الحياة الكروية على الطريقة البرازيلية (1 - 2)

تقول الأسطورة البرازيلية: إنّ هناك مخلوقاً يعيش فى الغابة يسمى: كوربيرا، يحمى الحيوانات والأشجار الموجودة فى الغابة، ويهاجم الهنود الذين يحاولون صيد هذه الحيوانات أو قطع تلك الأشجار. ويصف سكان الأمازون هذا المخلوق بأنه فتى ذو شعر أحمر، يملك قدمين معكوستين، وعندما يمشى فى اتجاه معين فى الغابة فإن آثار أقدامه تشير إلى الاتجاه المعاكس، وإذا حاول أحد ما تتبع آثار كوربيرا، فإنه سيضل طريقه فى الغابة إلى الأبد. وهناك أسطورة أخرى مشابهة فى التراث البرازيلى تقول: إنّ هناك قزماً أسود، يدخن الغليون وله رجل واحدة فقط يدعى ساسى بيريرا، يحلو له أن يعكر صفو الهدوء أينما حلّ، فيطلق الخيول المربوطة ويكسر أعواد الذرة، ويثير الفوضى من حوله فى كل مكان، وهو سريع جداً لا يمكن الإمساك به إلا إذا حوصر وسط عاصفة هوجاء.
مقالات متعلقة
* موت صغير على هامش الموت الكبير
* البلطجة لها أصول (1- 2)
* أصول البلطجة.. أم شكرية نموذجاً (2-2)
وتشترك الشخصيتان الأسطوريتان فى استعمال أطرافهما السفلية استعمالاً خبيثاً وماكراً، وكان لاعب كرة القدم البرازيلى الكبير «جارينشا» يشبه الشخصيات الأسطورية السابقة فى استعماله الماكر لساقيه المعوجتين المقوستين؛ ففور ولادته عام 1933 لاحظت القابلة أنّ ساقيه مقوستان فى اتجاهين متعاكسين، ولم يكن ذلك بالتشوه الخطير لو وجدت الرعاية الطبية الكافية لإصلاحه، وكانت عائلته فقيرة لا تملك ما يكفى للانتقال بطفلها إلى مدينة كبيرة للعلاج، لذلك بقيت حال الطفل كما هى: طفلاً ضئيل الحجم بساقين معوجتين.
عاش «جارينشا» طفولته بين أحضان الطبيعة الخلابة للأمازون محاطاً بالشلالات والأنهار والغابات، فتعلم الصيد مبكراً واكتسب منه السرعة والمهارة فى المراوغة والتملص من الأخطار. وفى الفترة ذاتها تعلم كرة القدم، وسرعان ما أصبح أفضل لاعب فى مدينته، لكنه لم يكن يفكر فى كرة القدم بجدية، وإنما يحب اللعبة؛ لأنه يستطيع أن يُظهر من خلالها مهاراته، وينسى لوقت قصير تشوهات ساقيه.
وقد ذهب مرة لتجربة أدائه فى نادى فاسكو لكنهم طردوه قبل أن يبدأ؛ لأنه لم يحضر معه حذاءً رياضياً ليرتديه فى الملعب، ثم رشحه أحد اللاعبين القدامى لتجربة أداء فى نادى «بوتافوجو»، وضمه الفريق فوراً بمجرد رؤية بعض مهاراته، إذ كان يقوم بمناورات للاحتفاظ بالكرة لم يرها أحد من قبل، وهكذا أصبح «جارينشا» لاعباً أساسياً فى النادى. وبسرعة شديدة أدهش هذا اللاعب الجميع؛ لأنه لم يتوقع أحد أن يكون صاحب هذا الجسد غير المتناسق والساقين المتقوستين بهذه المهارة والسرعة والتوازن.
كان «جارينشا» يشعر بالمتعة وهو يخدع المدافعين فى فريق الخصم، وتسعده ملامح الحيرة والارتباك التى تبدو عليهم حال اقترابه من أحدهم، وكانت الجماهير الغفيرة تحضر خصيصاً لرؤيته ومراقبة مهاراته الحركية التى تربك دفاع الخصوم. وهو من أوائل اللاعبين الذين هتفت لهم جماهير أمريكا اللاتينية هتافها الشهير «أوليه» تعبيراً عن شدة الإعجاب.
ولعب «جارينشا» فى منتخب البرازيل بكأس العالم 1958 فى الدورة التى فازت بها البرازيل بالكأس مع النجم الفذ «بيليه»، ثم أسهم فى الحصول على كأس العالم 1962، ثم بدأت ساقاه المعوجتان تشكلان نقطة ضعفه نتيجة الاحتكاك المتزايد بين قصبة الساق وعظم الفخذ الذى بدأ يضغط على ركبتيه. ورغم ذلك شارك فى دورة كأس العالم عام 1966.
وانتهت حياة جارينشا الكروية فى هذه الدورة بلا مدخرات تذكر، كما أدمن الكحول الذى أودى به، ورقد أسفل شاهد قبر فقير عليه هذه الكلمات «جارينشا، فرَّح البرازيل والعالم، وكان طفلاً لطيفاً وصديقاً للطيور».
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة