اتفقت الآراء القضائية والقانونية على أن الاحتفاظ بسرية مصدر المعلومات أو المستندات الخاصة بأي قضية مطروحة للنشر الصحفي، وعدم الإفصاح عنه، لا يمكن ترجمته باعتباره سرقة لهذا المستند أو حصولا على المعلومة بطريقة غير مشروعة. وشدد فقهاء القضاء والقانون على أن حرية تداول المعلومات وحق الصحفي في الاحتفاظ بسرية مصدر معلوماته هو أمر بديهي مكفول بحكم الدستور والقانون، واتفق القضاة على أن بلاغ وزارة الداخلية ضد «المصري اليوم» غير منطقي، ويخالف القانون والإجراءات الجنائية. وقال المستشار الدكتور صابر غلاب، رئيس محكمة جنايات الزقازيق، إنه على الرغم من الكفالة القانونية لحق التقدم ببلاغ، وأن أي جهة أو شخص له حق البلاغ عن أي واقعة، حتى إن كانت لا تخصه، فإنه في الوقت نفسه يجب أولا معرفة مدى منطقية هذا الحق، وكيف يمكن استخدامه بما لا يجعل هناك مجالا لإثارة الشكوك والتساؤلات. وأضاف: «فإذا كان لوزارة الداخلية الحق في البلاغ عن اتهام جهة ما بسرقة شىء ما، فلماذا كانت تنتظر حتى توقيت معين تحدثت فيه هذه الجهة عن الشىء المدَّعَى سرقته لتتهمها الوزارة بسرقته؟!، بمعنى أنه إذا كانت (المصري اليوم) اختلست مستندات القضية محل النشر، فلماذا لم نسمع عن بلاغ بسرقة هذه المستندات من المكان الذي كانت محفوظة فيه، واقتحامه مثلا واختفاء محتوياته قبل التنويه عن النشر؟!». وتابع أن وزارة الداخلية في الأساس هي جهة تحر وضبط، حتى إن كان لها حق التقدم ببلاغ، فكان أحرى بها أن تشارك في البحث عن مرتكب واقعة السرقة، وعندما تضبطه تحيله إلى النيابة أو جهة التحقيق المختصة وفقا لأدلة هي المسؤولة عن جمعها لإدانته في هذا الاتهام بالسرقة. من جانبه، أوضح المستشار شريف إسماعيل، القاضي بمحكمة استئناف بني سويف، أن القانون في الوقت الذي يجرم فيه نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، حماية للسلم الاجتماعي والاستقرار الداخلي للدولة، فقد منح أيضا الصحافة الحق في عدم الإعلان عن مصادر معلوماتها مادامت تلك المعلومات مدعومة بمستندات تؤكد صحتها، وشدد على أنه لا يجوز بقوة القانون أيضا إجبار الصحفي لأي سبب على إعلان هذا المصدر أو حتى التلويح به لأسباب عدة، على رأسها الحرية في تداول المعلومات، وفي أحيان كثيرة حماية لأشخاص المصادر ذاتهم. ونوه المستشار أحمد الخطيب، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، بأن القانون منح الحق للصحفي في عدم الإفصاح عن مصدر معلوماته أو مستنداته، وأنه لا يجوز إكراهه أو ممارسة أي ضغوط عليه للوصول إلى مصدر تلك المعلومات. وقال الخطيب إن عدم إعلان الصحفي عن مصدر مستنداته لا يمكن مقابلته بتوجيه اتهام إليه بسرقة تلك المستندات أو الأوراق التي حصل منها على المعلومة، كما أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال اتهامه باختلاسها، خاصة أن جريمة السرقة في حد ذاتها من الجرائم التي يجب بمجرد اكتشافها تحرير محضر أو الإبلاغ عنها، وإلا فلا يمكن الاعتداد بها كواقعة سرقة من الأساس. وأكد أنه لا يمكن تعليق الإبلاغ عن واقعة سرقة وانتظار التقدم ببلاغ بشأنها، حتى تكتب عنها الصحافة لاتخاذها حجة في اتهام الصحيفة في هذه الحالة بارتكاب السرقة، مشيرا إلى أن هذا يعد خلطا للأوراق وعدوانا على حرية الرأى والصحافة المكفولة دستوريا، وعقبة أمام حرية تداول المعلومات التي يسعى الجميع لتعزيزها، وصولا إلى مزيد من الشفافية وكشف الحقائق أمام الرأى العام. واستطرد المستشار الخطيب: «لو أن هناك وقائع سرقة حقيقية كان يتعين على وزارة الداخلية الإبلاغ عنها فورا، دون انتظار النشر، واختصار الطريق بدلا من اتهام الجريدة بالسرقة». وتابع: «بل إن هذا الأمر يفتح الباب أمام مسألة المسؤولين عن تاريخ تلك السرقة وتاريخ الإبلاغ بها، وعما إذا كان هناك تقاعس في الإبلاغ من عدمه، وسببه إن وجد، بل كشف المسؤول عنه، لأنه لو صحت تلك الجريمة فإنه يجب محاسبة المسؤولين عنها بدلا من تعقب الصحافة وإلقاء الاتهامات عليها». اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة