وزير المالية: تعديلات مرتقبة على ضريبة التصرفات العقارية وحزمة ضريبية ثانية قيد الحوار    مديرية العمل بالأقصر تبحث 14 طلباً وشكوى باليوم المفتوح    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات فى إندونيسيا ل 1030 قتيلا و206 مفقودين    زيلينسكي: واشنطن تعهدت بأن يدعم الكونجرس الضمانات الأمنية    روسيا: نريد إنهاء الحرب وضمان السلام    كييف تعلن إسقاط 57 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    أمين عمر وأبو الرجال ضمن طاقم حكام نهائي كأس الإنتركونتيننتال    بيان جديد من الزمالك بشأن تحقيقات النيابة العامة في ملف أرض أكتوبر    غزل المحلة: الأهلي لم يسدد حقوق رعاية إمام عاشور    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ملاكي وتريلا بالإسماعيلية    المنتج تامر مرتضى يدافع عن الست: الفيلم وطني بنسبة 100% وصعب يوصف بعكس ذلك    ندوة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم تناقش أثر الفتوى في ترسيخ القيم الأخلاقية    عاجل- الصحة تحذر المواطنين من الأنفلونزا الموسمية وتقدم نصائح وقائية مهمة للوقاية من العدوى    ترامب يقاضى BBC ويطالب ب 10 مليارات دولار تعويض.. اعرف السبب    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير العملية التعليمية بمدرسة الشهيد عمرو فريد    وزير الإنتاج الحربي: الطلمبات الغاطسة تحقق قيمة مضافة للاقتصاد القومي    الاستعدادات النهائية لجولة الإعادة بانتخابات النواب في الشرقية (صور)    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    من المرشح الأبرز لجائزة «ذا بيست» 2025    طالبات البحر الأحمر الأزهرية يتألقن في التصفيات النهائية لمسابقة الملتقى الفكري    من قلب غرفة العمليات، محافظ دمياط يقود مواجهة الأمطار الغزيرة ويعلن حالة الطوارئ الشاملة    طالب يقتل صديقه بسبب مشادة كلامية فى المنوفية    بالفيديو.. تفاصيل بروتوكول التعاون بين "الإفتاء" و"القومي للطفولة" لبناء الوعي المجتمعي    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب    تفاصيل افتتاح متحف قراء القرآن الكريم لتوثيق التلاوة المصرية    مَن تلزمه نفقة تجهيز الميت؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الخارجية يؤكد أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار بغزة    منها التهاب المعدة | أسباب نقص الحديد بالجسم وعلاجه؟    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بمدرسة كفر عامر ورضوان الابتدائية بكفر شكر    الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2025–2026.. امتحانات نصف العام وإجازة الطلاب    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    صعود شبه جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات الثلاثاء    مجسمات ضوئية واحتفالات متنوعة.. ارتفاع نسب الإشغال الفندقي بمنتجعات جنوب سيناء مع اقتراب الكريسماس    ضبط جزار ذبح ماشية نافقة خارج المجزر بمدينة الشهداء بالمنوفية    اليابان ترفع تحذيرها من الزلزال وتدعو لتوخي الحذر بعد أسبوع من هزة بقوة 7.5 درجة    برلماني بالشيوخ: المشاركة في الانتخابات ركيزة لدعم الدولة ومؤسساتها    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    رمضان السيد: كأس العرب أقوى من أمم إفريقيا.. ومتفائل بمشوار الفراعنة مع حسام حسن    البدري: الشحات وأفشة مرشحان للانضمام لأهلي طرابلس    وزير التموين يفتتح اليوم مجمعا استهلاكيا جديدا ضمن Carry On    الذهب يرتفع وسط توقعات بخفض جديد للفائدة في يناير    خروقات متواصلة.. الاحتلال يرتكب 5 انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار في لبنان    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    تعيين وتجديد تعيين 14 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية بكلية طب قصر العينى    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    مباراة دراماتيكية.. مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث في الدوري الإنجليزي    محافظ أسوان: صرف العلاج لأصحاب الأمراض المزمنة كل شهرين    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    جلال برجس: الرواية أقوى من الخطاب المباشر وتصل حيث تعجز السياسة    5 أعشاب تخلصك من احتباس السوائل بالجسم    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان حادث تساقط حاويات من قطار بضائع بطوخ    لجنة فنية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقارات بموقع حادث سقوط حاويات فارغة من على قطار بطوخ    منذر رياحنة يوقّع ختام «كرامة» ببصمته... قيادة تحكيمية أعادت الاعتبار للسينما الإنسانية    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سوار الذهب»
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 11 - 2009

إنه المشير «عبدالرحمن سوار الذهب» الرئيس الانتقالى للسودان الشقيق فى ثمانينيات القرن الماضى، الذى ضرب مثلاً نادراً فى التخلى طواعية عن السلطة على نحوٍ غير مسبوق فى عالمنا العربى، لقد كان قائدًا عامًا للقوات المسلحة موالياً للرئيس الراحل «جعفر نميرى» مؤدياً القسم بالإخلاص له والولاء لنظامه،
ولكنه اضطر تحت وطأة الجماهير الزاحفة والنقابات الثائرة والجموع الغاضبة أن يتولى السلطة مؤقتاً بعد أن أطاحت تلك الثورة الشعبية بنظام الرئيس «نميرى» الذى كان خارج البلاد أثناء تلك الحركة الوطنية الواسعة التى تقترب من نموذج التمرد المدنى الذى عرفه «السودان» الشقيق فى مرة سابقة عندما أطاح الرفض الشعبى الشامل بنظام الفريق «إبراهيم عبود» فى أكتوبر 1964،
فالشعب السودانى الأبىّ الحر أدخل فى القاموس الحديث لعلم السياسة مفهوماً عصرياً لمعنى التمرد المدنى، ولقد تولى «عبدالرحمن سوار الذهب» رئاسة البلاد فى ظروف شديدة الحساسية بالغة التعقيد، ولكنه اجتازها بشرف ونزاهة نادرين وأبدى زهداً فريداً فى السلطة وغلبت عليه صوفيته وتقواه لتجعل منه طرازاً فريداً من الحكام العرب، وكان وزير خارجيته لفترة حكمه القصير هو أقرب سودانى إلى قلبى،
وهو الصديق السفير «إبراهيم طه أيوب»، المعروف بنقائه وبساطته وعفويته وطهارته، فضلاً عن خبرته وكفاءته، وهو الذى جمعتنى به صداقة عائلية وطيدة منذ أن عملنا معاً فى العاصمة الهندية «نيودلهى» مع نهاية سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضى، ولقد عرفت من خلاله بعض الخصال الطيبة للمشير «سوار الذهب» وتاريخه الشخصى وطبيعة تكوينه وأفكاره،
وعندما جاء المشير السودانى فى زيارة رسمية للقاهرة دعاه الرئيس «مبارك» إلى عشاء على شرفه فى «قاعة العرش» بقصر «عابدين» تكريماً للسودان الشقيق متمثلاً فى رئيسه الجديد، وهو أمر لا يأخذ به «البروتوكول المصرى» إلا مع الشخصيات الكبرى بين الملوك والرؤساء،
ولقد قرأت تصريحاً للمشير «سوار الذهب» مؤخراً عند تأبين الرئيس السودانى الراحل «جعفر نميرى» يؤكد فيه أنه لم يخن عهداً ولم يحنث بيمين ولكن لم يكن أمامه من مخرجٍ لإنقاذ بلاده من الفتنة إلا ما أقدم عليه ومضى فيه، وهذا إقرارٌ نادر من مسؤول سابق فى ظروف ملتبسة،
ولقد كنت أتطلع دائمًا إلى حديثٍ مع ذلك المشير المتفرد والرئيس الأسبق الذى غادر السلطة وهجر السياسة متفرغاً للعمل التطوعى فى هيئات الإغاثة الإسلامية خدمة لدينه وأمته، وقد تعرض منذ سنوات لأزمة صحية كبيرة أجريت له خلالها عملية جراحية فى «القلب المفتوح» بالعاصمة الأردنية، وقد تحقق أملى والتقيته عام 2008 فى العاصمة الإسبانية حيث جمعنى به مؤتمر مشترك دعا إليه العاهل السعودى الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» للحوار بين أصحاب الديانات السماوية والأرضية فى وقت واحد وبمبادرة غير مسبوقة حيث جلس رجال الدين «البوذيون» و«الهندوس» جنباً إلى جنب مع «حاخامات اليهود» و«آباء الكنيسة» و«شيوخ الإسلام»،
وتربصت يومها بالمشير «سوار الذهب» لكى أحظى بأكبر قدرٍ من الحوار معه والاستماع إليه، بدءاً من هبوط طائرتنا فى مطار «مدريد» مروراً بأيام المؤتمر الثلاثة، وأشهد الله أننى رأيت فى الرجل تواضعاً بغير حدود وهدوءاً يعكس السلام النفسى الذى يشعر به،
وهو الرجل الذى برأ من أمراض السلطة وترك وراء ظهره مظاهر الحكم، واستمعت إلى تعليقاته الرصينة حول دوره فى تاريخ «السودان» وتصوره لمعاناة وطنه والأمل فى الخلاص من مشكلاته، ولقد أيقنت أن الرجل قد كرَّس بقية عمره المثمر لخدمة التسامح الدينى والسلام العالمى والانتصار على شهوات النفس وتطلعات الساسة،
ولقد ظن الناس أن نموذجاً شبيهاً ب«سوار الذهب» كان من الممكن أن يتحقق فى «موريتانيا» على يد الجنرال «محمد أوفال» ولكن شهوة السلطة استبدت بالأخير ودفعته إلى خوض الانتخابات الرئاسية مع غيره حيث خسروها جميعاً أمام الرئيس القابع فى سدة الحكم «بنواكشوط»...
وسيبقى المشير «عبدالرحمن سوار الذهب» نموذجاً لا نظير له فى عالمنا العربى، ولا أقول الأفريقى، لأن «جوليوس نيريرى» قد ترك الحكم فى «تنزانيا» طواعية وهو بطل الاستقلال،
كما أن «ليوبولد سنجور» قد تخلى عن السلطة طواعية أيضاً فى «السنغال» وهو بطل استقلال كذلك، بل وفيلسوف الزنجية «نجروتود» وشاعر أفريقيا العظيم، كما أن «كينيث كاوندا» قد سقط فى الانتخابات الرئاسية بعد حكم استمر قرابة ربع قرن رغم أنه هو الآخر بطل استقلال «زامبيا»،
ولكن الفارق بينهم وبين المشير «عبدالرحمن سوار الذهب» هو أن الأخير ضابط كبير فى الجيش السودانى استجاب لنداء الجماهير وكان يستطيع أن يستمر لسنوات أخرى فى السلطة ولكنه فضّل الانتصار لقضية الديمقراطية واحترام تقاليد الحكم الرشيد.
تحيةً لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطنى يقظ وشعور إنسانى رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً متألقاً راضياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.