ماذا تبقى لهالة سرحان لتقدمه، ولو قدمت آخر ما عندها، ولو رقصت وغنّت وقالت ما فى الخمر، ولو استضافت أبا نواس ليتحدث عن غلمانه، وعانق الخيام فى ليلة مقمرة، ولو حصلت على الخطابات الغرامية بين عذراء الشاشة أمينة رزق ويوسف بك وهبى، ولو تشعلقت فى الجو وقفزت من هليكوبتر فى غيمة من غبار أيسلندا البركانى، ولو سخّرت الجن المعفرت، وتشكلت وتهيأت وتجسدت، وخرجت على المشاهدين فى دور الخالة نوسة، وفى يدها جنى صغير يردد ببلاهة «شبيك لبيك عبدك وبين إيديك»، ولو حاورت أوبرا وينفرى باعتبار أم محمد (أوبرا وينفرى المصرية). ليس هناك جديد على الأسماع، هالة سرحان لم تفلس، مثل شجر الليمون بيزهر، وعباد الشمس بينور، لم ينضب معينها بعد، أم محمد معجونة من ذرات بركان قديم، تشع فضائيا وتشتعل فنيا إذا ما تعرضت للظروف المواتية، ولكن ما لا تعلمه أم محمد أن الفضائيات أصبحت مثل شوارع القاهرة خانقة، وعلى كثرة الضواحى الفضائية الدينية والرياضية، والفنية، والطربية، لا مكان لقدم، صارت هناك عشوائيات فضائية، ماسورة الفضائيات ضربت، غرقت النّايل سات والأقمار الأخرى الشقيقة. الفضائيات كسرت سقوفا كانت تلمسها أم محمد بمعجزة، وكانت بعد كل حلقة تحوقل وتبسمل خشية، كانت طيبة ومعتقدة بأنها مقطعة السمكة وديلها، الآن ياسيدتى السمك يصطاد ويقلى ويشوى ويقدم ساخنا للقطط على الهواء مباشرة، الإعلاميون لا يطرف لهم جفن، لا تهتز لهم شعرة فى بدن. كانت أم محمد إذا تدلعت حبة، وتشخلعت حبتين، تهيج الدنيا، وتتداعى الدعاوى القضائية، الفاجرة، الماجنة، الآن للمجون برامج، هناك برامج خلع الجزم، وبرامج خلع الملابس، برامج خلع البرقع، برامج بيع وشراء، برامج حياكة وتفصيل، مذيع مقص دار، مذيع وبيصلح ساعات، وفضائيات بتصلى وبتصوم وبتقطع الهدوم. على فين ياخالتى، أم محمد صارت مودة قديمة، دقة قديمة، أولد فاشون، فى الفضائيات ناس بتقلع ملابسها السياسية وتقدم «استربتيز يومى» يصعب جدا على أبلتى الخوض فيه، أم محمد أستاذة الحوارات المكشوفة لن تقترب مما خاضت فيه فضائيات الحائض والنفاس وآداب الجماع، هناك برامج تثقيف جنسى، ولو تمطعت أم محمد واستضافت شيخا ليخرج العفاريت من جتت المشاهدين كما كانت تفعل وتكسر الدنيا، هناك فضائيات كاملة لتسخير الجن وتحضيره وبعضهم يركب الهواء، أقصد الجن. وإذا تصورت أنها ستفتح الملفات المسكوت عنها، لن تجد ملفا تفتحه، لم نعد بحاجة إلى لف ودوران، معلوم أن أول الرقص حنجلة، وأم محمد كانت بتتحنجل، الرقص الآن على الهواء مباشرة، كله مكشوف ومعروض كالذبيحة، واللى مايشترك بالديكودر يتفرج بالوصلة. أم محمد أحد عناوين أرشيفية، كان يامكان، كان فيه هالة سرحان، جدعة وطيبة وبنت حلال، خدها الوباء. هالة سرحان فين ياخال، خدها الوليد، كل محاولات إعادتها إلى الهواء أرضيا وفضائيا محكوم عليها بالفشل، فشلت ليس لأنها ممنوعة من دخول مصر أو عليها قضية، لأنها بنت عصر فضائى آخر، بنت عصر كان بيمشى جوار الحيطة أو جوه الحيطة، بنت عصر كان الفضائى لا يصعد إلى الهواء إلا مسلحا بالمادة والتحقيق والحوار والمعلومات وأكابر الضيوف، بنت عصر كان الحوار سائدا ليس العراك، كان المقدمون يحاورون لا يتشاجرون على الهواء، كانت الأرقام فقط بالألوف، اليوم بالملايين، كانت الفضائيات تنقلنا لعالم فضائى راق بعيدا عن عالمنا الأرضى، الفضائيات بتغرزنا فى الطين، بتغرقنا بالنيلة، بتنكد علينا ليلنا الطويل، بتحول حياتنا إلى جحيم، لم يعد هناك مفر، الفضاء انفتح كبوابة الجحيم فى وجوهنا، اللهم لا اعتراض على عودة أم محمد.. بيتها ومطرحها.