«لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى»، تلك الآية الكريمة من صورة النساء تقطع الشك باليقين بحرمانية الصلاة في حالة سُكر، إلا أن التحريم في ذاته، هل يقع على حالة السُكر فقط أم حتى الشرب في الأساس؟ تلك الجدلية التي ناقشها كثير من علماء المسلمين عادت للظهور على السطح بعد فتوى من الشيخ مصطفى راشد، المنتدب من الأزهر لدولة أستراليا ليقوم بمهام المفتي فيها، بعدم حرمانية شرب الخمر ما لم يسكر، ما أدخله في نقاشات حادة مع علماء آخرين، مثل الداعية خالد الجندي، حتى وصل الأمر بينهما لاتهام «الجندي» ل«راشد» ب«النصب وتدليس الدين»، ليقع البعض في حيرة من يصدق. «راشد» ليس أول من أفتى بأحلية شرب الخمر للمسلمين ما لم يسكر، كما أن «الجندي» يبقى ضمن العديد من العلماء المحرمين للأمر جملة وتفصيلًا، وفي هذا التقرير تستعرض «المصري اليوم» أبرز فتاوى العلماء المتعلقة بالخمر بين المحلل والمحرم لها. البيرة حلال؟ حل سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بالأزهر، ضيفًا على الإعلامي عمرو أديب، ليتناقشا في الكحول واستخدامه وشربه، ليقول «الهلالي»: «إذا كان الكحول من الخمر العنابية فهي مسألة عبادية، لأن بها نصا يقول: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، قالوا الخمر ده عندما نزلت الآية نزلت على الخمر العنبية، أما الخمر غير العنبية اللي متخذة من التمر أو الشعير أو سائر المزروعات، كل ذلك، البيرة وغيرها، خرج عن كونه خمرًا من العنب، دخل خمر من غير العنب، أبوحنيفة رضي الله عنه بيقول الحرام فيه القدر المُسكر». وسأله عمرو أديب: «إنت عايز تقولي البيرة مش حرام؟»، ليرد «الهلالي»: «دي مسألة خلافية، البيرة دي ليست متخذة من العنب، وإنما متخذة من الشعير، هذا الشراب إذا أسكر كثيره إذًا قليله حرام عند جمهور الفقهاء، أبوحنيفة قال لا، أنا مش مع الجمهور أنا رأي مختلف». ويسأل «أديب»: «أبوحنيفة شايف إن البيرة حلال؟»، ليرد «الهلالي»: «القدر غير المُسكر». القرضاوي: «نسبة خمسة بالألف من الكحول لا أثر لها في التحريم» في عام 2008، أدلى الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بتصريح لصحيفة «العرب» القطرية أحل فيه مشروب يحمل نسبة ضئيلة من الكحول، وقال «القرضاي»، في تصريحه إن «نسبة خمسة بالألف لا أثر لها في التحريم»، في فتوى أثارت كثيرا من الجدل. وأوضح «القرضاوي» موقفه على قناة الجزيرة قائلًا إنه سئل عن مشروب معين في الأسواق يحمل نسبة ضئيلة من الكحول وبفعل التخمر الطبيعي، قائلًا: «خمسة من عشرة آلاف يعني شيئا لا يكاد يرى أو يحس، فهذه النسبة لا اعتبار لها في الشرع، ولست أنا وحدي الذي قلت هذا.. ونسبة الخمسة في المائة من مائة أو نسبة الخمسة من عشرة آلاف لو شربت منه برميل بحالة لا تسكر». مصطفى راشد: «من يحرم الخمر يكذب على الله» اشتهر اسم الشيخ مصطفى راشد في الأيام الأخيرة بعد فتواه بتحليل الخمر، في مقال نشر في صحيفة الحوار المتمدن، قال فيه: «لتحديد وضع الخمر في الإسلام، إن كان محرماً أم لا، سوف نناقش الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع الخمر بالشرح والتفسير، حتى نستطيع الوصول للرأي الفقهي لوضع الفتوى بوضوح واطمئنان وثبات الحجة: أولًا: قوله تعالى في الآية 219 من سورة البقرة: «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما» (ص) والآية هنا توضح أن الخمر والميسر فيهما إثم ومنافع لكن إثمهما أكبر من نفعهما، وهذا ليس بنص تحريم، بل يضع الخمر في درجة المكروه، لأن نصوص القرآن عودتنا على الألفاظ القاطعة الواضحة إذا كانت المسألة تتعلق بالتحريم مثل قوله تعالى في سورة البقرة 173: «حُرِّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير»، وكذا الآية 3 من سورة المائدة، وأيضًا قوله تعالى في الآية 96 من سورة المائدة «وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما»، وكذا سورة النحل الآية 115، مما يعنى أن الخمر مكروه وليس محرمًا، وإلا لماذا لم تقل الآية حرم عليكم الخمر». ويتابع: «ثانيا: قوله تعالى في الآية 43 من سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (ص) وقد نزلت هذه الآية بعد أن كان بعض الصحابة يصلُّون وهم في حالة سكرٍ مزرٍ فيخطئون في قراءة الآيات، ويفهم ضمنيًا من الآية هو أن السكر حتى الغياب عن الوعي ممنوع أثناء الصلاة، ونص الآية لا يمنع في غير أوقات الصلاة. ثالثا: قوله تعالى في الآية 90 من سورة المائدة: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه» (ص) وهنا الآية واضحة في طلب اجتناب الخمر والأشياء الآخرى، وهذا لا يدل على التحريم بل يضع الخمر في درجة المكروه. وفرقُ كبيرُ بين حكم المحرم والمكروه. رابعًا: قوله تعالى في الآية 91 من سورة المائدة: «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكُم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون» (ص). أيضًا لم تقطع هذة الآية بحرمة الخمر والميسر بل تطالبهم بالتوقف عنهما حتى لا تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، ثم يأتى القرآن ليؤكد أن الخمر ليس محرمًا في ذاته، بل في علة الوقوع في السكر الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، بقوله تعالى في الآية 15 من سورة محمد «مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين» (ص). خامسًا: بالنسبة للحديث الذي رواه مسلم رقم 3733 بأن كل مسكر حرام. ابتداءً نتحفَّظ على سند الحديث لأن التحريم وهو أعلى درجات الأحكام في الشريعة الإسلامية لا يكفيه حديث يصدر عن أحد أو بعض الرواة، لكن على أي حال فنص الحديث لا يحرم الخمر في حد ذاته بل يحرم السُكر، أي الوقوع فيه. ويختتم مقاله قائلًا: «ونحن إذ نفتى بعدم حرمة الخمر في الإسلام قد وضعنا أمام أعيننا قوله تعالى في الآية 116 من سورة النحل: «ولا تقولوا لما تصفُ ألسنتكمُ الكَذبَ هذا حلالُ وهذا حرامُ لتفتروا على الله الكذبَ» (ص)، والله من وراء القصد والابتغاء. شيخ الأزهر يرد: «تتبع رخص المذاهب واعتماد الفتاوي الشاذة منهج خاطئ» من جانبه، كان لشيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، رد على فتاوى تحليل الخمر، وكان رده على فتوى «الهلالي» تحديدًا، حيث قال له، حسب صحيفة الأخبار: «تتبع رخص المذاهب واعتماد الفتاوى الشاذة منهج خاطئ، ولا يصح الترويج للأقوال الضعيفة، والشاذة، وطرحها على الجمهور، لأنه ابتعاد عن منهج أهل السنة والجماعة الذين أجمعوا على ترك العمل بالأقوال الشاذة». وتابع: «هناك فرق بين فقه التيسير المنضبط وبين منهج المبالغة والغلو في التساهل واتباع الرخص وشواذ الآراء، ولا يجوز لمن يفتي تحت ضغط الواقع أن يضحي بالثوابت والمسلمات، أو يتنازل عن الأصول والقطعيات بالتماس التخريجات والتأويلات التي لا تشهد لها أصول الشريعة ومقاصدها». «العريفي»: «الخمر حرام، يُسكر أو لا يُسكر» وعن شرب الخمر، يقول الشيخ محمد العريفي، ردًا على سؤال حول شرب الخمر بنسبة غير مسكرة ومدى حرمانية ذلك: «الخمر حرام، الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول (ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام)، فلا يجوز للإنسان، وكذلك (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، فليست العبرة بتحريم الخمر أنه يسكر أو لا يسكر، الخمر بذاته حرام تعاطيه». ويتابع: «والرسول (ص) يقول في الحديث الصحيح: (من مات مدمن خمر لاقى الله كعبد وثن) و(من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة).. فالخمر هي أم الخبائث ورأس الكبائر ولا يجوز الإنسان أن يتساهل بها أبدًا، حتى إنه لا يجوز تدار فيها الخمر حتى لو لم يشرب.. فما بالك بمن يشرب، سواء شرب كثيرًا أو قليلًا». اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة