إن ملفات الفساد التى تفتح اليوم فى مصر متعددة الجوانب و الوجوه و تحتاج منا الى الكثير من التأمل و التدقيق ان الاموال المنهوبة من الشعب المصرى كبيرة جدا ولكن اعادتها امر معقد للغاية لان الفساد وضع تلك الاموال فى اماكن محمية بها ثلاثة انواع من المزايا ضرائب مالية اقل خفاء مالى عن طريق القواعد الصارمة المتعلقة بالسرية المصرفية وحماية من الملاحقة القانونية عن طريق المبادئ التى تحكم عدم التعاون بين ادارات الشرطة والهيئات القضائية على الصعيد الدولى و للاسف تقوم تلك الدول بتقديم مساعدات لمصر حتى تحصل منها على مكاسب سياسية محتملة او مستقبلية و تعطى لنا انطباعا تضمنيا على انها مع الثورة المصرية وهى ضد الثورة المصرية بحماية تلك الاموال المنهوبة لديها فى مصارفها لصالح الفاسدين الذين نهبوا اموال الشعب الفقير فهم يعطون مصر المساعدات من اموالنا المنهوبة مفارقة عجيبة وغريبة ذلك التناقض الرهيب ويريدون من مصر ان تظل سياسيتها تابعة لهم نتيجة تقديم تلك المساعدات حتى يتم احتواء الثورة المصرية و تظل مصر تدور فى فلك التبعية و لا يكون لها وزن اقليمى مؤثر فى المنطقة لان ذلك يؤثر على المجال الحيوى لتلك البلدان و تضيع هيمنة تلك الدول على المنطقة لان قوة مصر تعنى لهم التأثير الحيوى على المنطقة و هناك وكلاء من الحكام العرب فى المنطقة العربية يعملون لصالح الدول الكبرى يعملون بطريقة او بأخرى على اجهاض الثورة المصرية و الحفاظ على النظام السابق فى مصر من خلال اللعب على وتر تقديم المساعدات واختلاق المشاكل و العراقيل بينها وبين مصر للضغط عليها من اجل عدم استمرار المسيرة الثورية فى الاتجاه الصحيح لان ذلك يؤثر على مصالحها فى الداخل المصرى مثلما حدث للوليد ابن طلال عندما حكم القضاء المصرى بعدم أحقيته فى الاراضى التى حصل عليها بثمن بخس من النظام السابق و مستثمرون آخرون عرب كانوا مستفيدين من النظام السابق و فى نفس الوقت اصبحوا متضررين من الثورة المصرية نتيجة لانهم استفادوا من فساد النظام السابق وحصلوا على مكتسبات كبيرة من هذا النظام السابق ولكن على حساب الشعب المصرى وهنا اصبح الفساد فساد دولى و الفساد فى النظام السابق فساد سياسى هيكلى يخضع لقواعدالمحسوبية و تحقيق مصالح بصورة غير قانونية و الاتجار بالنفوذ من خلال ممارسات الضغط و كان هناك الحدود الفضفاضة فى القوانين التى مكنتهم من تحقيق ارباح ضخمة من وراء ذلك من خلال عمليات الاثراء الشخصى ومحاباة ذوى القربى او الحلفاء من رجال الاعمال المصريين او العرب او غيرهم و الحصول بصورة غير مشروعة على اموال لتغطية نفقات انتخابية وقد تكون تلك الاموال من اموال الدولة والفساد ليس ظاهرة على هامش النظام و لكنه يتعايش فى اتحاد وثيق مع ذلك النظام و يتغذى على نقاط الضغف فيه و يتسرب داخل فجواته ويستند الى آليات و قيم النظام ذاته و الفساد السياسى هو المصالح المتبادلة بين النخب السياسية وهو بهذا المعنى يبرز أهمية علاقات العرض و الطلب بين النخب السياسية و الادارية والقوى المالية وهنا نرى ظهور مفهوم سوق النفوذ السياسى ونظم العلاقات المنبثقة منه و ممارسة الضغط يقصد بها التأثير مباشرة او بصورة غير مباشرة على عملية وضع اجراءات عامة او تطبيقها او تفسيرها بهدف تحقيق مصالح خاصة مما يعنى ارتكاس قيم متدرجة سياسيا حيث تقدم المصلحة الخاصة على مصلحة عامة تخص الجماعة او مصلحة جماعية تخص مؤسسة ما عندما يصيب الفساد احد الموظفين بها و كانت الحملات الانتخابية فى مصر الاخيرة كثيرا ما تكون وعودا بخدمات متبادلة بين رجال الاعمال و الحزب الوطنى من خلال النخب الحاكمة ولم تكن التزاما ببرنامج الحزب من جانب العقليات النفعية و النقدية فتسود مبادئ المنفعة المباشرة على حساب الشعب المصرى و لم يكن هناك فارق كبير الحيز السياسى و الحيز الخاص و ما زالت تلك العقليات موجودة على الساحة المصرية وتمثل خطر على مصر و سوف تعمل على حماية مصالحها بمنتهى قوة وهكذا يبدو الفساد بمتغيراته المختلفة كسلوك توافقى ظل لفترة طويلة موضع تساهل من جانب السلطة العامة و اللاعبين على المستوى الخاص بسبب نفعيته وهى نفعية منحرفة بلا شك لكنها مشروعة فى نظرهم لجدواها فى بلوغ غايات تعتبر منشودة ونجد ان الفساد الآن ينشأ بفضيحة وبضجة اعلامية ضخمة و التهويل فى الحدث و تحويله الى امر يستوجب التنديد بغرض الاثارة و لابد ان نعى تماما الفرق بين الضجة الاعلامية التى وصلت الى درجة الفضيحة و التنديد و احالتها الى قضية تنظر فى المحاكم و لكنها يمكن ان تنتهى فى النهاية الى مشكلة لا تستحق العقاب لعدم تعاون الكثير من الجهات الرقابية مع القضاء نتيجة التعتيم المعلوماتى من خلال ما يعرف بسرية المستندات او الوثائق و انها مرتبطة بالامن القومى للبلاد مما يتسبب فى عدم قدرة القضاء على اثبات الادانة وفى نفس الوقت يضاعف حالة التشوش و هذا هو المسار الملتوى للتستر على الفساد و المشاركة فيه و حماية الفساد أمر جد خطير خاصة انه لا يعفى السلطات الرقابية من تلك المسؤولية و نجد ان نجاة هؤلاء من العقاب نتيجة سلبية متساهلة او تواطؤ سلبى او مساندات فاسدة وحمايتهم امر يفقد مصر المصداقية التى تحتاج اليها لجذب الاستثمارات اليها و لابد ان نعى تماما ان هناك مرواغات قضائية سوف تستخدم لحماية هؤلاء الفاسدين من خلال التلاعب بالقانون و الحماية من قبل بعض المسؤولين فى السلطات الرقابية نتيجة علاقات تربطهم بهؤلاء مما يؤثر على سير اجراء المحاكمات لهؤلاء الفاسدين و ايضا سيحصل هؤلاء على حماية دولية نتيجة حماية اسرار تلك الدول التى لا تريد تلك الدول فضحها امام المحاكم المصرية خاصة ان تلك القضايا لها علاقة بدول مثل اسرائيل و قضايا أخرى متعلقة بعمليات تعذيب كانت ترتكب فى جهاز مباحث امن الدولة وكان يقوم الجهاز بالتعذيب بالنيابة عن دول اخرى فالقضايا متشابكة و معقدة للغاية و ليست بالسهولة حلها كما يعتقد الكثيرون