قد يكون رأيى هذا صادماً، لكنى سوف أشعر بالتقصير الشديد والضيق النفسى إذا لم أصارح الرأى العام المصرى، والشباب منه على وجه الخصوص، بما أعتقده إلى درجة اليقين من أن هناك محاولات ضارية، غاية فى الخِسة والدهاء، تتم فى ظلام التعتيم الذى يلف الحياة السياسية هذه الأيام، ومن وراء أبواب مُغلقة، لتفريغ ثورة الشعب المصرى العظيمة من أهدافها السامية وغاياتها النبيلة والعودة بنا إلى عصر النظام الشمولى الاستبدادى، يخطط لها ويرتب، قادة النظام الذى أسقطه الشعب ورموزه الكبار الذين مازالوا أحراراً طُلقاء، يجتمعون ويتشاورون بل ربما يُصدرون الأوامر والتعليمات.. ويتعاون معهم فى هذا بالتأكيد طبقة ليست صغيرة ولا ضعيفة من الذين استخدمهم واستوظفهم النظام السابق وأغدق عليهم العطايا والأموال بغير حساب، والذين يكونون الطابور الخامس الذى يعيث فى بلادنا الآن فساداً وتخريباً، دفاعاً عن مصالحهم الخاصة المرتبطة بمناخ القمع والفساد والتعتيم الذى كان. لقد أدرك قادة النظام البائد مدى الغباء الذى واجهوا به ثورة الشعب المصرى وطليعته الشابة بالهجوم الفاضح الوقح عليهم باستخدام البغال والجمال، فقتلوا منهم من قتلوا وجرحوا من جرحوا، وكيف أن نتائج هذا العمل الإجرامى جاءت بعكس ما كانوا يخططون له، بل زادت الثورة اشتعالا.. لذلك عندما حققت الثورة أول منجزاتها بإجبار الرئيس الطاغية على التخلى عن سلطته وتسليمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان هو رئيسه، بدأت تتغير أساليب التعامل مع الثورة، فكان الرضوخ لبعض مطالبهم فى العلن، يصحبه دهاءً كبيراً وتباطؤ فى التعامل مع عدد أكبر من المطالب التى بدونها يستمر الشعور القاتل بأنه لا شىء تغير سوى انتقال الرئيس المخلوع وأهله للإقامة بقصورهم فى شرم الشيخ، لبث اليأس والقنوط بين عامة الناس بصفة عامة والشباب بصفة خاصة. لقد بدأ مُخطط إجهاض الثورة باختيار شخصية يحسبها عامة الناس وبعض المخدوعين من النخبة، على أنها من الشخصيات الوطنية المعارضة، ووضعوها فى منصب نائب رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق.. تصور بعض الناس الطيبين حينئذٍ – ممن لا يعرفون حقيقة الرجل ودور إعلام النظام المُهترئ فى تجميل صورته– أنه سيرفض المنصب تجاوباً مع رغبات الثوار الذين يرفضون شفيق، وذهبوا إليه ليقنعوه بذلك.. وبالطبع وجدوا الرجل متمسكاً بمنصبه بادعاءات خدمة مصر التى باسمها تُرتكب الجرائم على مر العصور! لم يُدرك هؤلاء الناس الطيبون أن فكرة ترشيح هذا الرجل خرجت من عقل أكثر الرؤوس دهاءْ وفساداً فى نظام مبارك على مدى تاريخه، وبالتأكيد باركها جيران مكتبه وأصدقاؤه فى شارع ريحان، الذين يعلمون كل شىء عنه، ومدى استفادته من نظام الفساد.. لذلك فإن الرجل أتى بأجندة مُحددة ومُرتبة بدقة باعتباره جزءًا من النظام الفاسد العفن الذى خرب البلد، مُتدثرا بثياب الأستاذ الجامعى والفقيه الدستورى والقومى العروبى وغيرها من الألقاب التى يهواها، ومُستدلاً بسطور كان يكتبها كل حين لزوم الحفاظ على الصورة التى يريد أن يُخادع بها الناس! لقد رأى الجميع د. يحيى الجمل والدموع فى عينيه يوم قبول استقالة شفيق أحد أبناء النظام السابق وأركانه المخلصين وهو يقول إن مصر خسرت اليوم خسارة لا تُعوض! ثم فوجئنا به مفروضاً على رئيس الوزراء الذى اختاره الشعب الرجل المحترم د. عصام شرف، ليواصل المهمة التى جاء من أجلها. لذلك لم أتعجب وأنا أراه يفتح الأبواب للإخوان المسلمين ليكونوا فى مقدمة القوى التى يُؤخذ رأيها فى كل شىء بعد الثورة، ليس حباً فيهم ولا تديناً منه، فكل من يعرف الرجل عن قُرب يعلم ماهو موقفه من الدين بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة، لكن فقط لإثبات صحة مقولة الرئيس المخلوع «أنا أو التطرف الدينى».. كذلك لم أتعجب عندما رأيت الرجل يتحدث بفخر واعتزاز عن قدرته على إقناع صديقه د. مفيد شهاب بالمشاركة فى حوار عن الموارد المائية، وكأن الشعب المصرى قد نسى من هو مفيد شهاب ودوره فى إفساد الحياة السياسية وإلباس الباطل ثوب الحق فى هذا البلد المُبتلى!. كذلك لم أتعجب من ذلك الحوار الفاشل عديم المعنى والجدوى، الذى دعا إليه الرجل وسماه حواراً وطنياً، فى حين قاطعه الغالبية العظمى من الشخصيات المصرية المحترمة، كما قاطعه الشباب طليعة الثورة العظيمة، التى يحاول أمثال د. يحيى الجمل القفز على مُنجزاتها، ليجلس إلى جانبه على مائدة حواره شخصيات بارزة من الحزب الوطنى الفاسد وبعض من رموز التيارات الدينية، ولتكن من أهم بنود هذا الحوار التى صاغها بنفسه قبول التصالح والعفو عن رموز النظام السابق، الذين طغوا وفسقوا فى البلاد ودمروها تدميرا!. إننى أدعوا د. عصام شرف، رئيس الوزراء أن يتنبه جيداً لما يحدث من محاولات مُستميتة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وغلق النوافذ أمام رياح التغيير والحرية، والتمهيد لعودة نظام ديكتاتورى سلطوى بشكل جديد، وأربأ به أن يكون لا يدرى أن رأس الرمح فى هذه المحاولات هو نائبه.. ولن يقبل الشعب المصرى عذره فى يوم ما بأنه كان مفروضاً عليه. [email protected]