جمهور المسلسلات

سألت الشاعر إبراهيم داوود عن سر شعبية أحد الإعلاميين فقال لى لأنه يخاطب جمهور المسلسلات.
تذكرت مقولته واكتشفت أن أكثر ما يخيفنى أنا شخصيا أن يتحول الناس بعد الثورة إلى جمهور مسلسلات، لا هم لهم سوى النميمة حول أحداث حلقة الأمس، وأحداث حلقة الأمس لن تخرج عن مجموعة ثابتة من الحكايات «دخلوا عليه الأوضة فقعد يعيط ويقول لهم إنتوا هتحبسونى» و«بس إنت ماشفتش لما كانوا على الهوا إمبارح اتنرفذوا على بعض إزاى» و«بس فلان راح راصصهم له صح فى مداخلة إمبارح» و«دول ركبوا لهم تكييف فى السجن» و«فجأة لقوا رئيس الوزراء داخل عليهم مطعم حبايب السيدة.. وطلب ربع مشكل».
تفرغ الكثيرون للتورط فى نميمة ربات البيوت، حول ما يحدث وما يذاع وما ينشر.. جلس الكثيرون على الكنب وتفرغوا للفرجة.. مَن فاتته حلقة أمس سيجد ألف شخص يحكيها له، ومن يمتلك ذهنية مرتبة ومنظمة يستغلها بألمعية فى توقع أحداث حلقة الغد.. حتى إذا ما جاء الغد امتطى جواده ومر على الجميع يصيح فيهم «مش قولتلكم؟.. أنا أول واحد قال الكلام ده».
هناك كثيرون يمنحوننا إحساسا بأن الثورة حدثت فى بلد آخر، أو أنها حدثت فى مربع الصحافة والتليفزيون وال«فيس بوك»، و«تويتر»، كيف أثرت الثورة فى حياة حضرتك؟ أو بمعنى أدق كيف سمحت للثورة أن تؤثر فيك؟.
قامت الثورة واستعادت البلد، وأصبحت الظروف حاليا أشبه بمصباح علاء الدين، عليك فقط أن تحكه بقوة حتى تحقق أمنياتك.
لو حضرتك مش واخد بالك أحب أذكرك أن البلد أصبح ملكا لك بالمعنى الحرفى للكلمة، لقد أصبحت سيد البلد.. قريبا سيطرق بابك كثيرون يرجونك أن تقبل بتعيينهم فى مجلس الشعب أو الشورى أو تعيين أحدهم رئيسا للجمهورية.. قريبا سيطرق بابك من يطلب منك السماح له بأن يصبح نقيبا لمهنتك أو عميدا لكليتك أو حاكما للأقليم الذى تعيش فيه، صدق أو لا تصدق: لا يوجد رئيس جمهورية للبلد، لأنك أنت الذى تحكم البلد الآن.. الحكومة مجرد حكومة تسيير أعمال أى أنهم مشهلاتية لأنك أنت صاحب الأعمال، والمجلس العسكرى مهمته تأمين البلد فى الفترة التى تحكم أنت فيها يا سيدى المواطن.
إذا فكرت أن تستوقف شخصا يلقى الزبالة فى الشارع لتمنعه ستجد العشرات يؤيدونك، وإذا فكرت فى مطاردة فاسد فى محيط عملك ستجد كثيرين يدعمونك، وإذا فكرت أن تطور أو تغير أو تعلمنا شيئا يدفعنا للأمام ستجدنا جميعا فى خدمتك، انتهى زمن تكبير الدماغ من جانبك، لأننا بحاجة ماسة إلى دماغك الذهبية، وانتهى زمن تكبير المخ من جانب القيادات، لأنك أنت القيادة الآن. لماذا تهدر هذة الفرصة الذهبية؟،
لماذا ترضى بدور المتفرج ولا تحارب من أجل أن تكون السيناريست؟، لماذا لا تصدق أنك أصبحت مسئولاً عنا جميعا؟، الثورة ليست صورة مع الدبابة أو خناقة توك شو أو مصمصة شفاة تعجبا من مصير الظالمين.
الثورة أن تؤمن تماما بأن الفترة التى مضت من حياتك وأنت خيال مآتة قد انتهت، وأنه فى عز الشكوك والتكهنات التى تحيط بنا لا يوجد شىء واحد أكيد سوى حضرتك.. أرجوك ورينا نفسك.
omertaher@yahoo.com