غلق صناديق الاقتراع وبدء أعمال الفرز بلجان الدائرة الثالثة في الإسماعيلية    رئيس الوزراء: معهد التخطيط القومي مصدر الكفاءات لأجهزة الدولة    «المشاط» تفتتح عددًا من المشروعات التنموية بالأقصر وسوهاج    وزير الخارجية الصيني: سنواصل المساعدة في إعادة بناء السلام بين كمبوديا وتايلاند    ترامب: لا مانع من إبلاغ الكونجرس بأي هجوم محتمل على فنزويلا    الخارجية الروسية: تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن ليس بالأمر السهل    منتخب مصر يدرس خوض مباريات ودية قوية قبل المونديال    تأكيداً لما نشرته بوابة أخبار اليوم.. ضبط المتهمين بإلقاء «ماء نار» على 3 طلاب بحقوق بنها    انتخابات النواب 2025.. «الداخلية» تضبط شخص يوزع أموالا بمحيط لجان قويسنا    الأرصاد: طقس الجمعة معتدل نهارا شديد البرودة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 21    إطلاق الإعلان الرسمي لمسرحية «أم كلثوم.. دايبين في صوت الست»    أبرزهم حسين فهمي وأحمد السقا وشريف عامر.. إعلان الفائزين بجوائز مفيد فوزي وأمال العمدة    موعد كأس العرب 2029 في قطر: تفاصيل البطولة القادمة    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تنظم زيارة للمعرض الدولي السابع للأقمشة    مجمع الفنون والثقافة يحتضن فعاليات مسرح المنوعات بجامعة العاصمة    تكريم مسؤول ملف السيارات ب«البوابة» في قمة EVs Electrify Egypt تقديرًا لدوره الإعلامي    الدفاع المدني بغزة يحمّل المنظمات الدولية والاحتلال مسؤولية ضحايا مخلفات الذخائر    الهيئة العامة للأرصاد الجوية تختتم ورشة عمل تدريبية إقليمية بالقاهرة    الداخلية تكشف حقيقة نقل ناخبين بسيارة في المحلة    محاربة الشائعات    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    عبد اللطيف صبح: 55% من مرشحى الإعادة مستقلون والناخبون أسقطوا المال السياسى    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    محافظ أسوان ونقيب مهندسي مصر يضعان حجر الأساس للنادى الاجتماعى    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    نبيل دونجا يخوض المرحلة الأخيرة من برنامجه التأهيلي في الزمالك    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوبيا الجاهلية (2)
نشر في المصري اليوم يوم 21 - 10 - 2018

نحن نعيش عصرا لا يمكن لرأى أو فكرة مهما كانت غريبة أن تظل حبيسة أو مجهولة، وانتهى الزمن الذى لم يكن متاحا لغير أفراد محدودين.
القطيعة العلمية والمعرفية مع عصر ما قبل الإسلام (الجاهلى)، أدت إلى نتائج سلبية دفعنا ثمنها غالياً، ومازلنا ندفع، ثقافيا وفكريا وسياسيا، واتُهم الإسلام والمسلمون عموما والعرب تحديداً بأبشع الاتهامات التى صدرت من أطراف عديدة.
بناءً على الحالة المزرية التى وصف بها كثير من أنصار الإسلام السياسى وغيرهم مجتمع ما قبل الإسلام ومجتمعنا الحالى، ذهب عدد من المستشرقين والباحثين الغربيين فى شئون الشرق الأوسط إلى أن العرب غير قابلين للتحضر وغير قادرين على التفكير العقلى والنقدى المركب، وأن الحضارة العربية والإسلامية ليست إلا سطوا مباشرا على الحضارتين الرومانية والفارسية والحضارات القديمة فى المنطقة كالحضارة المصرية، وأن الحضارة - العربية الإسلامية - ليس بها إبداع خالص يُحسب للشخصية وللعقلية العربية، واستشهدوا فى ذلك بأن ابن سينا والفارابى والبخارى والخوارزمى وغيرهم لم يكونوا عرباً، ومن ثم فإن العرب خارج دائرة الشعر ليس لهم إبداع يذكر ولا إنجاز يتم الوقوف عليه.
ولا يحسب أحد أن تلك آراء وأفكار القرنين الثامن والتاسع عشر التى عفا عليها الزمن وصارت فى ذاكرة التاريخ، هذه الآراء والأفكار مازالت تتجدد وتتردد بأساليب وصياغات أخرى. تأمّل ما ظهر من أفكار ومواقف بعد 11 سبتمبر 2001 سوف تجد الأفكار القديمة عن الإسلام والمسلمين حية وبكثافة.
وهناك فريق آخر من الباحثين الأوروبيين والأمريكيين ذهبوا إلى البحث فيما هو متاح من نتف معلومات عن مجتمع ما قبل الإسلام، والتى تشير إلى أن المجتمع كان فى حالة تأهب واستعداد للتغيير، ويثبتون بها أن المجتمع كانت به بوادر نهضة حقيقية، وجاء الإسلام ليوقفها ويمنعها، حيث فرض تصوراً بعينه على حياة الناس، عقائديا وفكريا.
لم يعد الأمر وقفا على المستشرقين وعلماء الأنثروبولوجيا فى الجامعات الغربية، لكنه امتد كذلك إلى بعض الباحثين العرب، المؤرخ اللبنانى الأصل كمال صليبى، تبنى فرضية علمية حاول إثباتها تقول إن التوراة ظهرت فى الجزيرة العربية وليس فى فلسطين ولا فى بلاد الشام عموما، وإن اليهود من البداية كانوا فى الجزيرة العربية، وما كانوا فى فلسطين ولا كان لهم أى شىء بها، وهلل بعض أنصاف المثقفين العرب لتلك الآراء، ليس لأسباب أو فهم علمى، بل لسبب سياسى وهو أنه يسقط حجج إسرائيل حول تاريخهم القديم بفلسطين، ومؤخرا سمعنا من يقول لنا إن المسجد الأقصى الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم ليس هو المسجد الأقصى بالقدس، الذى يتعرض لاعتداءات متكررة من المتطرفين الإسرائيليين، وإن المسجد الأقصى، الذى ذكره القرآن الكريم، هو مسجد موجود فى طريق الطائف، وبالتالى هو أقصى بالنسبة لمكة، ورغم أنه ليس جديدا وسبق لبعض المستشرقين أن طرحوه. وبغض النظر عن أن هذا القول يصب - سواء عن قصد أو عن غير قصد - فى مصلحة المشروع الإسرائيلى فى تهويد القدس الشرقية وجعلها عاصمة لإسرائيل، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه، فإننا لم نجد رداً علميا عليه، ليس لأنه لا يوجد رد، بل لأننا لم نتعامل بجدية علمية وبحثية مع ما يقال واكتفينا بالشتائم والهجائيات، ويمكن للعوام الغاضبين أن يقوموا بالهجاء، لكن ينبغى أن يكون بيننا علماء وباحثون متخصصون يأخذون الأمور على محمل الجد علمياً وفكرياً.
ومن متابعة ما يجرى فى الساحة الثقافية والفكرية، فإن بعض الحانقين على أفكار الإسلام السياسى، راحوا يتبنون آراء وأفكار بعض المستشرقين حول الإسلام ذاته وحول شخصية النبى محمد والقرآن الكريم، وهناك من نقل حرفيا بعض تلك الأفكار ونسبها إلى نفسه، مهدراً قواعد الأمانة العلمية والحقوق الفكرية، متصوراً أنه بذلك يقاوم المتأسلمين والإرهابيين، دون أن ينتبه إلى أنه ليس بالسرقات العلمية نقاوم التطرف والتشدد، كما لم ينتبه كذلك أنه ينقل المشكلة من صراع مع تيار فاشى وكاره للحياة إلى صراع مع الإسلام ذاته كدين، ويفتات أنصار الإسلام السياسى على تلك الحالة ليقدموا أنفسهم للمجتمع باعتبارهم مدافعين عن الدين ذاته رغم أن رفض ودحض مشروع الإسلام السياسى كاملا لا يحتاج أن نذهب إلى المستشرقين وأن نسطو على آراء بعضهم ونتبنى آراء البعض الآخر. تأمّل واقعنا جيداً ودراسة تاريخنا والتطلع إلى المستقبل، كلها عوامل تفضى بالضرورة إلى رفض وهدم ذلك المشروع.
لا أريد أن أسترسل فى ذكر مزيد من الآراء والأفكار التى تطرح، ولا تجد لدينا نقاشا علميا جادا، لأن هذه المنطقة التاريخية - ما قبل الإسلام - محرمة أمام العقل العربى ومن يدرسها أو يحاول ذلك سوف يتهم بالترويج للجاهلية وتهدر سمعته ويغتال معنويا، من جحافل دعاة الجاهلية المعاصرة.
فى مطلع القرن العشرين حاول جورجى زيدان دراسة هذه الفترة فى كتابه المهم والمبكر «العرب قبل الإسلام»، وفى الجزء الأول من كتابه «تاريخ التمدن الإسلامى»، وبسبب ذلك لم يسلم من الاتهام ولم ينج من الطعن فى نواياه، وأنه يدس السم فى العسل، فلم يكمل، رغم أنه أعلن عن جزء ثان لكتابه «العرب قبل الإسلام».
محاولة زيدان تستحق الإكبار والتقدير، رغم المآخذ العلمية والانتقادات المنهجية التى يمكن أن توجه إليها، لكنه كان جاداً ومخلصا فى البحث والتعلم، وأظن أنه لو وجد تفاعلا علمياً جاداً ورصيناً معه، لتطور البحث وظهرت أجيال جديدة تفك كثيرا من الألغاز المعرفية أمامنا.
وبعده قام العالم والباحث العراقى «جواد على» بجهد جبار فى موسوعته، لكن اتهم هو الآخر وتعرض لكثير من العنت، وهكذا تركنا الباب مفتوحا أمام الأجانب من المستشرقين فقط والويل كل الويل للباحث العربى الذى يتجاوز ما اعتبره المتشددون منطقة محرمة.
ونحن نعيش عصرا لا يمكن لرأى أو فكرة مهما كانت غريبة أن تظل حبيسة أو مجهولة، وانتهى الزمن الذى لم يكن متاحا لغير أفراد محدودين مثل نجيب العقيقى وعبدالرحمن بدوى أن يكونوا وحدهم على اطلاع بإبحاث المستشرقين ودراساتهم، نحن نعيش زمن ديمقراطية المعرفة والعلم، لذا فإن الآراء التى تقال حول فترة الجاهلية فى الدراسات الغربية باتت تنتقل إلى شبابنا فى نفس اللحظة، لم يعد هناك علم خاص للصفوة وعظة للعوام، ولا كهنوت فى العلوم والمعارف، وتجنب الخوض فى هذه القضايا بدعوى الجاهلية، والخوف من الاقتراب منها ومناقشتها لن يلغيها، بل يزيدها حدة وقد يمنحها قدرا من المصداقية لدى البعض.
والموقف الصحيح يجب أن تتخذه جامعاتنا العربية، وهو أنه كما درسنا الشعر الجاهلى ومازلنا ندرسه فى الجامعات ويتخصص فيه بعض الباحثين، يجب أن تمتد الدراسة إلى بقية جوانب الحياة قبل الإسلام، بلا خوف ولا تردد، وإذا كان نبى الإسلام لم يقم قطيعة مطلقة مع ما قبل النبوة، فلماذا نقيمها نحن، التجهيل بالجاهلية هو الجاهلية بعينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.