هل كان أشهر بائع كشرى فى مصر، وهو يبيع طبقه الشهير بأقل من خمسة قروش، أيام عربة الكشرى الشهيرة، هل كان يتصور أن يبيع يومًا ما هذا الطبق.. نفس الطبق، بثلاثين جنيهًا.. ويا ليت طبق هذه الأيام بنفس طعم وجودة ولذة طبق كشرى أيام زمان؟!. فقد وقفت- منذ أيام- أمام محل للكشرى، بناء على طلب زوجتى وتعليماتها، وطلبت طبقين متوسطى الحجم، مع بعض الإضافات، «الكمالة»، مثل العدس والتقلية والحمص.. ودفعت 85 جنيهًا.. وتساءلت: ماذا لو طلبت خمسة أطباق إذا كانت أسرتى من خمسة أشخاص؟!. وسألت نفسى: وماذا عن ثمن ديك رومى- وليس مجرد بِربِرة بكسر الباء- محشى ومطبوخ بشرائح البرتقال مع كثير من المكسرات.. هل كان ثمن هذا الديك- زمان- سيصل إلى ما دفعته منذ أيام؟!. وكانت القروش الخمسة قد صنعت وأقامت العمارة، بعد أن ودّع عربة الكشرى إياها.. وهنا تذكرت أغنية محمود شكوكو الشهيرة: «وبنيت من الفول والطعمية أربع عمارات»!!. بل وتذكرت وكنا عائدين من رحلة إلى القناطر الخيرية ونحن بعد طلبة بقسم الصحافة فى منتصف الخمسينيات.. أن وقفنا أمام محل كشرى فى أول شارع كلوت بك من ناحية باب الحديد.. وطلبنا «كشرى»، وكان ثمن الطبق «قرشين اثنين فقط»، ومَن أراد بعض الحلو تناول طبق أرز بلبن بقرش صاغ واحد.. لكننى فى الطبق الحالى من هذا الكشرى أخذت أعد كم فيه من العدس، ووجدت معظم الطبق من الأرز والمكرونة والشعرية وثلاث حبات من الحمص!! ولعنت الاستيراد والدولار.. فالعدس مستورد، وزيت التحمير كذلك، وطحين المكرونة والشعرية مستورد.. وأيضًا حمص الشام.. وتساءلت: أين العدس إنتاج مركز إسنا عندنا، وأين الزيت الفرنساوى «من بذرة القطن» وحتى شطة الكشرى مستوردة.. ولا يبقى لنا محليًا إلا الأرز والبصل.. وخل قصب السكر لزوم عمل «الدقة»!!. ورغم ذلك ليس فيما تناولت طعم ولذة كشرى زمان، من نفس البائع الشهير، وتذكرت عندما كنت أخرج من دار أخبار اليوم لأتناول طبق كشرى أشهر «كشرجى» فى وسط البلد، وكنت أدفع ثمنًا له مع ثلاث «كمالات»: عدس وحمص وتقلية، أربعة قروش ونصف القرش، ومازال هذا المحل موجودًا، ولا أعرف أسعاره الآن.. وإن عرفت سعر طبق الكشرى الأخير. ** هل السبب هو الدولار.. أم أجور العمال، أم غياب الرقابة من «التموين».. ولا تنسوا هنا فيلم طباخ الرئيس والرائع الفنان خالد زكى وهو يطلب من سكرتيره تليفون أبوفلان.. فيراجعه السكرتير: هل تقصد أبوفلان، أى الرئيس الفلسطينى؟. نعمل إيه: كله الآن طبيخ فى طبيخ حتى ولو كان مجرد طبق كشرى.. وقلبى عليك يا شعب مصر.
