على الرغم من مرور 13 عاماً على وفاة المثقف الفلسطينى الأصل أمريكى الجنسية إدوارد سعيد فإن أفكاره مازالت باقية، ولم يوارِها الثرى الذي وارى جسده، ومن بين هذه الأفكار تلك التي لخصها في عبارة «المحظور الأعظم» في عقيدة الولاياتالمتحدة. مقالات متعلقة * إدوارد سعيد.. 12 عامًا خارج المكان (بروفايل) * «زي النهاردة».. وفاة إدوارد سعيد 25 سبتمبر 2003 * «طارق علي»: رحيل «إدوارد سعيد» ترك الفلسطينيين بدون صوت شعبي يعبر عنهم * وفاة المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد فبمقدور أي أمريكى التحدث في أمور تتعلق بذوى البشرة الملونة، أو أي من القضايا الجدلية، ولكن الحديث عن العلاقة التي تجمع بين أمريكا وإسرائيل تندرج تحت تصنيف «المحرم» و«المحظور»، وليس لأى فرد أن يتناول هذه العلاقة تحديداً بأى نبرة انتقاد. تشهد الولاياتالمتحدة هذه الأيام حراكاً انتخابياً، يدعو فيه المرشح بيرنى ساندرز إلى تبنى اقتراب «متوازن وغير متحيز» إزاء الفلسطينيين، كما أعرب نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن عن «إحباطه الشديد» إزاء بنيامين نتنياهو، وحتى هيلارى كلينتون التي قد تصبح رئيس الولاياتالمتحدة القادم، قررت في لحظة ما الإشارة إلى «الأفعال المدمرة» التي تقوم بها إسرائيل، «بما في ذلك مسألة المستوطنات». غير أنه مع كل هذه التصريحات التي تبدو مؤثرة في ظاهرها، والدعوات التي يطلقها هؤلاء المرشحون والساسة، لم تزل الولاياتالمتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل، الذي يعد بالنسبة لها «مسألة غير قابلة للتفاوض أو النقاش»، على حد تعبير كلينتون، ومن المسلَّمات أيضاً أن الولاياتالمتحدة هي «الصديق الوحيد لإسرائيل»، على حد تعبير بايدن، وليس أدل على ذلك من حصول كلينتون التي قد تصير الرئيس القادم للولايات المتحدة على 56 تصفيقاً حين أطلقت خطابها في نيويورك الشهر الماضى أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، اللوبى الأكثر قوة وموالاة لإسرائيل، متفوقة بذلك ب18 تصفيقاً على نتنياهو حين ألقى خطابه في الكونجرس قبل عام، والذى حصد 23 تصفيقاً حاراً من أعضاء الكنيست المحتملين الذين يمثلون المصوتين الأمريكان. ولكن دعونا نتخلَّ قليلاً عن الرومانسية وردود الفعل المعبرة عنها، ولنتحدث عن وقائع، أولاها عرض كلينتون «مذكرة تفاهم دفاعية مدتها 10 سنوات» مع إسرائيل، قدمتها ل«إيباك»، وإشارتها إلى «الإرهابيين الفلسطينيين» و«اعتداءات إيران المستمرة»، وتكرارها العبارة الشهيرة التي تنص على أن «إسرائيل وأمريكا ينظر إليهما باعتبارهما منارة الأمم»، وأعلنتها «كلينتون» صريحة حين قالت: «أعترض بشدة على أي محاولات من جانب أي أطراف خارجية لفرض أي حل للقضية الفلسطينية حتى وإن كان من جانب مجلس أمن الأممالمتحدة»، أي بعبارة أخرى: وداعاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضى التي احتلتها عام 1967، والذى يفترض أنه كان يمثل حجر الأساس لإنجاز عملية السلام البائسة. غير أنه على الجانب المقابل نجد تغيراً لدى المرشحين الآن في طبيعة تركيزهم وتناولهم للقضية، فساندرز على سبيل المثال يهودى وأبوه كان من المهاجرين الذين وفدوا إلى الولاياتالمتحدة من أوروبا الشرقية، ومعظم أفراد عائلته لقوا مصرعهم في المحارق الجماعية التي نصبها هتلر النازى، ولهذا فإنه قد يتفوق على هيلارى في دعمه لإسرائيل، ورغم ذلك اتهمها بتبنى رواية نتنياهو وتملق «إيباك» على حساب الشعب الفلسطينى. يرى ساندرز أنه من حق الإسرائيليين التواجد تحت مظلة من الأمن والسلام، مثلما يحق للفلسطينيين أيضاً امتلاك وطن يسيطرون فيه وحدهم على النظام السياسى الحاكم، وكذلك نظام اقتصادى خاص بهم، وهو قول لا غرابة فيه، ولكن تصريحاته خلت من أي إشارات إلى أمن الفلسطينيين، بما يدل على أن مسألة الأمن هذه متروكة لإسرائيل وصارت حكراً لها، أما الفلسطينيون فبمقدورهم فعل ما يحلو لهم داخل «موطنهم الصغير» الذي يخيم عليه الحزن والكآبة. ولكن أهم ما يبرز ساندرز كمرشح انتخابى هو إدانته عمليات القتل المستهدفة التي تنفذها إسرائيل، أو على الأحرى القتل السياسى، وتوسعها في إنشاء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية، وتدميرها منازل الفلسطينيين، ووصفه الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين ب«البغيضة»، فضلاً عن أن ساندرز كان هو أول مرشح رئاسى يرفض حضور خطاب نتنياهو بالجلسة المشتركة في الكونجرس الأمريكى العام الماضى، مبرراً بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى «استغل ظهوره بشكل غير مناسب لخدمة أهداف سياسية» أما بايدن فلم يتبن نسقاً مماثلاً في إدانته إسرائيل، واكتفى بالتأكيد على أن المسار الذي تتخذه إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين لن يؤمن وجودها، كدولة يهودية ديمقراطية، قائلاً: «لابد من التأكد من أن الإسرائيليين يفهمون أننا نعرف أين يكمن الحل النهائى». وترجمة هذه التصريحات تعنى أن الإدارة الأمريكية ترمى لإعلام تنظيم «جى ستريت»، وغيره من التنظيمات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، أنه لو استمر نتنياهو وغيره من أعضاء حكومته في سرقة أراضى العرب والاستيلاء على المزيد من أراضى الضفة الغربية فستضطر في تلك الحالة إلى منح العرب المحتلين الحق في التصويت على تلك الأراضى، وهو ما يعنى زوال إسرائيل، أو ستضطر إلى تأسيس دولة فصل عنصرى «أبارتهايد» سيمتنع غالبية العرب عن التصويت عليها. وعلى خلفية كل هذا، يتقدم نجاح حملة المقاطعة التي من شأنها نزع صفة الشرعية عن الدولة الإسرائيلية، يقابله تلاشى افتنان الأمريكان اليهود بدولة إسرائيل باعتبارها أمة تصنف إلى جانب الولاياتالمتحدة باعتبارها منارة الأمم. وما تبقى من تيار اليسار في إسرائيل صار أسير القلق من تقدم حملة مقاطعة إسرائيل، والأكثر خطورة من هذا هو خيبة الأمل التي هيمنت على علاقات واشنطن بالشرق الأوسط، إذ صارت الولاياتالمتحدة تقصى السعوديين لصالح الإيرانيين، ولم تعد أمريكا التي صارت تدعم حلفاءها العرب لأكثر من 70 عاماً على استعداد لتقبل الإهانات المستمرة الموجهة لإسرائيل إلى الأبد. وخلاصة القول: إن «المحظور الأعظم» المتمثل في كسر حاجز قدسية العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية لم يتم كسره بعد، ولو كان الحبل السُّرى الذي يربط بين واشنطن وتل أبيب باقياً ومتصلاً حتى الآن، فإن استمرار اتصاله في المستقبل لن يكون مجانياً. نقلاً عن صحيفة «إندبندنت» البريطانية ترجمة- أمانى عبدالغنى اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة