ركزت وسائل الإعلام، العام الماضى، بشكل مكثف على أزمة اللاجئين الأوروبية، حوالى 800 ألف شخص عبروا البحر المتوسط إلى اليونان، والعديد منهم فارون من حروب كان لنا يد فى إشعالها، فى سوريا والعراق وأفغانستان، بينما تم توثيق كل جزء من رحلتهم بعناية من قبل الآلاف من الصحفيين والمصورين. مقالات متعلقة * اللاجئات والأوطان الجريحة * جان جاك ميفل يكتب: أزمة اللاجئين تضع اليونان على حافة الانهيار ولكن هناك أزمة إنسانية أخرى فى أوروبا لم نسمع عنها الكثير، حيث يوجد ما يقرب من 200 ألف من المهاجرين واللاجئين الذين غادروا أفريقيا لإيطاليا منذ العام الماضى. وهذا العام وحده توفى ما يقرب من 2000 خلال تلك الرحلة، معظمهم يأتون من نيجيريا وجامبيا والصومال وساحل العاج وغينيا هاربين من الحروب، بينما يفر بعضهم من نسيج المشاكل التى تعانى منها القارة على مدى أجيال: الطغاة والفساد والفقر، وعند وصولهم إلى صقلية، فإنهم يواجههم نظام مثقل غير قادر على تلبية احتياجاتهم. فى مايو، قضيت أسبوعا فى صقلية مع فريق من منظمة اليونيسيف، يلتقط الصور ويجرى مقابلات مع هؤلاء الذين قاموا بالرحلة، وفى عاصمة الجزيرة، باليرمو، التقيت «بيس»، فتاة نيجيرية تبلغ من العمر 17 عاما وتعيش فى ملجأ للفتيات، هربت من منزلها فى نيجيريا بعد أن قيل لها إنه يجب عليها الزواج من رجل يبلغ من العمر 40 عاما. وأضافت بيس: «قلت لعمتى إنه أكبر من والدى» فأجابت: «إذا رفضت الزواج من هذا الرجل، فسوف أسُمِّك». بيس سافرت إلى بؤرة مهربى المهاجرين، أجاديز، النيجر، حيث يتم تحميلهم فى شاحنات مزدحمة للعبور إلى ليبيا. قالت: «وهكذا مات الكثير من الناس فى الصحراء»، وأضافت: «رأينا الجثث والهياكل العظمية»، وروت بيس أنها فور وصولها ليبيا، تم حبسها فى غرفة بلا نوافذ لمدة 6 أسابيع قائلة: «لم يكن هناك ماء، أو ملابس للتغيير، وليس ما يكفى من الغذاء. فكان هناك قتال فى الخارج، وكنت أسمع إطلاق النار». ليبيا قاسية بشكل خاص على المهاجرين، فهناك يتم تعيين الصبية للعمل من قبل الليبيين فى وظائف مضنية فى مجال البناء والحقول بأجور أقل من 5 دولار يوميا حتى يدخروا 1500 دولار، ما يكفى لتحمل نفقة العبور لأوروبا. وتجبر الفتيات غالبا على العمل فى الجنس، فتقول تسنجا، وهى إريترية تعيش فى مخيم مترامى الأطراف للاجئين فى صقلية: «لقد اعتادوا اغتصابنا وضربنا، صرخت الفتيات بمرارة. لأنهن مجرد أطفال». تأتى المرحلة الأخيرة من رحلتهم، حيث يتم جمع المهاجرين على متن قوارب مكتظة. ودائما يتخلى القباطنة عن سفنهم فى المياه الدولية، تاركين المهاجرين مع هاتف يعمل بالأقمار الصناعية ورقم تليفون خفر السواحل الإيطالية. فى عام 2015، خلال الفترة من يناير حتى مايو، عبر حوالى 3 آلاف طفل البحر المتوسط وحدهم. وخلال نفس الفترة من هذا العام، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، ازداد الرقم إلى 7009 أطفال، بزيادة قدرها 129%، من أصل 7567 قاصراً وصلوا إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام، ما يعنى أن 93% بدون ذويهم (على عكس المهاجرين من الشرق الأوسط: على مدى العام الماضى، وصل نحو 10% من الأطفال عن طريق البحر إلى اليونان بدون ذويهم). كيف تبدو حياة المهاجرين الأفارقة بمجرد وصولهم إلى إيطاليا؟ لا نعرف الإجابة حقا، فالزملاء الصحفيون الذين يطلبون دخول مخيمات اللاجئين، نادرا ما يتم رفض مطالبهم صراحة. يرضون بالتصوير فقط، لكن لا يسمح بالحديث معهم. فنحن نرى فقط الامتنان على وجوه اللاجئين اليائسين للوصول إلى شواطئ أوروبا، لكننا لا نرى ما يحدث لهم على اليابسة، بمجرد تسكينهم فى المخيمات. تم السماح لمنظمة اليونيسيف بالدخول إلى اثنين من هذه الملاجئ. واحد كان داخل القاعدة العسكرية الأمريكية السابقة خارج بلدة مينيو، فى المناطق النائية بصقلية، تحيط الملجأ حقول القمح وبساتين البرتقال، ودوريات حراس مسلحين، داخل مخيم مينيو أكثر من 3 آلاف طالب لجوء، يعيش الكثير منهم هناك لفترات أطول من سنة. القاعدة الأمريكية التى بنيت لمحاكاة الضواحى الأمريكية، والتى كانت فى الماضى مسكناً للجنود وأسرهم. الآن أصبح هناك الشارع السنغالى، حيث تباع الملابس المستعملة، بينما الإريتريون يعيشون بالقرب من الأسلاك الشائكة ويتمتعون بإطلالة على الجبال، أما النيجيريون، ربما بسبب أعدادهم الضخمة، فاحتلوا الشارع الرئيسى، حيث يلعب الأطفال بالمكانس الكهربائية المكسورة وحقائب تم التخلص منها فى حين يسمع المراهقون الموسيقى فى المداخل. كنا برفقة موظف فى شركة لإدارة المخيم، وكانت هناك تعليمات بعدم تصوير الوجوه، وهياكل المبانى فى بعض الأحيان، ومنعونا من التحدث إلى لاجئين ما لم يكن هناك موظف حاضر. فى حين أن العديد من هؤلاء اللاجئين بالغون، ولهم الحق فى سرد قصصهم. وعندما زرت جنوب مدينة بوزالو، تم وضع مركز تسجيل للمهاجرين الذين وصلوا حديثاً لإيوائهم لمدة أقصاها 3 أيام، لكن كثيرا منهم كان هناك لمدة 6 أسابيع. كان هناك حوالى 110 من الصبية هناك، كلهم يرتدون سوارا معرفا بحرف و3 أرقام، فعلى ما يبدو أسماؤهم ليست مهمة، لهم حق الحصول على 3 وجبات يوميا، ومكالمة هاتفية لمدة 3 دقائق مع أسرهم من كل أسبوع. ومع دخول الصيف، وبينما مياه البحر المتوسط هادئة، من المتوقع أن يبحر المهاجرون واللاجئون الأفارقة فى هذا الصيف بأعداد قياسية. ووفقا لتقرير الإنتربول واليوروبول المشترك الأخير، ما يقدر ب800 ألف مهاجر أو أكثر سيحاولون الوصول إلى أوروبا من ليبيا، الأمر الذى سيجعل إيطاليا بحاجة إلى دعم من بلدان أخرى فى الغرب لتوسيع معسكراتها، وتوفير الخدمات الملائمة والإسراع فى عملية اللجوء، لكن لا يمكن أن نستجيب لهذه الأزمة حتى نعرف حجمها الحقيقى، ولهذا السبب يجب على الحكومة الإيطالية فتح المخيمات والملاجئ أمام وسائل الإعلام. نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ترجمة- مروة الصواف اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة