«نعمات» التى كانت ومازالت تعشق شغلها: يا «ثورة» ما تمت .. خدها «المعاش» وطار

الثامنة صباحاً.. اختلست نظرة على ساعة يدها، لتتأكد وتطمئن أنها حضرت فى موعدها، الذى اعتادته طوال 44 عاماً.. تحيّى كل من يقابلها: «نهاركم أبيض»، لكن المكان يخلو ممن اعتادت أن تحييهم، إلا حراسه.
لم يكن حضورها إلى عملها فى هذا اليوم سهواً، بل كان عن عمد، فهى لا تؤمن بالإجازات، تعتقد دائماً أن عملها يحتاجها، وإن لم يكن فهى تحتاجه، لذا استيقظت فى موعدها وسارعت إلى الميكروباص، الذى يقلها يومياً إلى شركة المصل واللقاح، لم توقفها حالة الفراغ التى لاحظتها فى الشارع، ولم تُثنها علامات الدهشة التى استقبلها بها حراس المكان، لم تبال بكل هذا، وقابلته بابتسامة: «والله عارفة إن النهارده عيد العمال، وأجازة رسمى، بس أعمل إيه؟! باحب شغلى، وعمرى ما أستخسر فيه عافيتى».
ربما يبدو منطقها غريباً أو جديداً على كل المحيطين بها، لكنها لم تمل ممارسته، ورغم وحدتها إلى جوار أدواتها فى هذا اليوم جلست نعمات حسن تمارس عملها، ولم تغادره إلا فى المواعيد الرسمية، وفى أثناء هذا غادرتها دمعة، بررتها: «مش مصدقة إنى هاطلع معاش يوم الخميس الجاى، مش مصدقة إنى هاصحا الصبح مااروحش شغلى، أنا صحتى كويسة وممكن أشتغل 10 سنين كمان».. تقول هذا وتستدرك موضحة: «الإعاقة اللى فى عينى دى جت من صغرى، وعمرها ما منعتنى عن الشغل، بالعكس كانت بتقوينى، وتخلينى أتحدى نفسى».
فى هذه اللحظة تذكرت «نعمات» الثورة، وكيف أحبتها وشاركت شبابها فرحتهم بسقوط النظام.. وكيف استفادت كملايين غيرها منها، عندما زاد راتبها خلال الشهرين الماضيين، تذكرت كل هذا فزادت دموعها: «مش مصدقة إنى هاتحرم من كل ده يوم الخميس، وهاخد معاش مايحصّلش نص مرتبى دلوقتى».
«أيام جميلة».. هكذا تصف ال18 يوماً التى عاشتها مصر من أجل التغيير، والأجمل من وجهة نظرها: «دى مش ثورة شباب وبس، دى ثورة كبار وصغار، صحيح إحنا مش هنلحق نستفيد بيها، لكن ولادنا أهم، إحنا كده نقدر نطمن على ولادنا، هو إحنا عايشين ليه؟ مش عشان ولادنا يشوفوا أيام أحسن من أيامنا».. تقول هذا وهى تدرك الفرق بين هذا الجيل والأجيال السابقة، وتلخصه: «شباب اليومين دول ماعندهمش صبر، ولا طولة بال على الشغل، غيرنا خالص، لكنهم بصراحة ظروفهم أصعب، مانقدرش نعمل لهم حاجة، غير إننا نتعاطف معاهم، وكل ما أبص على حالهم أحس بقيمة شغلى وأحبه أكتر».. تطلق تنهيدة قبل أن تواصل: «فرحتى باللى عملته الثورة ما تمت، هياخدها المعاش ويطير».