قد يكون هناك خلاف ما بين عموم المصريين عند الحديث عن تقييم فترة حكم الديكتاتور الذى سقط حسنى مبارك.. فقد تكون هناك قِلة من الناس تحاول أن تنسب له فضلا أو تجد له عُذرا.. ولكننى لا أعتقد أن هناك خلاف بينهم جميعاً على أن فترة السنوات التسع الأخيرة من هذا الحكم البغيض شهدت أشد الفترات تدهوراً فى مختلف مناحى الحياة على أرض مصر. لقد بدأت هذه المرحلة المأساوية بعد فترة وجيزة من حدث شرير شهدته المنطقة العربية للمرة الأولى فى تاريخها وهو توريث رئيس جمهورية ديكتاتور مُستبد منصب الرئاسة لابنه، وأعنى به الرئيس السابق حافظ الأسد الذى حكم سوريا بالحديد والنار من وقت استيلائه على السلطة بانقلاب عسكرى وحتى وفاته، وكانت عملية توريث الأب الحكم لابنه الأصغر قد تمت بطريقة هزلية أثارت سُخرية العالم كله، خاصة أن أحداثاً درامية قد صاحبت عملية التوريث هذه والتى كانت النية قد انعقدت لدى الديكتاتور على تنفيذها بأى شكل وبأى ثمن، فلم يتعظ بموت ابنه الكبير باسل الذى كان يعده للخلافة فى حادث، وقرر على الفور استدعاء ابنه طبيب العيونبشار من لندن ليكون البديل على الرغم من بعده عن مجريات السياسة والعمل العام.. وحدثت فضائح تحدث عنها العالم حينئذٍ جرت لتمرير عملية التوريث بعد وفاة الأب. ومثلما تنتقل الأفكار المُلهمة العظيمة بين أقطار الوطن العربى الواحد كما رأينا من تأثير «ثورة الياسمين» المجيدة فى تونس على التعجيل بثورة الشعب المصرى العظيمة بعدها بأسابيع، فإن الأفكار الشريرة المُنحطة يمكن أن تنتقل أيضاً.. وهذا ما حدث فى مصر فى أوائل الألفية الثانية، حين تصور الديكتاتور المخلوع أنه يمكن تنفيذ فكرة التوريث على أرض مصر التى لا يعرفها.. خاصة أنه وجد فى ابنه الأصغر جمال رغبةً شديدة وطموحاً لا أساس له فى أن يرث الحكم بعده، ولم لا وقد فعلها بشار قبله، ووالدته صاحبة النفوذ القوى والتأثير الكبير فى اتخاذ القرارات السياسية تؤيد الفكرة بل وتتحمس لها ضماناً لاستمرار سطوتها ونفوذها. لم يهتم الابن المُدلل بأن يقترب من الشعب المصرى أو يحاول التعرف عليه، وهو الذى عاش صباه وشبابه فى برجٍ عاجى.. فلم يعمل فى مصر يوماً ولا نزل شوارعها ولا خالط أهلها، ولم يهتم بأن يقرأ شيئاً عن تاريخ الشعب المصرى العظيم.. وإنما بدأ يخطط للأمر اعتماداً على مجموعة من أصدقائه المغرورين، وطلب من والده أن يختار بعضاً من مُستشاريه ليتولوا تثقيفه وتدريبه سياسياً، وهم بالمناسبة من انقلب الوريث المُتعجرف على أغلبهم فور إحساسه بأنه نضج وأصبحت له كلمة تُسمع حتى فى تشكيل الوزارات وتوزيع المناصب! هنا بدأت الكارثة التى جرت على مدى سنوات، فى صورة خطط شيطانية كادت أن تقضى على الأخضر واليابس فى كل ربوع الوطن لولا لُطف الله بنا ووقوفه مع هذا الشعب العظيم ضد مكر هؤلاء الأبالسة.. وكيف لا والله خير الماكرين. لقد بدأت فى هذا الوقت التوسع فى عملية تجريف الحياة السياسية والتشهير والتنكيل بكل من يمكن أن يكون بديلا شعبياً للوريث بكل الطرق الممكنة.. وهكذا توارت الكفاءات الحقيقية والشخصيات القوية وأصحاب القيم والمبادئ الفتية، ووجدنا مصر العظيمة مرتعاً لمجموعة من الأرجوزات والإمعات والبهلونات محدودى الموهبة والمؤهلات.. فكان طبيعياً أن تسير الأمور كلها فى هذا البلد المُبتلى بسرعة فائقة على طريق الانحدار والانهيار، لولا شجاعة نفر من شبابه ومخزون حضارة شعبه، وقبل ذلك وفوقه إرادة الله ولطفه. إننى لا أتصور أن يكون هناك تصالح أو تسامح مع أى أحد كان من الشخصيات التى كانت ضالعة فى هذا المُخطط الشيطانى الذى أراد أن يُصادر مستقبل هذا البلد بعد أن دمر نظام مبارك ماضيه وحاضره.. المؤكد أن الشعب المصرى الذكى يعرف جيداً من هؤلاء الأفاقين المنافقين، وقلمى لا يطاوعنى فى كتابة اسم من أسمائهم.. ولسان حالى يقول لتخرس تلك الألسنة ولتُقصف تلك الأقلام التى تدعو لتصالح أو تسامح مع من باعوا ضمائرهم للشيطان.. دعوات ظاهرها الرحمة وباطنها النفاق الرخيص والحرص على مصالح شخصية ليس إلا.. لك يامصر السلامة واسلمى فى كل حين. [email protected]