نقلًا عن مجلة «ناشيونال ريڤيو» الأمريكية يمكن للأزمات، ولا سيما غير المتوقعة منها، أن تصنع الحكومات أو تحطمها بقدر ما يمكنها أن تفعل للفرد. وفى 2019، احتفلت الصين بمرور 70 عامًا على حكم الحزب الشيوعى، وكان النمو الاقتصادى الصينى فى أدنى مستوياته منذ 3 عقود، والبلاد تواجه تحديًا سياسيًا إضافيًا والمتمثل فى احتجاجات هونج كونج، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية للحرب التجارية مع الولاياتالمتحدة، ومع ذلك، فقد جلب عام 2020 تحديًا أكثر إلحاحًا للصين. إن العزل الذى فرضته الحكومة الصينية مؤخرًا على 60 مليون شخص، أى ما يعادل عدد سكان إيطاليا تقريبًا، أمر غير مسبوق، بسبب فيروس كورونا، ونظرًا لعدم العثور على أى علاج للفيروس حتى الآن، فإن العزل هو أكثر الوسائل فعالية لمنع المزيد من الانتشار. لكن التقارير الواردة من مدينة ووهان، ومدن أخرى داخل مقاطعة هوبى، تبدو قاتمة، حيث نفذت إحدى المناطق فى مدينة شيان «تدابير وقت الحرب»، وهذا يعنى منع السكان من مغادرة بيوتهم، ويتم أخذ جثث المتوفين وحرقها، ووفقًا لأحد المسؤولين، فإن أى شخص لن يقوم بالإبلاغ عن وجود أعراض الفيروس لديه «سيظل للأبد فى قائمة العار التاريخية»، وتقول تقارير وكالة «أسوشيتد برس»، الأمريكية: «فى البداية، أكدت السلطات للناس أنه لا يوجد خطر يذكر من انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، وهو البيان الذى تم التراجع عنه لاحقًا، ويقول سكان ووهان إن المستشفيات مكتظة، وتفتقر للإمدادات الطبية الكافية، فيما تم توبيخ الأطباء الذين حاولوا تبادل المعلومات فى وقت مبكر واتهامهم بنشر الشائعات». وردًا على حالة الغضب الشعبى، قام الحزب الشيوعى الصينى بتغيير كبار المسؤولين فى هوبى ووهان، كما برأ الرئيس الصينى، شى جين بينج، نفسه إلى حد ما من الذنب، ونشر خطابًا فى وسائل الإعلام الحكومية يزعم فيه أنه أعطى تعليمات لمحاربة الفيروس فى 7 يناير الماضى، وأنه طلب من مقاطعة هوبى فى 22 يناير «تنفيذ خطة شاملة ووضع ضوابط صارمة على تدفق الناس داخل وخارج المقاطعة». وبالطبع، فإن لدى الولاياتالمتحدة نسختها الخاصة من هذا العزل أيضًا، والذى، عند تنفيذه بشكل مناسب، يعد بمثابة استجابة حكومية شرعية لحالة طوارئ فى الصحة العامة، حيث يظل ال600 أمريكى الذين تم إجلاؤهم من هوبى فى الحجر الصحى العسكرى، وبعد انتهاء فترة الحجر فى سفينة الماسة فى اليابان، تم منح 380 أمريكيًا، كانوا على متنها، خيار إعادتهم إلى الولاياتالمتحدة على متن طائرات خاصة للبقاء فى الحجر الصحى لمدة 14 يومًا أخرى، ولكن على عكس الصين، فإن المدنيين والمسؤولين الحكوميين الأمريكيين يتعاملون مع هذا التحدى بروح من التعاون والقبول. وفى ثمانينيات القرن العشرين، تنبأ القليلون بتلاشى الاتحاد السوفيتى، ولكن الزعيم السوفيتى السابق، ميخائيل جورباتشوف، واجه نقطة تحول مهمة: كارثة تشيرنوبل، عندما انفجر مفاعل نووى فى محطة للطاقة شمال أوكرانيا عام 1986، وفى 2006 كتب جورباتشوف: «لقد وفرت كارثة تشيرنوبل، أكثر من أى شىء، إمكانية الحصول على قدر أكبر من حرية التعبير، لدرجة أن النظام لم يعد بإمكانه الاستمرار على النحو القديم الذى نعرفه». وقد كان عدد القتلى الرسمى جراء كارثة تشيرنوبل 31 شخصا، ونعرف أنه فى الأسابيع والأشهر التى تلت الحادث، قام الاتحاد السوفيتى بتجنيد ما بين 600-800 ألف مواطن كجزء من مشروع التنظيف المميت، وكان هؤلاء الأشخاص على اتصال مباشر بالمواد المشعة، وخلال 20 عامًا، مات حوالى 120 ألف شخص منهم، وعانت الغالبية العظمى من الناجين من مضاعفات صحية، تتراوح من مشاكل فى الجهاز التنفسى إلى السرطان. وكانت استجابة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية فعالة فى السيطرة على الضرر، فمن الناحية العملية، فإنه من خلال عمليات الإخلاء الجماعى، وذبح الحيوانات، واستخدام البشر فى تنظيف مكان الحادث، فقد تجنبوا المزيد من الكوارث، لكن بأى ثمن؟، فعند مواجهة الأزمة، لجأ الشيوعيون إلى الكبرياء والإنكار والخداع والارتباك، وكانت هذه الاستراتيجية بمثابة سوء تقدير سياسى مدمر، حيث أدت لوجود إرث من الضعف وسنوات من الاستياء العام. ورغم عدم رضا الصينيين عن نهج حكومتهم، فإن هذا النهج قد يكون منح بقية دول العالم المزيد من الوقت، فصحيح أن الفيروس انتشر فى العديد من الدول، لكن 99٪ من الحالات توجد فى الصين، لكن التكلفة السياسية للنهج الاستبدادى تجاه الأزمات العامة ستكون مرتفعة للغاية. ترجمة- فاطمة زيدان