و«المتثاقفين» مضربًا للأمثال على «انحطاط الذوق». واقع الأمر أنها لم تكن كذلك، وإنما كان الأمر تحذلقًا ثقافيًا منهم، فقد كان صوت «عدوية» صوتًا سليمًا وجميلًا، بشهادة المتخصصين، وعلى رأسهم صاحب القول الفصل، الأسطورة «عبدالوهاب». وبعد أن فرضت أعمال «عدوية» نفسها على الجميع.. سكان القصور وسكان الجحور على حد سواء، شدا بألحان «كمال الطويل» و«بليغ حمدى» و«هانى شنودة»، وكتب له «صلاح جاهين». وسعى الجميع إليه ليُحْيى أفراح الأنجال. كان كبار القوم وصغارهم- أيًا كانت انتماءاتهم الثقافية أو الاجتماعية- يستمتعون بأغانى «عدوية»، ولكن.. حينما يظهر أحدهم فى وسائل الإعلام، أو يُسأل فى حوار عن أحوال المجتمع، يذكر، مُتأفِّفًا، أغانى «عدوية» مثالًا على «الفن الهابط»!. وربما كان هو نفسه يستمتع ويتمايل مع إحدى تلك الأغانى، فى الليلة السابقة على إجراء الحوار معه، أو قبل أن يخط قلمه مقالًا يسخر فيه منها. ولم يكن الأمر مجرد «اختلاف أذواق»، بل كان الغالب هو الادّعاء والتعالى بلا مبرر موضوعى.
■ ذات يوم، فوجئ المتحذلقون من المثقفين بحوار منشور مع نجيب مصر ومحفوظها، يشيد فيه بأغانى.. «أحمد عدوية». نعم كان ذلك رأى «نجيب محفوظ»- وهو المُحِبّ لأم كلثوم وعبدالوهاب- المثقف الإنسانى، غير المتعالى، عميق الرؤية للأمور، والخالى من الادعاء و«العقد والشراشيب».
■ الفن مجال واسع لممارسة الحرية والتعددية، إبداعًا واستقبالًا. وفن الغناء تتعدد ألوانه (أنواعه)، ولكل لون درجاته ومُحِبّوه.. واللون المتعارف عليه باسم «الغناء الشعبى» هو «لون» يتجاور مع غيره من ألوان الغناء الأخرى، ويتكامل معها فى رسم الذائقة السمعية للفرد والمجتمع. هكذا كان الأمر دائمًا. كانت الناس- من جميع الفئات- تستمع إلى «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» و«عبدالحليم»، وتستمع أيضًا إلى «محمد طه» و«محمد رشدى» و«شفيق جلال»، ولا تناقض، فلكل لون من ألوان الغناء مذاقه الخاص، وأوانه «المزاجى» الذى يُستدعى فيه. ولكل منا ذائقة سمعية، تُثرى وتُصقل بقدر تنوع خبرتها بالألوان المتعددة من الغناء.
■ فى كل ألوان الغناء، الشعبى منها وغير الشعبى أيضًا، هناك ما يمكن وصفه ب«الفن الراقى» وما يمكن وصفه ب«الفن الهابط». والمقارنة وفرز الغث والسمين يجب أن تكون فى إطار النوع أو اللون الواحد.
■ كنا فى زمن مضى نستطيع القول بوجود مساحة كبيرة مشتركة من «الذوق العام»، يشترك فيها عوام الناس مع خواصهم. ولَكَم ضاقت تلك المساحة فى يومنا هذا، واستحالت إلى هوّة سحيقة، تفصل بين «أذواق» عالمين يعيشان على أرض واحدة.
■ أغانى «عدوية»، التى أطلقت شهرته: (السح الدح امبو، سلامتها ام حسن، حبة فوق.. وحبة تحت..)، هى أغنيات اتسمت بالبساطة وروح طرافة مفرداتها الشعبية، وإيقاعاتها الحيوية. لا يوجد بها ما يُشين. لماذا مُنعت إذن؟ أين الخطأ؟. لا يوجد هناك خطأ، بل هى «الحذلقة الثقافية». ولو عدنا إلى تسجيلات بعض أساطين الغناء فى العقدين الأولين للقرن الماضى، لعرفنا كم كان تطرف «طرافة» كلمات بعض أغانى تلك المرحلة.. أغانى «عبداللطيف البنا» و«منيرة المهدية» و«نعيمة المصرية» وغيرهم. كانت لهم أغانٍ، ربما أكثرها «محافظة» على سبيل المثال، تقول: «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. لحسن جيرانّا تجرحنا»، و«بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، و«ما تخافش عليّا، دانا واحدة سيجوريا، فى الحب يا روحى واخدة البكالوريا»، وغير ذلك من أغانٍ، تبدو كلمات أغانى «عدوية» بالنسبة لها «مُعلَّقات» كلاسيكية. وكما تبدو لنا اليوم أيضًا، بالمقارنة بما يُسمى- خطأ- «أغانى شعبية»، على شاكلة أغانى «المهرجانات» وأغانى المطاوى والسكاكين والسلاطين وغير ذلك من غثاء.
■ الأغانى الشعبية لها جماهيرية عريضة، لا يمكن التعالى عليها، حتى إن لم تتوافق مع الذائقة السمعية لبعضنا- وهذا حق لهم- ولا يجب تجاهل الملايين من مُحِبّيها لأننا بذلك التجاهل نتركهم فريسة لإلحاح ظاهرة «أغانى المهرجانات» وأشباهها. والإلحاح- كما هو معلوم- يلعب دورًا مهمًا فى تشكيل الذائقة السمعية للناس، بل لسلوكياتهم بصفة عامة.
■ الغناء الشعبى «خطاب فنى»، والردىء منه لا يُقاوَم بالمنع والتسلط، ولكن بتقديم البديل الجيد والترويج له. وقبل ذلك، والأهم من ذلك، ترشيد كافة خطاباتنا المجتمعية الأخرى، وتجريدها من العنف اللفظى والسوقية وقلة الحياء، فسوقية الأغانى المتدنية ما هى إلا انعكاس للغة السوقية السائدة فى كافة الخطابات المجتمعية، وفى القلب منها الخطاب الإعلامى، بنجومه من أصحاب سوابق الخطاب السوقى المتجاوز لكل الحدود، والمعروفين لدى الكافة بالاسم والرسم، ضيوفًا ومُضيفين. وعلى الرغم من ذلك.. مازالت مهرجاناتهم مستمرة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.