كتبت فى مقال الأسبوع الماضى عن الحفاوة التى يلقاها قدامى المحاربين فى روسيا، وعددت الأمثلة على ذلك بدءا من تقدير الحكومة لهم ماديا ومعنويا، مرورا بآيات الاحترام التى يلقونها من الكبار والصغار، وانتهاء بتكريمهم فى المناسبات الاجتماعية والأعياد الوطنية.. سأكون صريحا وسأعترف بأنى انتظرت ردود أفعال على هذا المقال، الذى تعمدت فيه المقارنة بين هؤلاء ونظرائهم من قدامى المحاربين المصريين، لذا لم تفاجئنى الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية التى تلقيتها من رجال قدموا الكثير دفاعا عن الوطن، يشكون فيها بصورة أساسية من الإهمال المعنوى!.. ذلك تحديدا ما يدفعنى اليوم للعودة إلى نفس الموضوع، لأستعرض باختصار بعض تلك الشكاوى.. أبدأ برسالة قصيرة من محارب قديم يقول فيها: (أنا من الذين داسوا بأحذيتهم الثقيلة على هامة العدو، شارفت على الثانية والستين من عمرى ولا أجد أحدا يتذكرنى لا من قريب ولا من بعيد!).. وهذه رسالة من ابنة أحد أبطالنا تطرح من خلالها أسئلة منطقية، أحيلها بدورى إلى السيد وزير الإعلام والسادة مالكى القنوات الفضائية الخاصة: (شارك أبى فى حربى 67 و73 ولديه الكثير والكثير من الروايات عن بطولات خاضها مع زملائه وقادته على أرض سيناء.. إننى أتساءل: هل ستدفن تلك الروايات برحيل أبى بعد عمر طويل إن شاء الله؟.. ألسنا اليوم فى حاجة ماسة لنتعرف على ما فعله هؤلاء الأبطال من أجلنا؟.. لماذا لا يلتفت الإعلام إلى أبى ورفاقه ليوثق ما تحمله ذاكرتهم ماداموا على قيد الحياة؟!).. أما أحد القراء فيذكرنى فى رسالة تقطر حزنا بالبطل عبدالعاطى، الشهير بصائد الدبابات، الذى استطاع بمدفعه المحمول على الكتف تدمير 23 دبابة إسرائيلية فى حرب أكتوبر، والذى مات عام 2001 متأثرا بمرض فى الكبد، بسبب عجزه عن توفير العلاج! الحق أقول إننى لا أستطيع حتى الآن معرفة إن كان صاحب الرسالة صادقا فى ما كتب أم لا، كل ما أعرف أن العار سيلحقنا جميعا لو كانت نهاية عبدالعاطى قد جاءت فعلا بالشكل المذكور فى الرسالة! فى اليوم التالى لنشر المقال تلقيت اتصالا هاتفيا من لواء طيار متقاعد، يعمل حاليا مديرا لشركة خاصة، أخبرنى بأن أحواله المادية جيدة، لكنه يشعر مثلى بالغيرة عندما يتابع الحفاوة التى يحظى بها قدامى المحاربين فى روسيا وأمريكا ودول أوروبية عديدة!.. أدركت من ذلك كله أن التقدير المادى ليس وحده ما يحتاج إليه هؤلاء الأبطال.. ربما يأتى بالنسبة لهم فى مرتبة ثانية أو ثالثة لما ينشدون من تقدير معنوى.. وأدركت أيضا لدرجة اليقين أن الاعتماد على الحكومة فى هذا الخصوص مضيعة للوقت!.. لذا أتوجه إلى الشباب الساعى وراء أهداف سامية، وإلى الشرفاء من رجال الأعمال الراغبين فى إنجاز عمل وطنى.. أدعو هؤلاء وأولئك لتقديم أفكار عملية تهدف إلى تكريم أبطالنا، الذين يتناقص عددهم يوما بعد آخر.. ليطرح الراغبون فى ذلك مقترحاتهم عبر ال«فيس بوك»، وليتم التوافق على فكرة ما.. لتكن البداية بسيطة.. مثلا تأسيس موقع إلكترونى يختص بكل ما يتعلق بقدامى المحاربين: رواياتهم حول المعارك التى خاضوها.. ذكرياتهم عن رفاق السلاح الذين نالوا شرف الشهادة.. أوضاعهم المعيشية الراهنة.. إلخ. إنهم الباقون من جيل منحنا العيش بكرامة.. أفلا يستحقون منا ذلك قبل فوات الأوان؟! [email protected]