لا أحد يعرف ماذا حدث تحديدًا، أو كيف تمت تلك الصفقة بهذا السعر، فقط استيقظ الجميع في أحد صباحات شهر يونيو وفوجئوا بأن ديفيد لويز، مدافع نادي تشيلسي، ذو ال27 عامًا، قد بيع لنادي باريس سان جيرمان بمبلغ 50 مليون سترليني، كأغلى مُدافع في تاريخ اللعبة. بعدها بأسابيعٍ قليلة، كان «لويز» هو السبب الأهم في الخسارة التاريخية لمنتخب البرازيل أمام ألمانيا 7-1 في ريو دي جانيرو. «لويز»، الذي لعب أقل من نصف مباريات «تشيلسي» في الدوري خلال الموسم، والذي شارك في أغلب اللقاءات كبديل الدقائق الأخيرة، وكثيرًا ما وُظّف في منتصف الملعب كلاعب ارتكاز وليس مدافعًا، بيع لأمراء الخليج في باريس سان جيرمان ب50 مليون استرليني. كان ذلك هو الفصل الأكثر دهشة من إنجاز التدوير المالي والاقتصادي الذي قام به جوزيه مورينيو ونادي تشيلسي في إعادة هيكلة الفريق بالكامل خلال موسمين دون أن يدفعوا شيئًا تقريبًا، حيث بيعَ حفنة من اللاعبين البدلاء في خطة «مورينيو» وتم شراء من جعلوه النادي الأقوى في إنجلترا. منذ قدوم «مورينيو» إلى تشيلسي في الولاية الثانية قبل عام ونصف بدا واضحًا أن هناك لاعبين يخدمون على خطته بشكل واضح، وآخرين خارج حساباته تمامًا. لا يوجد تفسير متكامل مثلًا للسبب الذي جعله يرى في خوان ماتا، أفضل لاعبي تشيلسي رسميًا في الموسمين الأسبق لقدومِ «مورينيو»، بديلًا لأوسكار وويليان وشوله وبالطبع هازارد، «ماتا» كان نجمًا، مستقبل الكرة الإسبانية، أحد أفضل لاعبي إنجلترا، ولكنه أصبح مع «مورينيو» لاعبًا بديلًا. ديفيد لويز كان قد أتى من بنفيكا في صفقة كبرى تصل إلى 25 مليون سترليني عام 2011، كان مُدللًا، الفرد الأساسي في الدفاع ووراءه يأتي جون تيري وجاري كاهيل، ولكن «مورينيو» قرر أنه الثالث في حساباته الدفاعية. البلجيكي كيفين دي بروين واحد من أهم المواهب الصاعدة، اشتراه تشيلسي بهدف صنع مستقبل للنادي، ولكن «مورينيو» كان يراه بديلًا خامسًا أو سادسًا. روميلو لوكاكو كان يعتبر في تشيلسي هو «دروجبا» المستقبل، ولكن «مورينيو»، بذكاءٍ مُدهش، أعاره لإيفرتون خلال الموسم الماضي، تألقه وإحرازه ل15 هدف رفع سعره كثيرًا. أندريه شورله بديلًا مثاليًا في أي خطة، سبب أساسي في فوز ألمانيا بكأس العالم، «مورينيو» لا يحتاجه أساسيًا، لا يناسب طريقته أو احتياجاته رغم إنه موهبة شابة مقدرة من الجميع. وأخيرًا هناك الصفقة المثالية التي حدثت في الظل، ريان بيرتراند، مدافع ساوثهامبتون المعار من تشيلسي الذي أصبح أغلى مدافع في تاريخ القديسين. «لويز» ب50 مليون، «ماتا» ب37 مليونًا، «لوكاكو» ب28، «شورله» ب24، «دي بروين» ب16، و«بيرتراند» ب10، 165 مليون سترليني ربحهم «تشيلسي» و«مورينيو» من بيع 6 لاعبين بدلاء في خطته. كيف فعل ذلك؟ أهم نقطة على الإطلاق كانت تحديد «مورينيو» منذ البداية لشكل الفريق الذي يريده، قد لا يقتنع الكثيرين ببيع «ماتا» ولكن بالنسبة للاستثنائي فهناك سببين لبيعه: الأول.. هو عدم التزامه الدفاعي، والثاني.. لكي يمنح الفرصة لإيدين هازارد أن يكون نجمًا للفريق لأنه «يمكن أن يصبح أفضل لاعبي العالم إذا آمن فعلًا بقدراته» كما صرح. «لوكاكو» (قد) يكون نجمًا مستقبليًا.. ولكن لماذا لا نستغل تألق موسمه –الذي لم يتكرر حتى الآن رفقة إيفرتون- ونبيعهب سعرٍ قياسي؟«زوما» في حسابات البرتغالي مدافع أفضل من «لويز» وأصغر سنًا.. يمكن الاستفادة من الثمن الباهظ الذي وصلت إليه المفاوضات في «لويز» والفريق سيصبح أقوى، وهكذا.. لم يكدس «مورينيو» النجوم ولم ينتظر على بعضهم حتى ينضب على الدكة –كما حدث مع كاكا مثلًا في ريال مدريد- ولكنه أصبح يعلم ماذا يريد ويستبعد الفائض. الأمر الثاني، الذي لا يقل أهمية، هو أن «مورينيو»، بخبرة عقدين في السوق الأوروبي، صار يعرف جيدًا: «متى».. «كيف».. «لمن» يبيع لاعبيه. «مورينيو» يبيع الألمان للألمان، ليست صدفة، أكثر من نادي كان مهتمًا ب«شورله»، ولكنه يعرف أن العِصبة والهوية الألمانية ستجعل المفاوضات تصل لأعلى سعر ممكن عند التفاوض، لذلك فاللاعب الذي لم يكن أساسيًا في تشيلسي بيع ب24 مليون استرليني لفولسبورج. كان يعلم أن بقاء «ماتا» لعدة أشهر أخرى على الدكة سينزل بثمنه كثيرًا في الصيف، لذلك فقد استغل سوء موسم اليونايتد وحاجتهم للاعب وضيق مدة المفاوضات في الشتاء وباعه لهم ب37 مليون سترليني، وهو رقم كبير للغاية بالنظر إلى أنه أصبح خارج حساباته أصلًا، «متى تبيع» هنا كانت محورية، تمامًا كما حدث لاحقًا مع ديفيد لويز، لو انتظر «مورينيو» لما بعد كأس العالم ثمن «لويز» كان سيهبط كثيرًا..لم يكن يعلم بالطبع أن البرازيل ستخسر بالسبعة ولكنه بشكل عام مدافع كثير الهفوات وهو أمر سيتضح أكثر في كأس العالم، لذلك فقد ضغط المفاوضات مع الأمراء الخليجيين.. استغل عدم حكمتهم في تحديد أسعار اللاعبين.. وقبل بدء المونديال باع لهم «لويز» بضعف الثمن الذي اشتراه به تشيلسي منذ عدة سنوات وربما ضعف الثمن الذي كان سيبيعه به لو انتظر لما بعد المونديال، لم يفكر في إعادة «لوكاكو» -الذي مازال صغيرًا- وفضل بيعه في نقطة ذروة –كتسجيل 15 هدفًا في الدوري-، وكذلك بيتراند.. مدافع ساوثهامبتون الذي قدم 4 أشهر مثالية وباعه لهم في نفس نقطة الذروة. أما الأمر الأخير في حكمة إدارة التعاقدات و«مورينيو» في التعامل مع المسائل الاقتصادية داخل فريق تشيلسي خلال الموسم ونصف الأخيرين كان في النصف الثاني من عملية الإحلال والتجديد، اللاعبين الذي اشتراهم وكيف خدموا الفريق، إعادة «كورتوا» من أتلتيكو مدريد –وفارق التعامل معه في مقابل «لوكاكو» أو «بيتراند» لأنه بالنسبة له يؤمن مركزًا من النادر أن تجد فيه حارسًا بهذا التألق في هذا السن-، شراء دييجو كوستا أحد أفضل مهاجمي العالم خلال الموسم الماضي بثمن مقارب من الذي باع به «لوكاكو» إلى إيفرتون، استقدام سيسك فابريجاس ليصبح خليفة لفرانك لامبارد بسعرٍ أقل من الذي باع «ماتا»، نيماتيا ماتيتش وفيليبي لويس ولوك ريمي وكورت زوما، وأخيرًا صفقة خوان كوادرادو، إعادة هيكلة عظيمة وحفظ مستقبل الفريق في الأساسيين والبدلاء مع دفع 179 مليون سترليني في السبعة لاعبين.. أي أنه تقريبًا لم يصرف أي شيء خلال الموسم ونصف. حتى صفقة محمد صلاح، الصفقة الأسوأ رقميًا للنادي، والذي لم يفد الفريق فنيًا بالصورة التي أرادها «مورينيو» ولم يأخذ فرصة كافية لإثبات نفسه في ظل وجود ويليان وأوسكار، فقد تعامل معه البرتغالي بلعبته المفضلة الذكية.. أخرجه إعارة إلى فيورنتينا بدلًا من بيعه مباشرة بثمن بخس، في حالِ تألق سيقوم ببيعه في الصيف برقمٍ كبير، وفي حال لم يتألق فإنه سيعيده ويعيره مرة ثانية حتى يتألق ذات مرة فيبيعه. حسبة اقتصادية لن تكون خاسرة بأي شكل. 165 مليون استرليني في بيع 6 لاعبين.. 179 مليونًا في شراء 7، صنع فريق أقوى يحتل قمة الدوري وينافس بقوة على دوري الأبطال، مع الانخفاض بمتوسط أعمار اللاعبين. تجربة عظيمة على المستوى الفني والاقتصادي خلال موسم ونصف، وأمر يستحق الوقوف أمامه طويلًا. اشترك وخليك في الملعب لمتابعة أخبار الدوريات